على وقع زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، لدمشق، ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد، والمعلومات التي وردت حول دعوته إيّاه لزيارة أبو ظبي، احتدم النقاش حول طبيعة العلاقات الإماراتية – السورية، والخلفيات التي سمحت بعودتها وتمتينها، واحتمال أن تنضمّ إليها دول أخرى، في مقدِّمها السعودية. وانطلاقاً من الإجابات المفترضة حول هذه النقاط، حُكيَ عن أن دمشق قدّمت تنازلات سياسية، أفضَت إلى تزخيم جهود إعادتها إلى «الحضن العربي»، وإن كان أصحاب هذا الرأي، أهملوا واقع التحولّات التي تمرّ بها المنطقة، وأبرزها ارتخاء القبضة الأميركية
طوال السنوات الثلاث الفائتة، ولدى سؤال بعض أصدقاء الحكومة السورية مسؤولين رفيعين فيها، حول مستوى العلاقات بين أبو ظبي ودمشق، كان هؤلاء يجيبون بأنها «كما يُحكى في الإعلام، وليس فيها أيّ بنود خفيّة أو خطط مستقبلية، خارج المجال الاقتصادي». لكن يبدو واضحاً اليوم أن هذه العلاقات بدأت تتّخذ منحىً سياسياً، وخصوصاً بعدما ثَبت لدى السوريين أن المبادرة الإماراتية ليست سوى مهمّة استطلاعية، تقوم بها أبو ظبي نيابةً عن عدة عواصم عربية، أبرزها الرياض التي تابعت هذه الجهود بعدما اطمأنّت إلى أنها لن تقابَل بالرفض، وواكبتها بإجراءات غير علنية، كزيارة رئيس جهاز المخابرات السعودي، خالد الحميدان، لدمشق في أيار الماضي، حيث قدّم عرض بلاده المعروف، والذي قضى حينها بـ«موازنة علاقات سوريا مع إيران والسعودية»، في مقابل إعادة سوريا إلى «المنظومة العربية». ومع أن دمشق لم تتجاوب مع هذا العرض، إلّا أن ذلك لم يمنع الرياض من استكمال جهودها، وإنْ من خلف الستار، وسط معلومات تُشاع عن زيارة «علنية» يُتوقَّع أن يقوم بها وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إلى دمشق، في الأسابيع المقبلة.
وليست كلّ هذه التحوّلات معزولة من سياق إقليمي، عنوانه إعادة صياغة التحالفات والتوازنات، تأسيساً على عدّة معطيات، أبرزها ما يأتي:
– تراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، واحتمال تراجعه أكثر خلال السنوات المقبلة، ما سيعني اتّساع هامش المناورة لدى دول المعسكر الأميركي، خارج السياق الضيّق الذي كانت ترسمه لها واشنطن، مع الحرص على عدم الاقتراب كثيراً من الخطوط الحمر الأميركية، فضلاً عن تجاوزها.
– مسار المفاوضات النووية الأميركية – الإيرانية، ومراحل تطوّرها، وفرص نجاحها واحتمالات فشلها.
– تغيّر توازنات القوّة في المنطقة، بناءً على نتائج الصراع في عدّة ساحات أساسية، كاليمن وسوريا، والتي ضمنت للمحور المناوئ للمحور الأميركي مزيداً من النفوذ.
في خضمّ ما تقدَّم، تبرز عدّة دوافع يبدو أنها حدت بأبو ظبي إلى تمتين علاقاتها مع دمشق وإظهارها إلى العلن، والتبرّع بالقيام بدور الوسيط الذي يعيدها إلى «الحضن العربي».
وهي دوافع يمكن تلخيصها بالآتي:
– البحث عن دور في تشكيل المنظومة الإقليمية الجديدة، بعيداً من الانتظام في معسكر مغلق بدأت واشنطن تخفّض موقعه في لائحة أولويّاتها. إذ يريد حكّام أبو ظبي إظهار أنفسهم على أنهم قادرون على أداء دور إقليمي متميّز خارج الجلباب السعودي، وأيضاً خارج معسكر التطبيع، عبر تمتين العلاقات مع دولة معادية لإسرائيل، منخرطة في محور المقاومة، وأهمّ حلفائها على الإطلاق، إيران.