الجمهورية – أيفا أبي حيدر
رغم انّ النقاش الجدي في خطة التعافي لا يزال متوقفاً منذ الانتخابات الّا انّ الاصوات المعترضة عليها لا تزال كثيرة. اليوم، وبعدما باتت الخطة في عهدة المجلس النيابي، ومع انطلاق عجلة اجتماعات اللجان النيابية يبدو انّ هناك افكاراً كثيرة وطروحات جديدة قيد الدرس، فما هي المقاربة الجديدة المطروحة؟ وما هي مشاريع القوانين المترابطة بها؟أربعة عناوين عريضة مترابطة تشكل الاجراءات الاولية الطارئة المطلوب ان تبصر النور اليوم في المجلس النيابي للسير قدماً في شأن التوصل الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، هي: إقرار مشروع قانون موازنة 2022 المُحال من قبل الحكومة منذ شباط الماضي، مع ضرورة التنبّه اذا ما كانت ارقامها لا تزال تصلح في ظل التقلبات المستمرة في سعر الصرف وتراجع قيمة الواردات، إقرار قانون تعديل السرية المصرفية، إقرار قانون الكابيتال كونترول لمنع خروج رؤوس الاموال من البلاد وإقرار قانون إعادة هيكلة المصارف والذي يهدف الى معالجة الخسائر داخل القطاع المالي. كل هذه القوانين لا تزال متعثرة حتى اليوم فهل يساهم ضغط توقيع الاتفاق مع صندوق النقد في الاسراع بالبَت بها؟
في السياق، يؤكد النائب رازي الحاج لـ«الجمهورية» انّ هناك اربعة مشاريع قوانين ملحة في المجلس النيابي يجب البَت بها لأنها مطلوبة قبل توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي وهي: قانون الموازنة، الكابيتال كونترول، السرية المصرفية وقانون هيكلة المصارف، لافتاً الى انّ التحدي الاكبر هو في التمكّن من اقرار قانونَي الكابيتال كونترول واعادة هيكلة المصارف. يفنّد الحاج مقاربته لمشاريع القوانين قائلاً: بالنسبة الى الكابيتال كونترول، الهدف من اقراره المحافظة على عدم خروج العملة الصعبة والرساميل من البلد والحَد من الاستنسابية التي تقررها المصارف تجاه المودعين.
انطلاقاً من ذلك، نحن نصرّ على ألا يتضمن القانون اي فقرات او مواد تعطي الحق او تخوّل اي جهة الاستنسابية، حتى لو نَصّ القانون على انشاء هيئة او إعطاء صلاحية لحاكم مصرف لبنان او مجلسه المركزي يجب ان تكون محدودة جدا واستثنائية ولها علاقة بقضايا تقنية، مع الحرص على ألاّ تضر بجوهر القانون.
على مستوى القانون الطارئ لإعادة هيكلة المصارف يقول الحاج: تدرك المصارف جيداً ان هناك تراتبية في تحمّل المسؤوليات ولا يمكن لهذه التراتبية ان تبدأ بالمودعين الذين حملوا قسطهم من الخسائر، والتي اتت وفق 3 انواع: خسائر بودائعهم المجمدة من خلال الهيركات الذي فرض عليها وتدنّت قيمتها وتم تذويبها، الخسارة الثانية تكمن في الاموال التي سحبها المودع من المصرف حيث كانت قدرته الشرائية قد تدنّت بسبب انهيار سعر الصرف، والثالثة نصيبه من الناتج المحلي الاجمالي المستقبلي الذي سيحتاج الى وقت طويل قبل ان يعود الى المستوى المطلوب.
تابع: بعدما أكل المودع نصيبه من الخسارة، تدرك المصارف جيداً انه حان الوقت لأن تحمل جزءاً من الخسارة، مع الاخذ بالاعتبار ضرورة المحافظة على النظام المصرفي. وعليه، ليس الهدف اليوم ضرب القطاع إنما اعادة هيكلته على قدر الامكان كي يتمكن من الانطلاق مجددا، واستيعاب الدورة الاقتصادية ليُصار بعدها الى تكوين احتياطي من العملات الصعبة، وعندها يمكن الحديث مجدداً عن استعادة العافية الاقتصادية وتالياً يمكن إيجاد حلول او اجوبة عن بعض الاسئلة التي تشكّل اليوم لبّ الصراع، مثل: هل تشطب هذه الالتزامات؟ هل تلغى الودائع الكبيرة؟ انطلاقاً من ذلك، دعا الحاج الى عدم التعاطي مع كيفية توزيع الخسائر كقرار مُلزَمين على اتخاذه سريعا لأنّ هذا الامر قد يتغير مع الوقت وهو يرتبط بالمدة التي سيستغرقها التعافي الاقتصادي.
وقال: بالمبدأ العام لا يمكن بناء خطة اقتصادية مبنية فقط على مفهوم توزيع الخسائر، انما على مفهوم إطلاق الاقتصاد. صحيح انه من ضمن هذه الخطة لدينا خسائر في ميزانية مصرف لبنان، ميزانية المصارف التجارية، دين عام، حملة اليوروبوندز… انما لا يجب ان تشكل كل هذه التحديات عقبة امام الخطة الاقتصادية والتي تركّز على ضرورة اطلاق الاقتصاد والانتاج والدورة الاقتصادية القادرة على تعويض الخسائر وتحقيق نمو…
أضاف: خلال السنوات الثلاث الماضية تركز الحديث على الخسائر المتأتية من النموذج الاقتصادي الذي انكسر وأهملنا كل ما تَلاه، فتراكمَت لا بل تضاعَفت الخسائر التي أدّت الى تَشوّه اقتصادي كبير، وتَشوّه بالطبقات الاجتماعية سيكون تأثيرها على المدى الطويل اصعب بكثير من اي تعافٍ اقتصادي. انطلاقاً من ذلك، نحن نرى ان الخطة الطارئة للمصارف هي قانون دقيق جدا فيه شق تقني وشق مالي وشق قانوني.
وكشف انّ مصرف لبنان الى جانب لجنة الرقابة على المصارف، والمصارف بدأت تعدّ لشيء ما بالشقين المالي والتقني، على ان الشق القانوني يحتاج الى كثير من العمل والتحضير، لكن بالنهاية يجب الاقتناع انه من دون نظام مصرفي طبيعي لا يمكن بناء اقتصاد.
وشدد الحاج على ضرورة إرفاق مشاريع القوانين الاربعة هذه بالتوازي مع خطة لانقاذ الاقتصاد بثلاث سياسات عامة نقدية مالية واستثمارية، فالتعافي البطيء غير كاف، كذلك الاكتفاء بتوزيع الخسائر، لذا المطلوب اعداد خطة تصبّ لصالح التعافي الاقتصادي وقادرة على تحقيق نمو لرد الودائع قدر المستطاع، والعمل على تصغير فجوة الخسائر من دون التخلص منها نهائيا وبسرعة لأنّ الاقتصاد اللبناني قد يتعافى بسرعة اكثر مما نتصور بما قد يُمكّننا من رَد جزء أكبر من هذه الودائع بدلاً من حصرها بـ100 الف دولار.
ولدى سؤاله اذا كانت مشاريع القوانين المطروحة اليوم في المجلس النيابي تحتاج الى الكثير من التعديل؟ قال: لديّ ملاحظات على مشروع الموازنة، وبرأيي هي لا تقارب الواقع وتفتقر الى الاشارات الاصلاحية أكان على المستوى الاداري، منها على سبيل المثال لا الحصر خطة التحول الرقمي، علماً انّ تمويلها مؤمّن، كما تفتقر الموازنة الى خطة حل لأزمة الكهرباء او مشاريع النقل العام. ورأى انّ الاولوية اليوم من الاتفاق مع صندوق النقد هي اعادة هيكلة المصارف واعادة تكوين احتياطي في العملات الصعبة لنتمكّن من الوصول الى سياسة نقدية مَرنة ومدارة.