يعود ملف السلاح الفلسطيني في لبنان إلى الواجهة من جديد مع تكثيف اللقاءات اللبنانية – الفلسطينية، وسط مساعٍ متواصلة لإيجاد حلول شاملة تأخذ في الاعتبار الجوانب الأمنية والاجتماعية والسياسية كافة. وتؤكد مصادر لبنانية وفلسطينية متقاطعة أنّ المرحلة الحالية تحمل مؤشرات إيجابية، سواء على صعيد التعاون مع الدولة اللبنانية أو على مستوى تجاوب الفصائل الفلسطينية، في وقت يتزايد فيه الضغط لمعالجة الملفات الحسّاسة المرتبطة بالمخيمات، من السلاح غير الشرعي إلى الحقوق المدنية، مروراً بأوضاع اللاجئين في ظل رفض قاطع لمشروع التوطين.
وفي هذا الإطار، أكدت مصادر لبنانية أن اللقاء الذي أجراه رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني السفير رامز دمشقية مع السفير الفلسطيني في لبنان محمد الأسعد كان إيجابياً جداً، خصوصاً أن هناك تعاوناً من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع الدولة اللبنانية إلى أقصى الحدود. وأوضحت المصادر أن هذا التعاون يعكس حرص القيادة الفلسطينية على تعزيز العلاقات مع لبنان ودعم جهوده في معالجة الملفات المرتبطة بالقضية الفلسطينية، لكنها شدّدت في الوقت نفسه على ضرورة تعاون جميع الفصائل الفلسطينية الأخرى لضمان نجاح هذا المسار، وكشفت المصادر عن اجتماع عقده السفير دمشقية يوم الثلاثاء الماضي مع وفد من حركة «حماس» وآخر عقد في مكتبه في السرايا مع وفد من حركة «الجهاد الإسلامي» حيث كانت النتائج إيجابية خلال الاجتماعين.
وردّاً على سؤال، لفتت المصادر إلى أن بعض الاشتباكات التي تشهدها بعض المخيمات الفلسطينية في بيروت ليست مرتبطة بخلافات سياسية أو عسكرية بين الفصائل، بل تعود في معظمها إلى صراعات بين عصابات مرتبطة بتجارة المخدرات. وأضافت أن ما جرى تسليمه من أسلحة في الفترة الماضية يقتصر على الأسلحة التي تعتبر ثقيلة، مثل القذائف والصواريخ، مشيرة إلى أن مخيمات مار إلياس وبرج البراجنة باتت شبه خالية من هذه الأسلحة الثقيلة، فيما يبقى الوضع في مخيمي صبرا وشاتيلا أكثر تعقيداً نتيجة انتشار تجارة المخدرات ومشاكلها.
وتابعت المصادر موضحة أن مخيم عين الحلوة ما زال يشهد بعض التعقيدات الخاصة، إلّا أنّ هناك تواصلاً مستمراً بين السفير دمشقية وقائد الجيش اللبناني من أجل تسهيل بسط سلطة الشرعية داخل المخيم وغيره من المخيمات، كاشفة عن اجتماع عقد بين الرجلين في اليومين الماضيين لبحث الملف، خصوصاً أن الجيش اللبناني يواجه مهام كبيرة وأساسية على المستوى الوطني. كما كشفت المصادر عن تخفيف بعض الإجراءات الأمنية المتخذة عند مداخل عدد من المخيمات، لا سيما في مخيمات الرشيدية والبص وبرج الشمالي في صور، إضافة إلى مخيم برج البراجنة في بيروت حيث سمح بإدخال مواد البناء لهذه المخيمات.
وفي ما يتعلق بالحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين، أكدت المصادر أن حق الفلسطينيين في لبنان هو حق مشروع، وأن الجهود تتركز على تسهيل حياتهم وتأمين احتياجاتهم الأساسية، لا سيما في ما يتعلق بحق العمل في بعض القطاعات الحيوية والأساسية. ورأت أن السماح لهم بالعمل في هذه القطاعات سينعكس إيجاباً على أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، وسيُسهم كذلك في تنشيط الاقتصاد اللبناني، باعتبار أن الدخل الذي يحصل عليه الفلسطينيون سيُصرف بمعظمه في الداخل اللبناني.
وأشارت المصادر إلى أن هناك عملاً جادّاً على تعديل بعض القوانين اللبنانية المرتبطة بحقوق الفلسطينيين، خصوصاً ما يتعلق بمنعهم من التملّك، واعتبرت أن هذا الأمر مجحف بحقهم. وأكدت أن التوجه يسير نحو منح الفلسطينيين حقوقهم الأساسية من دون أي بُعد للتوطين، لافتة إلى أن المسؤولين الفلسطينيين أنفسهم يرفضون التوطين، وأن الهدف الأساس هو تحسين أوضاع الفلسطينيين المعيشية، وهو ما لن يكون له أي تأثير على التوازن الديموغرافي في لبنان.
ولفتت المصادر إلى أن زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أعطت دفعاً مهماً للدولة اللبنانية في توقيت دقيق، وساهمت في تعزيز توجهها نحو إعادة بسط سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية. وشدّدت على أن خطة سحب السلاح الفلسطيني مستمرة ولن يتم التراجع عنها تحت أي ظرف.
وفي السياق نفسه، أكدت مصادر في حركة «حماس» في بيروت لـ«اللواء» أنّ الأجواء التي رافقت اللقاءات الأخيرة كانت إيجابية منذ البداية، مشيرة إلى استعداد الدولة اللبنانية للتجاوب ومنح الفلسطينيين حقوقهم الأساسية، لا سيما في ما يتعلق بالعمل والتملّك. وأضافت المصادر أنّ الحركة تلقّت إشارات إيجابية من مختلف الأطراف اللبنانية، وهو ما يعكس ميلاً عاماً نحو خطوات عملية لتحسين أوضاع الفلسطينيين، مع التأكيد على أن الحوار يجب أن يشمل جميع الفلسطينيين وليس فصيلاً واحداً فقط، معتبرة أنّ بعض الفصائل تمثل جزءاً من المجتمع الفلسطيني وليس كل الفلسطينيين.
كما شدّدت على أنّ الخلاف في الرأي لا يفسد الاتفاق على الهدف الأساسي خصوصا ان الجميع يتفق على الغاية الجوهرية من الحوار والمساعي القائمة.وأوضحت المصادر أنّ موضوع السلاح حسّاس، مشيرة الى أنّ الأسلحة الفلسطينية لدى الحركة لا تشمل الأسلحة الاستراتيجية مثل الصواريخ الباليستية أو الطائرات المسيّرة، بل تقتصر على بعض الصواريخ الخفيفة والأسلحة الفردية. ولفتت إلى أنّ ربط ملف «حزب الله» بالملف الفلسطيني غير دقيق ومجافٍ للواقع.
وأكدت المصادر أنّ الحوار لا يجب أن يقتصر على الجانب الأمني فقط، بل يشمل جميع الجوانب المرتبطة بالقضية الفلسطينية، بما في ذلك العمل والتملّك والأمن والمخيمات وملفات وكالة الأونروا والقضايا الأخرى، مشيرة إلى أنّ هذه الملفات مرتبطة بالقضية الفلسطينية والتوطين والاحتلال الإسرائيلي.وإذ اعتبرت المصادر أنّ معالجة موضوع السلاح يجب أن تتم بطريقة صحيحة تفهم داخلياً وتريح الأجواء خارجياً، ختمت بالتأكيد بأنّ الحركة مستمرة في الحوار مع الجهات اللبنانية، سعياً للتوصل إلى صيغة ترضي جميع الأطراف بشأن تسليم السلاح، وضمان الحقوق المدنية للاجئين، وتعزيز أمن المخيمات وضبط الإشكالات التي تقع فيها.
لينا زيلع – اللواء