نضال العضايلة
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن الحيّز المدني في الأردن تقلّص خلال السنوات الأربع الماضية، إذ تضطهد السلطات المواطنين الذين ينظمون أنفسهم ويمارسون المعارضة السياسية سلميا وتضايقهم.
وجدت هيومن رايتس ووتش أن السلطات تستخدم قوانين غامضة ومنتهِكة تجرّم التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع. تحتجز السلطات الصحفيين، والنشطاء السياسيين، وأعضاء الأحزاب السياسية والنقابات العمالية المستقلة وأفراد عائلاتهم وتستجوبهم، وتضايقهم. كما توصلت هيومن رايتس ووتش إلى أن السلطات تقيّد حقوقهم الأساسية مثل العمل والسفر بهدف إلغاء المعارضة السياسية.
قالت لما فقيه، مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “هناك ضرورة ملحة لمعالجة التدهور الحقوقي الذي نشهده في الأردن اليوم. لا يمكن أن يكون “الحفاظ على الاستقرار” مبررا لانتهاك حقوق الناس وإغلاق الحيّز الذي يحتاج إليه كل مجتمع”.
حققت هيومن رايتس ووتش في 30 حالة بين 2019 و2022 استخدمت فيها السلطات أحكاما فضفاضة تجرّم القدح والذم لاعتقال واتهام المواطنين بسبب التعبير السلمي عن آرائهم السياسية على منصات التواصل الاجتماعي أو في التجمعات العامة. كما طلبت هيومن رايتس ووتش من 42 ناشطا أردنيا تقديم ردود مكتوبة على استطلاع حول تجاربهم مع الجهات الأمنية.
تستخدم السلطات الأردنية أحكاما جنائية غامضة وفضفاضة، منها قانون العقوبات لسنة 1960، وقانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015، وقانون منع الإرهاب لسنة 2006، وقانون منع الجرائم لسنة 1954 لقمع حرية التعبير والتجمع. كما أعطى إعلان حالة الطوارئ في أعقاب تفشي فيروس “كورونا” في 2020 رئيس الوزراء سلطات واسعة للإمعان في تقليص الحقوق المدنية والسياسية. في 2020، تضاعف تقريبا عدد القضايا المتعلقة بهذه التهم عن العام السابق، وفقا للتقارير السنوية الصادرة عن “المركز الوطني لحقوق الإنسان”. قالت هيومن رايتس ووتش إن هذه الممارسات مجتمعةً ترقى إلى مستوى حملة ممنهجة لقمع المعارضة السلمية وإسكات الأصوات المنتقدة.
قال أقارب المستهدفين وغيرهم ممن لديهم معرفة مباشرة بالقضايا إنه في عدة حالات، وُضع المحتجزون في الحبس الانفرادي وحُرموا من الاتصال بمحاميهم وعائلاتهم. في معظم الحالات، كان الجهازان الأمنيان الرئيسيان في البلاد – “دائرة المخابرات العامة”، و”إدارة الأمن الوقائي” التابعة لـ “مديرية الأمن العام” – مسؤولَيْن عن الاعتقالات. في بعض الحالات، وُجِّهت تهمٌ إلى المعتقلين، لكن أُسقِطت لاحقا. وفي حالات أخرى، احتُجز أشخاص لفترات طويلة دون توجيه اتهامات إليهم. وصل عدد قليل من القضايا إلى المحاكم. وفي عدة حالات، أمرت المخابرات العامة الناس بتوقيع تعهد بعدم الإساءة إلى الملك أو أجهزة المخابرات.
كما حلّت الحكومة الأردنية أحزابا سياسية ونقابات عمالية منتخَبة بعد أن مارس أعضاؤها حقهم في الاحتجاج والتعبير عن المعارضة السياسية. في 2020، بعد نزاع بارز بين الحكومة ونقابة المعلمين حول الرواتب، داهمت السلطات مجلس النقابة واعتقلت أعضاءه، ثم حلّت النقابة.
وثّقت هيومن رايتس ووتش سابقا كيف قيّدت السلطات الأردنية الحريات الإعلامية في السنوات الأخيرة إثر أمر كاسح بمنع النشر، والمضايقات، والاعتقالات للتحكم بالتغطية الإعلامية للقضايا الحساسة وتقييدها.
في فبراير/شباط 2021، بعث الملك عبد الله الثاني برسالة إلى رئيس المخابرات العامة يطلب منه الحد من تدخلها في الأمور غير المتعلقة بالاستخبارات. في يونيو/حزيران 2021، شكل الملك “اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية”، والتي أصدرت توصيات لتعديل القوانين المتعلقة بالأحزاب السياسية والانتخابات، والتشريعات الأخرى التي من شأنها أن تسمح بالمزيد من المشاركة في الحياة السياسية للبلاد. شدّدت التوصيات على الحاجة إلى “التطبيق الأمثل لحقوق الإنسان، وتوفير المساحة الآمنة للحريات العامة الضامنة للعمل السياسي”.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه رغم هذه الدعوات رفيعة المستوى للإصلاح، لم يتغير شيء يذكر. في ديسمبر/كانون الأول2021، خفّض “مرصد سيفيكوس”، وهو منظمة تجمع البيانات عن وضع المجتمع المدني في 197 دولة، تصنيف الحيّز المدني الأردني من “معوَّق” إلى “قمعي”.
بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، تحظى حرية التعبير، والتجمع، وتكوين الجمعيات باعتراف على أنها حقوق إنسانية أساسية، وغالبا ما تكون متداخلة، وضرورية لحسن سير المجتمع الديمقراطي وتمتع الناس بحقوق فردية أخرى. لا تسمح معاهدات حقوق الإنسان، بما فيها “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، والأردن طرف فيه، بقيود على حرية التعبير والتجمع إلا إذا نص عليها القانون، وكانت ضرورية للغاية ومتناسبة لتحقيق هدف مشروع، بما في ذلك حماية الأمن القومي، والنظام العام أو الصحة العامة، والآداب، وتكون غير تمييزية. لا يجوز بأي حال من الأحوال تطبيق قيود أو التذرع بها بطريقة من شأنها أن تمس بجوهر أحد الحقوق الإنسانية.
قالت فقيه: “ثمة شكوك حيال نجاح برنامج الإصلاح السياسي الأردني بوجه تدهور حرية التعبير، والتجمع، وتكوين الجمعيات في جميع أنحاء البلاد. ينبغي للسلطات الأردنية اتخاذ خطوات عاجلة لوقف إغلاق الحيّز المدني والسماح للأردنيين بالمشاركة الكاملة في الحياة الاجتماعية والسياسية في المملكة دون عوائق”.
في السنوات الأربع الماضية، تزايد اعتماد السلطات الأردنية على قوانين جنائية غامضة الصياغة لمقاضاة المواطنين بسبب التعبير السلمي عن آرائهم السياسية على منصات التواصل الاجتماعي أو في التجمعات العامة.
حققت هيومن رايتس ووتش في 84 تهمة حكومية في 30 قضية استخدمت فيها السلطات مثل هذه القوانين بين 2019 و2022. في 63 حالة، استخدمت السلطات أحكام القدح والذم في قانون العقوبات لسنة 1960، بما فيها المادة 132، التي تسمح بمحاكمة من “يذيع في الخارج وهو على بيّنة من الأمر أنباء كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن تنال من هيبة الدولة أو مكانتها”. هذه الأحكام توسع نطاق ما يشكل قدحا وذما وتمنح السلطات حرية كبيرة لتوجيه التهم دون أي صلة واضحة بارتكاب مخالفات جنائية، وهي تشلّ حرية التعبير.
لتوسيع نطاق هذه الأحكام لتشمل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، استخدمت السلطات أيضا قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015، الذي ينص بموجب المادة 11 على عقوبة السَّجن لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وغرامة لا تقل عن 100 دينار (141 دولار أمريكي) ولا تتعدى ألفَي دينار (2,820 دولار أمريكي) لكل من يتعمد إرسال مواد تنطوي على القدح والذم، أو إعادة إرسالها، أو نشرها. غالبا ما تستخدم السلطات أيضا المادة 15، التي تجرّم استخدام الإنترنت أو شبكة المعلومات للإتيان بأفعال مجرَّمة بموجب تشريعات أخرى.
وفقا لإحصاءات المجلس الوطني لحقوق الإنسان في 2020، كانت هناك 2,140 قضية تم التوقيف فيها بموجب المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية. وفي العام نفسه، سُجلت 402 قضية بتهمة “ذم هيئة رسمية”، و49 قضية “إثارة النعرات”، و311 قضية “إطالة اللسان” على الملك. في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أصدر الملك عبد الله الثاني مرسوما ملكيا بالعفو عن 155 شخصا متهمين بـ “إطالة اللسان” ضده.
بين 2019 و2022، وثّقت هيومن رايتس ووتش 19 حالة من هذه الحالات تتعلق بـ “تعكير الصلات بدولة أجنبية” بموجب المادة 3 ب وارتكاب فعل “من شأنه تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر… ]أو[ الإخلال بالنظام العام” بموجب المادة 2.
كما تخضع المادة 149 من قانون العقوبات للاختصاص القضائي لمحاكم أمن الدول، وهي تجرّم “أي عمل من شأنه تقويض نظام الحكم السياسي في المملكة أو التحريض على مناهضته” أو “تغيير كيان الدولة الاقتصادي أو الاجتماعي”. وقد استُخدمت منهجيا لمقاضاة النشطاء السياسيين ونشطاء مناهضين للفساد مرتبطين بتحالف واسع يُعرف بـ “الحراك الموحد”، وهي حركة إصلاح سياسي انبثقت عن احتجاجات 2011.
أخيرا، يتضمن قانون منع الجرائم لسنة 1954 صلاحيات موسعة لاستخدام التوقيف الإداري، في خرق للالتزامات الحقوقية. إذ تسمح المادة 3 للمحافظ باتخاذ إجراءات ضد أي شخص “يخضع لمنطقة اختصاصه”، ما يسمح منهجيا للمسؤولين بالالتفاف على نظام العدالة الجنائية لاحتجاز الأشخاص بأمر إداري دون مراجعة قضائية. في منتصف فبراير/شباط 2022، كانت السلطات قد احتجزت 11 ناشطا سياسيا بموجب هذا القانون. في مارس/آذار، استخدمته لاحتجاز 150 شخصا على الأقل استباقا للاحتجاجات أو لقمع الاعتصامات في جميع أنحاء البلاد.
وثّقت هيومن رايتس ووتش عشر حالات احتُجز فيها تعسفا بين 2018 و2021 نشطاء من قبل دائرة المخابرات العامة، وهو جهاز الاستخبارات الأردني الرئيسي، وإدارة الأمن الوقائي، وهي فرع من مديرية الأمن العام.
في جميع الحالات العشر، قال أفراد الأسرة أو النشطاء إن رجال أمن يرتدون ملابس مدنية من أحد هذين الجهازين نفذوا الاعتقالات، إلى جانب قوات أخرى من الشرطة. في خمس حالات، قال أقارب أو نشطاء أنهم عرّفوا عن أنفسهم بأنهم من إحدى هذه الأجهزة. في ثماني حالات، قال أقارب أو نشطاء إن أعدادا كبيرة من رجال الشرطة، منهم من يرتدي ملابس مدنية، داهموا منازلهم أو اعتقلوهم في الشارع.
في ثلاث حالات، قال نشطاء إنهم حُبسوا انفراديا بدون إضاءة أو مع إضاءة خافتة في مقر المخابرات العامة في عمّان، ولم يسمح لهم بالزيارة أو سُمح لهم بزيارات محدودة وغير منتظمة من العائلات والمحامين. تتوافق هذه الروايات مع توثيق هيومن رايتس ووتش السابق لممارسات الاحتجاز لدى المخابرات، والتقرير السنوي للمركز الوطني لحقوق الإنسان لسنة 2017. قال نشطاء إن عناصر المخابرات العامة استجوبوهم لساعات طويلة بشأن نشاطهم السياسي.
مثل اثنان من المحتجزين في مقر المخابرات العامة أمام مدعي عام أمن الدولة، وهو ضابط عسكري له مكاتب في المبنى. بموجب قانون محكمة أمن الدولة لسنة 1959، يمكن للمدعي العام تمديد أمر التوقيف لمدة 15 يوما قابلة للتجديد بعد توجيه الاتهام إلى المشتبه به إذا كان ذلك في مصلحة التحقيق.
في أبريل/نيسان 2021، أوقفت السلطات عضوا في حزب سياسي وناشطا في الحراك بعد أن كتب على “فيسبوك” عن اعتقال 20 شخصا وفرض الإقامة الجبرية على الأخ غير الشقيق للملك عبد الله الثاني، بعد تحقيق في مؤامرة مزعومة للإطاحة بالملك. اطلعت هيومن رايتس ووتش على فيديو سجله جيرانه يظهر 17 آلية على الأقل، بينها سيارات مدنية وآليات الأمن العام والدرك، تحيط بمنزله.