نداء الوطن- أحمد الأيوبي
جاء إطلاق الصواريخ المجهولة المعلومة من الجنوب ليعيد تزخيم النقاش حول ضرورة وحتمية تطبيق القرار 1701 والقرارات ذات الصلة، وخاصة القرارين 1559 و 1680، بعد أن عادت رياح التهديد للبنان تعصف بمصير وقف إطلاق النار وتنذر بنشوء التهاباتٍ خطرة على الحدود الشرقية مع سوريا، الأمر الذي يعيد طرح ضرورة الذهاب المباشر نحو تسليم أو نزع سلاح «الحزب» من خلال مجلس الوزراء، ورفض أيّ مناورات تحمل اسم الحوار أو الاستراتيجية الدفاعية، فالوقت تجاوز هذه العناوين وبات القرار محصوراً بالحكومة التي تعمل على تطبيق بيانها الوزاري وخطاب القسم.
جاء إطلاق الصواريخ اللقيطة ليطعن في ما كانت الدولة اللبنانية تجهد لإثباته بأنّها طبّقت وتطبق قرار وقف إطلاق النار في جنوب الليطاني بما فيه من تفكيكٍ للبُنية العسكرية واللوجستية لـ «حزب الله»، كما أنّ هذا الفعل الصادر عن سابق تصوُّرٍ وتصميم وإدراكٍ لما سينتج عنه يؤكِّدُ أنّ منظومة «الحزب» ما زالت قادرة على إثارة الفوضى، فلم ولن يصدِّق أحدٌ مزاعم التبرّؤ من الصواريخ، فالكل يعلم أنّه لا يمكن لأحد القيام بأي فعل ميداني من دون غطاء «الحزب»، فضلاً عن ارتباط هذا الحدث بالردّ على مواقف الرئيس نواف سلام وبالمواقف النارية التي أطلقها مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي في وجه الإدارة الأميركية.
أمّا موقف «حزب الله» فقد عاد إلى لغة التشبيح في وجه رئيس الحكومة على لسان نائبه علي المقداد، وأطلق أبواقه للتطاول على رئاسة مجلس الوزراء على لسان الشيخ أحمد قبلان مع استعادة خطاب تبرير وجود السلاح، بالاستناد إلى الحكم على فشل المسار الدبلوماسي في استعادة الحقوق وحتمية اللجوء إلى الخيار العسكري لاستردادها، وهو ما يتنافى مع واقع تحطيم قدرات «الحزب» ومع إنكاره المسؤولية عن إطلاق الصواريخ اللقيطة وتأكيد التزامه بقرار وقف إطلاق النار، فكيف يتماشى التمسك بالمقاومة العسكرية مع كلّ ما تقدّم، هذا فضلاً عن أنّ التراجع عن الاتفاق يعني الطعن في الذي توصّل للاتفاق وهو الرئيس بري.
جديد الفلسفة «الحزب لاهية» اليوم هو الدفع بفكرة أنّ الصراع مع الإسرائيليين هو صراعٌ ممتدٌّ والهزيمة الحالية مرحلية ويجب الاستعداد للمواجهة الآتية، واعتبار أنّ الدولة اللبنانية هي التي هُزِمت وليس «الحزب» بسبب وقوع التدمير الأكبر في الجنوب بعد وقف إطلاق النار، وهذا تفخيخٌ خطِر لكلّ مسار وقف إطلاق النار ومحاولة تثبيت الاستقرار.
تنطق الدولة اليوم بما يجب القيام به بدءاً من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ثم رئيس الحكومة نواف سلام فوزير الخارجية جو رجي بحيث ظهر الموقف متكاملاً يستكمله الموقف السياسي الذي رفدت به «القواتُ اللبنانية» هذا المسار، مع التأكيد على أنّه لا يمكن تحقيق الاستقرار بدون حلّ معضلة السلاح، والحملات القائمة على عون وسلام ورجي ليست سوى وسيلة إلهاء سياسية لم تعد مُجدية.يروِّج الرئيس نبيه بري لرفض إطلاق مسار مفاوضات سياسية يؤدي إلى تطبيع العلاقات بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، وهذا موضع تساؤل حول نقطتين:
هل موقف بري هو موقف الدولة اللبنانية؟ وهل يجب رفض التفاوض حول ترسيم الحدود البرية كما حصل في ترسيم الحدود البحرية، خاصة أنّ هناك إجماعاً لدى القوى السياسية وعلى رأسهم «القوات اللبنانية» على رفض فرض التطبيع على لبنان، وبالتالي فإنّ إثارة موضوع التطبيع الآن واختلاق معركة لمواجهته ليست سوى إلهاءٍ مكشوف عن القضية الأهم وهي تسليم سلاح «حزب الله» للجيش اللبناني، والمخرج لمسألة التفاوض ثابت في خطاب القسم وهو العودة إلى اتفاق الهدنة.
بعد المواقف الواضحة التي اتخذها الرئيسان عون وسلام لم يعد هناك مجال للتراجع إلى الوراء، والخطوة التالية الطبيعية هي انعقاد جلسة لمجلس الوزراء مخصصة للبتّ في موضوع سلاح «الحزب»، بحضور قائد الجيش العماد رودولف هيكل والطلب منه وضعُ خطة تنفيذية للبدء في تطبيقها، وفق جدول زمنيّ محدّد وإطلاق هذا المسار، إمّا بالتوافق أو بقوة القرار السيادي للدولة اللبنانية، فلم يعد مقبولاً كلُّ هذا الاستهتار بمصير الكيان اللبناني على أيدي مقامرين ما زالوا مصرين على الارتهان للولاء الإيراني، فلا عودة للوراء بعد الآن.