مما لا شك فيه، ان قطاع المطاعم في لبنان يمثل أحد الركائز الأساسية للاقتصاد المحلي، حيث يساهم بشكل كبير في توليد فرص العمل وتعزيز السياحة، وهو بناء على ذلك يعد من أبرز الوجهات السياحية المرغوبة والأكثر قصدا في الشرق الأوسط، نظرا لتراثه الاستثنائي وتنوعه الغذائي في الكثير من المجالات الحيوية وبشكل خاص الطهي. ويقدم المطبخ اللبناني تجربة فريدة تجمع بين الأصالة والحداثة، مما يجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم للاستمتاع بالأكلات التقليدية والحديثة. وهو يعتبر محركاً رئيسيا للنمو الاقتصادي، إذ يدعم الكثير من الصناعات المحلية مثل الزراعة، والتصنيع الغذائي، والنقل، والتجارة.
بالإضافة إلى ذلك، يلعب دوراً مهماً في الحفاظ على الثقافة والتقاليد من خلال اعداد الأطباق التقليدية والترويج للمنتجات المحلية. ويظل قطاع المطاعم في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، مصدر إلهام وقدرة على المقاومة والابتكار، مما يعزز دوره في توطيد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في البلد.
لا تزال بيروت باريس الشرق!
بالمقابل، يعود تاريخ المطاعم في لبنان إلى قرون مضت، حيث كان اللبنانيون معروفين بكرم الضيافة وتقديم الأطعمة الشهية في مناسباتهم الاجتماعية والدينية. وتطور هذا القطاع بشكل كبير في العصر الحديث مع انتعاش السياحة والنمو الحضري فيه. وقد شهد في فترة الستينات والسبعينات ازدهاراً سياحياً كبيراً، حيث استقطبت بيروت، التي كانت تُعرف بباريس الشرق، الوافدين من جميع أنحاء العالم. فتنامى الطلب على المطاعم والمقاهي التي تقدم الأطباق اللبنانية التقليدية بالإضافة إلى المأكولات العالمية. ولا يزال هذا الرقي قائما على الرغم من التحديات الداخلية الصعبة، مثل الحرب الأهلية التي اندلعت في السبعينات واستمرت حتى التسعينات وصولا الى الازمة النقدية الاخيرة، حيث أثبت القطاع مرونة وقدرة على التعافي.
على مقلب متصل، بدأت المطاعم في لبنان مع بداية الألفية الجديدة، تأخذ حيزاً أكبر من الاهتمام العربي والعالمي، حيث ان شهرتها تأثرت بانتشار اللبنانيين في المهجر الذين أسسوا مطاعم ناجحة في مختلف أنحاء العالم، مما ساعد في نشر المطبخ اللبناني عالميا. علاوة على ذلك، أصبح وجهة رئيسية لعشاق الأطعمة الفاخرة والسياحة الثقافية. فضلا عن مشاركات الطهاة اللبنانيين في مسابقات وبرامج الطهي الدولية التي ساهمت إيجابا في ترسيخ سمعة لبنان كمكان رائد في هذا العالم.
تمدد المطاعم الأجنبية!
وفي الإطار، قامت “الديار” بجولة على عدة مناطق لبنانية وتبين ان عشرات المطاعم المهمة “مفولة” والحجز يجب ان يكون قبل أسبوع أو أسبوعين، وهذا ان دل على شيء فيدل على صمود الناس وحبهم للأمل والاستقرار ومواجهة التحديات، بما في ذلك مجابهة الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة في المناطق الحدودية الجنوبية، وهذا يؤكد مرة جديدة ان اللبنانيين يعيشون الحياة بطريقتهم الخاصة، والامر كذلك بالنسبة الى المقاهي التي تشهد اكتظاظا بشريا من جنسيات اجنبية وخليجية.
في موازاة ذلك، يواصل هذا القطاع النجاح، وقد افتُتحت في الآونة الأخير مجموعة من المطاعم في مختلف المناطق لا سيما بعد تفجير 4 آب 2020، والتحدي الأكبر يتمثل بفتح مطعم حديث مقابل مرفأ بيروت تماما وعمره لا يتجاوز الأسابيع، لكن الملفت في كل ما تقدم ان نَفَس المطعم ياباني-فرنسي لكن بإشراف لبناني طبعا. ويعكس الطابع التقليدي اللبناني والاجنبي معا، مع لمسة عصرية، وإطلالة رائعة، ويتميز بموقعه وتصميمه الغريب. بالإضافة الى افتتاح مؤسسات مطعميّة جديدة في كل من الجميزة والحمرا وزيتونة باي.
وفي الإطار، أكد الشيف جاد ويعمل في مطعم حديث “ان افتتاح مؤسسات جديدة يعكس قدرة القطاع على الصمود والابتكار، ويعزز من دوره في دعم الاقتصاد المحلي وتوفير فرص العمل، بالإضافة إلى إبراز الثقافة والتراث اللبناني الغني”.
اما عن قرار فتح هذا المطعم بجوار المرفأ (اسم المطعم المطار) فقال الشيف جاد لـ “الديار”: “نعلم أن الظروف صعبة، لكن صممنا على عدم الاستسلام والمساهمة في إعادة الحياة إلى هذه المنطقة التي تأثرت بشدة بتفجير 4 آب، ونعتبر ان هذا المشروع هو خطوة نحو إعادة الأمل والتعافي قبل ان يكون مشروعا تجاريا او ربحيا”.
وأضاف “بيروت هي مدينة الحياة والطاقة، والمرفأ هو قلبها النابض، ورأينا بعد الكارثة، الكثير من الناس يتعاونون لإعادة بناء ما تهدم، وأردنا أن نكون جزءًا من هذا الجهد. لأننا على قناعة ان المطاعم ليست مجرد أماكن لتناول الطعام، بل هي ملتقيات تجمع الناس وتعيد لهم الشعور بالانتماء والفرح. ونؤمن بأن الطعام والثقافة يلعبان دورا كبيرا في الشفاء الجماعي، وبهذا المطعم، نطمح إلى تقديم تجربة تعيد للناس ذكرياتهم الجميلة وتمنحهم لحظات من السعادة والراحة”.
وختم “أرى في هذا المشروع فرصة لدعم الاقتصاد المحلي من خلال توفير فرص عمل جديدة ودعم المنتجات المحلية، وأنا فخور بما أنجزناه حتى الآن وأتطلع إلى رؤية المزيد من التغيير الإيجابي في هذه المنطقة العزيزة على قلبي”.
بلد التنوع الغذائي والثقافي دون منافس!
بالموازاة، قال مدير أحد المطاعم الجديدة (أمالين) الكائن في منطقة زيتونة باي لـ “الديار” “ان المطبخ اللبناني مشهور بأصنافه المشكّلة وغناه، حيث يجمع بين الأطباق اللحومية والنباتية، والأطعمة البحرية والمأكولات العربية التقليدية والغربية. وهذا التنوع يجذب الناس من مختلف الثقافات والخلفيات والاذواق”.
وأضاف “تنفرد مطاعمنا بالجودة العالية في الطعام والخدمة، بالإضافة إلى طراز منقطع النظير في التقديم والديكور. ويعتبر اللبنانيون من أكثر الشعوب في العالم ترحيباً وكرماً، وهذا يظهر بوضوح في ثقافتهم الغذائية. إضافة الى ان لبنان يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي وطبيعة خلابة، مما يجعله وجهة سياحية مفضلة للعديد من السياح”.
موقع عالمي يعترف!
في سياق متصل، يعد المطبخ اللبناني الذي يتخطى تاريخه الاف السنين، واحدًا من أكثر المطابخ ذائعة الصيت في العالم اجمع، ولطالما احتل صدارة القوائم العالمية للطهي. وقد حل مؤخرا في لائحة أفضل 100 مطبخ في العالم، حيث نصح موقع “Taste Atlas”بتجربة الأكلات اللبنانية ومنها الحمّص والفلافل والشاورما والفتّوش والكبّة والتبولة. إشارة الى ان الموقع يعتمد على 395,205 تقييماً للأطباق، و115,660 تقديرا للمنتجات الغذائيّة من جميع أنحاء العالم. وبحسب التقرير الذي نشرته وحدة الأبحاث الاقتصادية في الاعتماد اللبناني، فقد برزت 12 دولة عربيّة ضمن القائمة، وفي مقدمها المطبخ اللبناني الذي احتل المرتبة 25 على صعيد العالم.
الأطباق اللبنانية فريدة ولذيذة!
بالتوازي، قال مصدر في نقابة أصحاب المطاعم لـ “الديار” “ان الاقبال يتزايد على طلب الطعام اللبناني بشكل غير مسبوق بالرغم من كل المعضلات الأمنية والمالية، ويتهافت الأجانب على طلب تذوق “التبولة”، وهي مزيج يتكون من الخضروات الطازجة والبرغل والليمون والزيت، الى جانب “الحمص بالطحينة” و”الفتوش” بالإضافة إلى المشاوي المميزة والمازة اللبنانية الغنية عن التعريف”.
وختم “هذا القطاع يتميز بديناميكية مهمة كونه يؤمّن فرص عمل للشباب اللبناني ومئات عشرات العائلات وقد استعاد بريقه بعد تكدس الازمات. ونعول على موسم جيد رغم التهويل الذي يمارسه العدو الإسرائيلي لجهة نشر الأخبار الزائفة في ما يتعلق بانزلاق الأوضاع الأمنية واشتداد الاشتباكات في الجنوب بغية ضرب الموسم السياحي، ومع ذلك يبقى لبنان الاجمل”.