بعد زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الأخيرة الى لبنان، والتي وُصفت بالفاشلة، كونه لم يتمّكن من إحراز أي تقدّم في ملف الإستحقاق الرئاسي، يتحرّك رئيس “التيّار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل في اتجاه القيادات الدينية والسياسية، ويتلاقى في حَراكه مع “اللقاء الديموقراطي” والحزب “التقدّمي الإشتراكي” الذي انطلق أيضاً في اتجاه الأحزاب، سعياً الى التوافق على “المرشح الوفاقي” أو “المرشح الثالث”، ولو من دون الخوض في تسمية المرشّحين للرئاسة.
ولا يحمل باسيل خلال جولته على المسؤولين التي استهلّها يوم الأحد بزيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، واستكملها أمس الاثنين على المسؤولين اللبنانيين، أي مبادرة رئاسية، خلافاً لما قيل ولما بدأ الترويج له في وسائل الإعلام. فقد سبق للتيّار أن حمل ورقته الرئاسية وجال بها على القوى والأحزاب السياسية، محدّداً فيها مواصفات وبرنامج رئيس الجمهورية للمرحلة المقبلة، ولكن لم تتمّ موافقة الجميع عليها.
مصادر سياسية مطّلعة تقول انّ باسيل يتحرّك اليوم في اتجاه القوى الروحية والسياسية، بهدف تأمين ما كان يأمل لودريان أن يجده خلال زيارته الأخيرة الى بيروت (في 28 أيّار المنصرم)، ألا وهو “تحضير الأرضية”. وهذا يعني تأمين “التوافق” بين جميع الكتل النيابية على التشاور أو التحاور أولاً، لتأمين الذهاب الى مجلس النوّاب بنصاب قانوني أي بـ 85 صوتاً، وبـ 65 صوتاً للفوز بالمقعد الرئاسي. فما أعلنه الموفد الفرنسي عن أنّ “لبنان السياسي سيزول ولن يبقى سوى لبنان الجغرافي”، ليس مزحة. وهذا الأمر الخطر حرّك رئيس باسيل إذ أخذ كلام لودريان على محمل الجدّ على غرار الحزب “الاشتراكي”، ولهذا انطلق كلّ منهما في تحرّكهما الأخير من أجل جسّ نبض جميع الأحزاب والكتل السياسية، حول إذا كانت فعلاً تريد انتخاب الرئيس.
فثمّة أمور عديدة يمكن للكتل النيابية أن تتفاهم عليها، على ما أضافت المصادر، ومنها يجري الانطلاق للتوافق على انتخاب الرئيس، لا سيما إذا ما كان الجميع لديه النيّة للذهاب الى مجلس النوّاب، وأداء مهامه الدستورية. ولعلّ أبرز هذه النقاط:
1 – الفصل بين حرب غزّة والمواجهات العسكرية عند الجبهة الجنوبية والاستحقاق الرئاسي. فالحرب يجب أن تكون محفّزاً للإسراع في الانتخاب، وليس عاملاً رادعاً له. فالانتخاب يهدف الى بناء الدولة وحماية لبنان من التحديات المقبلة.
2 – التوافق على أنّ الحلّ يجب أن يكون لبنانياً، وعدم انتظار أي تسوية مقبلة، كونها لن تأتي برئيس الجمهورية.
3 – الموافقة على ضرورة التشاور أو التحاور بين القوى والكتل النيابية مع تخطّي التفاصيل الشكلية، علّه يوصل الى التوافق على اسم مرشّح ما. وفي حال عدم حصول هذا التوافق من يوم حتى أسبوع من المشاورات، يجري الذهاب الى المجلس للانتخاب بدورات متتالية، من دون أن يقوم أي طرف بتعطيل النصاب القانوني، أو بالتنازل عن مرشّحه. على أن تتعهّد جميع الأطراف على ألّا يُصبح “التشاور” عُرفاً يتمّ اللجوء اليه قبل كلّ استحقاق رئاسي مقبل.
4 – التفاهم ليس فقط على انتخاب الرئيس، إنّما أيضاً على عدم تعطيل العهد المقبل، أي السعي الى إنجاحه بهدف حلّ الأزمة الاقتصادية والمالية غير المسبوقة التي يعيشها لبنان، فضلاً عن أزمة النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، وتحقيق الإصلاحات المطلوبة.
5 – وضع جدول زمني للتحفيز على الانتخاب بين حزيران وتموّز، لعدم إطالة عمر الفراغ الرئاسي لأشهر عديدة بعد، سيما أنّ هناك فرصة جديّة للانتخاب لما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين.
ومن هنا، تقول المصادر المعنية انّ بعض القوى السياسية التي لا يزال يراودها الشكوك حول التشاور أو الحوار وشكله، مثل “القوّات اللبنانية” و “الكتائب اللبنانية”، يحقّ لها طلب ضمانات، بألّا يحصل التحاور في مجلس النوّاب قبل انتخاب رئيس الجمهورية إلّا لهذه المرة الوحيدة والاستثنائية فقط. هذا إذا كانت بدأت تُدرك خطر بقاء لبنان من دون رئيس، وعدم جلوسه الى أي طاولة مفاوضات أو تسويات، أو حتى تمثيل لبنان في المؤتمرات العربية والدولية في دول الخارج. لهذا يمكنها وضع شرط منطقي وواقعي لتجنّب ما تخشاه في المستقبل، فإذا جرت الموافقة عليه من قبل الأطراف الأخرى، فلا خوف من تكرار هذا الأمر.
أمّا الهدف من التشاور، فهو التوافق على مواصفات وبرنامج واسم الرئيس المقبل للجمهورية. وفي حال لم يحصل، على ما تابعت المصادر، فيستطيع كلّ فريق التمسّك بمرشّحه، أو تسمية مرشّح آخر، والذهاب بالمرشحين للتنافس في مجلس النوّاب، ومن يفز على الجميع التعاون معه بهدف إنقاذ لبنان وإخراجه من عنق الزجاجة وليس العكس.