سام ضو – اللواء
بات معلوماً وفق العلوم السياسية أنّ إرادة الشعب هي إرادة الأغلبية السياسية الشرعية – الدستورية وليستْ الإجماع لأنّ الاجماع ممكن في كل الأحوال ولكن عند مراجعة نصوص القوانين (قانون الدفاع الوطني – الدستور، بند حل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية – تحرير لبنان من الإحتلال الإسرائيلي ونشر الجيش اللبناني مكان القوى المنسحبة)، هذا يعني بصريح العبارة أنّ هناك قانوناً ملزماً من المفترض تطبيقه أو إعْتُبِرَ الأمر إخلالاً بالقانون. لا يجوز أن يرزح العهد الحالي وحكومته والشعب اللبناني بكل أطيافه تحت نير مجموعات خارجة عن منطق قانون الأحزاب والجمعيات وعن منطق الدستور وعن مندرجات القرارات الدولية، وإنْ إعتُبِروا في وقت معيّن أنهم «حماة الوطن» فالقوات المسلّحة اللبنانية هي التي يُناط بها حماية الوطن وفقاً للمادة الأولى من قانون الدفاع الوطني حصرياً، وبالتالي لا شرعية لهذه الميليشيا ولا تصرفات لها مطلقة حيث لا بُـدّ لها أن تخضع للقيود القانونية.
مرفوضة أي تسوية تهدف إلى حرف الأنظار عن المنطقين الدستوري والقانوني حيث يُحاولون تشابك مطالب إجتماعية تعكسْ مشروعاً طويل الأمـد غايته إعادة رسم خارطة سياسية – عسكرية – ميليشياوية تُعيد أمور على ما كانتْ عليها قبل «حرب الإسناد». إنّ ما صدر عن مرجع حزبي ميليشياوي ليس مجرّد موقف عابـر بل هو إمتداد لرؤية دولة إقليمية متشابكة تسعى إلى خلق مشروع هيمنة على القرار في لبنان ولسنا بحاجة للتذكير بحملة السطوة على البلاد في كافة إداراتها المدنية والعسكرية وفق تصور المرشد الروحي في هذه الجمهورية الذي يعتمد على الهيمنة المطلقة على ما تبقّى من إدارات في الجمهورية اللبنانية وتحويلها إلى إدارات تابعة لسلطة «الولي الفقيه».
المقصود بالكلام الصادر عن هذه المرجعية هدفه ليس حرباً طارئة أو مرحلية أو إنتقائية وتنتهي الحكاية وإنما هي بالأساس وفي الجوهــر حرب إستمرارية للحروب التي تخوضها هذه الدولة الإقليمية والتي تستهدف في العمق لبنان وشعبه وهي حرب مبيّتة تستند إلى مشاريع ومخططات وأهداف وأطماع تاريخية – ديمغرافية – جغرافية – إستراتيجية. إنّ الهدف من هذه الشروط التي صدرتْ لن تكون الأخيرة في سياق المطالب طالما أنّ السلطة السياسية اللبنانية كانتْ ترزح تحت وطأة التهديدات التي كانتْ تتعرض لها إبّان المراحل السابقة ولعّلْ الهدف هو رضوخ السلطة اللبنانية الحالية المتمثلة بالعهد الجديد وحكومته لهذه الإملاءات.
المواقف الصادرة ما هي إلّا تملُّق لبعض المكوّنات الشيعية المُضلّلة لإستغلال مشاعرها وكسب ودّها وإثارة غوغائية بعضها، مع العلم أنّ هناك تململاً عند بعض المراجع وهناك إحتمالية كبيرة لفقدان الثقة وإتباع سياسة المقاطعة، ولا سيّما أنّ الشعب اللبناني سواء أكان في المناطق التي كانتْ تُعتبر مربعات أمنيّة عانت من خطر الحرب ومآثرها. إنّ الأمور تشي أنّ هناك رغبة في تحقيق مصلحة جد خاصة على حساب السلم الأهلي في لبنان والظاهر أن هذه المرجعية استخدمتْ مجموعة واسعة من المعايير والإجراءات في سياق مؤتمرها الصحفي للضغط على الدولة بكافة مرجعياتها وهذا أمر يتناقض والنظام القائم ومبدأ السلم والإستقرار الداخلي.
أمر فرض شروط معينة هو أمـر خطير ولا يمكن لأي مكوّن لبناني مهما مارس من ضغوط وتحت أي تأثير أو مُسمّى على ما حصل أن يفرض على النظام السياسي اللبناني وعلى اللجنة الخماسية وعلى المجتمع الدولي أي بند يحمل شروطاً غير موضوعية أو شروط عن كيفية التعاطي مع المرحلة السياسية التي تتطلب تطبيق القرارات الدولية وحصرية السلاح، فمحاولة فرض هذه الشروط حتماً ستصطدم بمواقف جد شرعية تستمّد الدستور والقوانين المرعية الإجراء لأنها ستحول دون مصادرة القرارات الحكومية والشعبية.
وعلى هذه المرجعية أن تعلم علم اليقين ومن يُرافقها ويدعمها أنّ هناك ما بات يُعرف بـ«التوازن الداخلي» المستمّد من إرادة شعبية مُطالِبة بالإستقرار وبتطبيق القانون وبحصرية السلاح عبر القوى اللبنانية الشرعية، وبالتالي تمنع أي تفرُّد في الرأي أو فرض رأي داخلي أو إملاءات إقليمية مبطّنة على ما يرد من وقت لآخر، وبصريح العبارة «لا لأي قرار يُفرض من الخارج على حساب مصلحة لبنان ومؤسساتها الرسمية المدنية والعسكرية وعلى حساب مصلحة الشعب والسلم الأهلي».
بعد اليوم لا سلاح غير شرعي في الجمهورية اللبنانية، لأنّ هذا السلاح أظهر أنّ لديه دوافعه ومبرراته وقيمه السياسية العقائدية. إنّ هذا الموقف ينبع مما قاله فخامة الرئيس في خطاب القسم « تأكيد حق الدولة في إحتكار حمل السلاح… وعلى حق الجيش في السيطرة على حدود البلاد…». النظام السياسي والجيش هما اللذان يقبضان على السلطة في الجمهورية اللبنانية ويُمارسان هذه السلطة وفقاً للآلية الدستورية المعتمدة ، كما أنّ ممارسة السلطة لا تتم بصورة عفوية أي أنها لا يمكن أنْ تتُّمْ بدون قواعد تنظمها وبالتالي إنّ إستقامة الوضع السياسي في الجمهورية اللبنانية يتطّلب فرض نظام أمني سياسي – اقتصادي – قضائي صارم لضبط الأوضاع العامة ومن أولى بديهيات هذا النظام أنه لا سلاح خارج إطار القوى الشرعية اللبنانية وكل كلام خارج عن هذا الإطار هو بمثابة الخيانة العظمى.