لا يُمكن ترجمة التفاؤل بقرب توقيع اتفاقيّة الترسيم إِلَّا بعد تسلّم النص المكتوب من هوكشتاين

ترسيم الحدود

Share to:

الديار – دوللي بشعلاني

بعد الإجتماعات «المكوكية» التي أجراها الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود الجنوبية البحرية آموس هوكشتاين، أصبحت الكرة اليوم في ملعب الأميركي. وينتظر لبنان والعدو الاسرائيلي، كلّ على حدة، النص المكتوب لاتفاقية الترسيم التي وعد هوكشتاين بصياغته، لا سيما بعد الخلاصات التي استنتجها من اللقاءات الأخيرة التي عقدها أخيراْ في نيويورك مع موفدي الجانبين.

وإذ تصرّ الولايات المتحدة الأميركية على المضي قُدماْ في إنجاز صفقة الترسيم قبل نهاية تشرين الأول المقبل، سيما وأنّ الفرصة سانحة لها من وجهة نظرها، أكثر من أي وقت مضى، ما جعل مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر يؤكّد أنّ «لبنان نال مكاسب في الإتفاق، تقريباً نال مئة في المئة من كلّ ما طلبه»، لا يزال البعض في الداخل يُشكّك بنوايا العدو الإسرائيلي، ويجد بأنّ رئيس الحكومة الحالية يائير لابيد يريد تأجيل توقيع هذه الإتفاقية لما بعد الإنتخابات النيابية المقبلة في 1 تشرين الثاني المقبل، رغم أنّه «بشّر» بعقد إتفاق مع لبنان خلال أسبوعين، ورغم نفي هوكشتاين محاولة ربط إتفاقية الترسيم بالإنتخابات «الإسرائيلية» التشريعية.

مصادر سياسية متابعة لملف الترسيم البحري، أكّدت أنّ التفاؤل بقرب إنجاز الإتفاق لا يُمكن ترجمته إِلَّا بعد وصول النصّ المكتوب من قبل هوكشتاين، إمّا من خلال زيارة جديدة له للبنان ول «اسرائيل» لتسليم النصّ لكلّ من الجانبين، كلّ على حدة، أو من خلال إرسال مسودة الإتفاق عن طريق بعض القنوات الديبلوماسية والسياسية. ولأنّ الوسيط الأميركي لم يُحدّد موعداً للإنتهاء من صياغة النصّ، فإنّ الأمور تبقى معلّقة الى حين إعلانه عن وضع الإتفاقية. كذلك فإنّ الإتفاق على مضمون النصّ يتطلّب وقتاْ، وإن كان جرى التوافق على التفاصيل شفهياً، لأنّ ثمّة عبارات وجمل يُمكن تأويلها، أو تفسيرها كلّ على هواه.

من هنا، نصحت المصادر انتظار مسودة الإتفاق، مع الإشارة الى أنّ بعض التفاصيل لا تزال تحتاج الى معالجة، على ما أشار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وما كرَّره شينكر بقوله أنّه «لا يزال هناك نقاط خلافية صغيرة يُمكن تخطّيها بسهولة». ولكن يبقى هذا الأمر من وجهة نظره، ويحتاج الى موافقة لبنان عليه، مثل مسألة أن ينتفع العدو الإسرائيلي من حقل «قانا» عبر الشركة المنقّبة، أكانت «توتال» أو سواها، في الوقت الذي يصرّ فيه لبنان، من ضمن المحافظة على حقوقه البحرية، على الحصول على حقل «قانا» كاملاً، من دون الموافقة على وجود حقول مشتركة بينه وبين «الإسرائيلي»، سيما وأنّه تنازل عن الخط 29، وعن النصف الشمالي من حقل «كاريش»، مقابل أن ينال حقل «قانا» كاملاً ومن دون أي مشاركة في عائداته المالية، وإن عبر الشركة المنقّبة.

وتقول المصادرنفسها بأنّ مثل هذا التفصيل أو سواه، ليس نقطة خلافية صغيرة، ولهذا يجب معالجة التفاصيل المتبقية من قبل هوكشتاين قبل صياغة نصّ الإتفاقية، لكي لا يأتي «مِسخاً»، ولا يخدم سوى مصلحة الأميركي و»الإسرائيلي» في الحصول على غاز منطقة الشرق الأوسط. وتجد المصادر بأنّ كلام نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عن «أننا سننتظر حتى يأتي النص الخطي من الوسيط الأميركي غير النزيه، ويعطيه للحكومة اللبنانية ولرئيس الجمهورية، وعندها، عندما تقول الدولة اللبنانية بأنّ هذا النص ينسجم مع الحقوق اللبنانية ويعلنون ذلك نعتبر أنَّ لبنان استرد حقوقه في الترسيم والحفر»، لم يأتِ عبثاً، بل لوضع النقاط على الحروف بأنّ ليس أي نصّ سيكون مقبولاً ما لم يجد لبنان الرسمي أنّه يعطيه حقوقه كاملة. أمّا حديث شينكر عن أنّ لبنان قد نال 100 في المئة من مطالبه، فيجب أن يُصرف في النص المكتوب المنتظر، لا أن يبقى كلاماً في الهواء أو وعوداً فارغة.

أمّا مرحلة الإنتظار التي حدّدها البعض بأسبوعين فقد تطول أكثر، على ما لفتت المصادر، مبديةً خشيتها من حصول تأجيل تقني وسياسي لتوقيع إتفاقية الترسيم. وإذا تأجّل البتّ بأمر الإتفاقية الى ما بعد مغادرة رئيس الجمهورية قصر بعبدا في 31 تشرين الأول المقبل، والى ما بعد الإنتخابات «الإسرائيلية»، فإنّ الخوف من تعثّر الإتفاقية سوف يتفاقم.

فمن جهة، إذا لم يتمّ انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية خلال المهلة الدستورية، يكون لبنان أمام مشكلة فقدان المرجع الأساسي لتوقيع الإتفاقيات والمعاهدات الدولية، وهو رئيس الجمهورية، وإن كانت الحكومة أصيلة وفاعلة. ومن جهة ثانية، قد تُشكِّل عودة بنيامين نتنياهو الى الحكومة «الإسرائيلية» مشكلة إضافية، كون هذا الأخير قد ينسف الإتفاقية برمّتها ويعيدها الى نقطة الصفر، في حال عاد الى المطالبة بأمور عدّة، مثل حصوله على الخط 1 أو سوى ذلك من مطالب غير محقّة، بهدف تحقيق استفادة أكبر من الثروة النفطية في المياه الإقليمية.

ولكن في حال صدقت التوقّعات، على ما أوضحت المصادرعينها، وجرى توقيع اتفاقية الترسيم قبل نهاية تشرين المقبل، فإنّ هذا الأمر سيعني حتماً ليس التطبيع مع العدو الإسرائيلي، إنّما الحصول على نوع من السلم والإستقرار على الجبهة الجنوبية، لكي يتمكّن كلّ من الجانبين من بدء عمله واستثمار ثروته النفطية في الحقول النفطية الواعدة. وقد تتضمّن الإتفاقية بنداً ينصّ على ضرورة الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، ما يُشجّع الشركات الدولية على التقدّم لدورة التراخيص الثانية التي ينوي لبنان الإعلان عنها قريباً، والتي كان العدو الإسرائيلي اعترض لدى الأمم المتحدة عليها في وقت سابق بحجة أنّ لبنان لا يستطيع القيام بها في منطقة متنازع عليها.

كما تحدّثت الأوساط عن خشيتها من أن يُحوِّل الأميركي و»الإسرائيلي» إتفاقية الترسيم الى نوع من التطبيع، الأمر الذي لا بدّ وأن يتمّ توضيحه في نصّ الإتفاقية، وإلّا فقد يُفسّران موافقة لبنان على الترسيم مع العدو الإسرائيلي على هواهما ووفق ما يناسب مصلحتهما. ولهذا حذّرت المصادر من بعض الأفخاخ التي قد يتضمّنها نصّ الإتفاقية ومن ضرورة أخذ الوقت اللازم لدراسته قبل التوقيع عليه.

Exit mobile version