في ظل الجمود السياسي على الصعيد الداخلي اللبناني، وتعليق العمل في الاستحقاق الرئاسي، الذي كان يمثل الاولوية عند بعض الدول، لا سيما اعضاء “اللجنة الخماسية” المكونة من اميركا وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، جاءت الحركة المفاجئة لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، باتجاه مسؤولين وكتل نيابية وقادة احزاب دون ان يعلن عن عناوينها، وقد اشار الى احدها وهي تحصين الساحة الداخلية، ومحاولة تحييد لبنان عن “الحرب الاسرائيلية” على غزة، وعدم توسعها الى الجبهة الجنوبية مع فلسطين المحتلة، والتي تشهد عمليات عسكرية موضعية بين مقاتلي حزب الله وجيش الاحتلال الاسرائيلي، بحيث بلغ عدد شهداء المقاومة 34 شهيدا في آخر نعي لعناصرها.
وكان مفاجئاً، أن يبدأ باسيل لقاءاته من السراي الحكومي باجتماع مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، الموصوف “باسيليا” بـ”الخصم اللدود”، الذي “انتحل” صلاحيات رئيس الجمهورية بعد شغور منصبه، فقاطعه “تكتل لبنان القوي” وطلب من وزرائه عدم حضور جلسات مجلس الوزراء وتعطيل النصاب فيها، وافقاد الحكومة ميثاقيتها، لكن خطته لم تسلك طريقها للتنفيذ، فتغلّب ميقاتي على رئيس “التيار الوطني الحر”، الذي لم يقف حليفه حزب الله في صفه، فتوترت العلاقات بينهما واهتز “اتفاق مارمخايل”، الذي اصيب بنكسة ايضا بعد ترشيح “امل” وحزب الله رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية.
فلماذا انهى باسيل مقاطعته لحكومة تصريف الاعمال وزار رئيسها في السراي، واعقبها بلقاء مع رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” السابق وليد جبنلاط، واتصال “آمن” مع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله؟ وسيستكمل لقاءاته مع كتل نيابية ونواب وقوى سياسية وحزبية فاعلة، ولم ترشح معلومات عن انه سيلتقي رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، الذي نقلت مصادر عنه، بانه لن يلتقي باسيل الذي لا يأمن له، وسبق له ان اعتذر عن استقباله، حتى ولو حصل تقاطع بينهما حول اسم الوزير السابق جهاد ازعور لرئاسة الجمهورية والتصويت له.
فباسيل المحب للظهور الاعلامي، واكثر السياسيين تحركا لاثبات حضور شعبي له، فان ما فرض عليه، ان يبادر الى “الحراك السياسي” هو ما وصلت اليه من معلومات بان التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون قد يسلك طريقه، وان حزب الله لديه رغبة بذلك، بعكس موقفه من التمديد للمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي كان الحزب يطمئنه بالتمديد له، لكنه لم يعمل لذلك، لان حليفه الرئيس بري لم يكن مع التمديد لقائد الجيش، بحيث تتقدم المصالح الى الاهداف الوطنية احياناً، وتتضارب في كثير من الاحيان، وتتناقض في احيان، وهذا ما ينطبق على موضوع التمديد لرياض سلامه، بحيث رفض بري ان يتسلم نائب الحاكم الاول وسيم منصوري المنصب، في وقت كان حزب الله يرفض التمديد لسلامه، الذي كان الرئيس السابق ميشال عون يطالب باقالته.
من هنا، فان حركة باسيل كان لها عنوان اول، وهو رفض التمديد لقائد الجيش، الذي يحال الى التقاعد في 10 كانون الثاني المقبل، في ظل شغور مركز رئيس الاركان الذي يحل قانوناً مكان قائد الجيش، اضافة الى نقص في اعضاء المجلس العسكري الذي تقاعد ثلاثة ضباط برتبة لواء منه، فيقع لبنان في فراغ بالقيادة العسكرية، ويصبح الجيش من دون قيادة ومجلس عسكري مكتمل، بحيث فرضت التطورات العسكرية في غزة، وتحرك جبهة الجنوب مع العدو الاسرائيلي، وما يمكن ان يفرض ذلك من تطورات في الميدان، واضطراب امني في الداخل اللبناني.
لذلك، تحرك موضوع التمديد لقائد الجيش الذي يلقى تأييد الرئيس ميقاتي وقبول بري وموافقة جنبلاط الذي يكسب معه تعيين رئيس للاركان الذي هو مطلبه الدائم، في وقت ابدى حزب الله رغبة في بقاء المؤسسة العسكرية متماسكة ولها قيادتها، فلم يضع “فيتو” على فكرة التمديد طالما لم ينتخب رئيسا للجمهورية، لا سيما وان الجيش هو احد الاقانيم الثلاثة لمقولة “الجيش والشعب والمقاومة”، فتؤكد مصادر مطلعة على موقف حزب الله بانه ينظر الى قائد الجيش نظرة ايجابية لادائه، وهو كان متناغماً مع المقاومة، ومتصدياً للعدو الاسرائيلي في اكثر من موقع عند الخط الازرق كلما كان يحاول خرق السيادة اللبنانية.
فموضوع رئاسة الجمهورية كان بنداً في لقاءات باسيل، وان التسريع في الانتخاب يعيد انتظام المؤسسات، ومنها المؤسسة العسكرية وغيرها، لكن التوافق حول مرشح لرئاسة الجمهورية لم يحصل، وهذا ما سيؤخر الانتخابات التي جمدتها الحرب ايضاً، ولم تعد فلسطينية ـ “اسرائيلية” فقط، بل تحولت الى اقليمية ودولية، ولبنان من خلال حزب الله مشارك في هذه الحرب، التي تتمنى اطراف عديدة ان لا تشمل لبنان كله، وهذا ما عبّر عنه جنبلاط امام باسيل، وابلغه بان قدراتنا قليلة في منع توسع الحرب لبنانيا، ولكن ننصح دائماً.
فالتمديد لقائد الجيش هاجس يقلق باسيل، لان اذا بقي في منصبه فهو مرشح لرئاسة الجمهورية، فكما طار سلامه كاسم طرح في فترات سابقة، يسعى باسيل للهدف ذاته مع العماد جوزاف عون.