في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، يقف فوج إطفاء بيروت اليوم في قلب المعاناة اليومية، حارسا للمدينة رغم هشاشة معداته وقسوة ما يواجهه. لا تزال الآليات القديمة، التي مضى على الكثير منها عقود، تشكل العمود الفقري للعمل الميداني، وسط نقص حاد في المستلزمات الأساسية والبدلات الواقية التي تقي رجال الإطفاء من حرارة النيران واشتداد الحريق. هؤلاء الذين يواجهون المجهول مع كل نداء، يخرجون من بيوتهم دون أن يعلموا ما إذا كانوا سيعودون.ولا مناص من القول، ان الحديث عن فوج الإطفاء ليس حديثًا عن مرفق عام فحسب، بل عن مؤسسة تُركت فريسة الإهمال، رغم أنها كانت أول من واجه ألسنة اللهب في انفجار مرفأ بيروت في 4 اب 2020، وقدّمت عشرة شهداء على مذبح المدينة. ومع اقتراب الذكرى السنوية الخامسة لتلك الكارثة، يعود ملف الفوج إلى الواجهة من جديد، لا عبر البيانات الرسمية، بل عبر صرخة وجع أطلقها عناصره وضباطه
الوعود تتبخر!
في هذا السياق، قام وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار الأسبوع الماضي بجولة تفقدية في مقر فوج إطفاء بيروت في الكرنتينا، يرافقه محافظ المدينة القاضي مروان عبود وقائد الفوج العميد ماهر العجوز. اطّلع معاليه خلال الجولة على الجهوزية والتجهيزات المتوافرة، واستمع إلى عرض مفصل عن طبيعة عمل الفوج والتحديات التي يواجهها يوميا.
واثناء لقائه بالعناصر والضباط، أثنى الحجار على “التضحيات التي يقدمها رجال الإطفاء، مؤكدا ان عملهم يشكل أحد أعمدة السلامة العامة. وأضاف أن “صرختهم وصلت”، متعهدا ببذل الجهود اللازمة لتحسين أوضاعهم، سواء لجهة الرواتب أو الطبابة أو تأمين المعدات”.
وختم الحجار قائلاً: “إن “لدينا من الوعي ما يكفي لحماية بلدنا من أي خطر، لكن الواقع الصعب الذي يعيشه الفوج يجعل هذا الوعي يقف وحيدا، في مواجهة نار الإهمال، التي لا تقل خطورة عن أي حريق”.
فوج إطفاء بيروت: بين لهيب الواجب واحتراق الإمكانات
من جانبه، يكشف النقيب في فوج إطفاء بيروت، علي نجم، لـ “الديار” أن “بالنسبة إلى الجهوزية نحن في فوج إطفاء بيروت متأهبون بشكل دائم، علماً بأننا نفتقد المعدات في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد. لان هناك نقصا كبيرا في المعدات التي نحتاج إليها؛ الا ان القصور في الوسائل الضرورية لن يثنينا عن أداء واجبنا”.ويضيف: “تلقينا وعوداً بتحسين أوضاعنا، بدءاً من تأمين جميع المستلزمات مثل معدات الإطفاء وسائل الحماية الشخصية، ومتطلبات السلامة العامة، وذلك حتى نتمكن من القيام بعملنا على أكمل وجه”.
طراز قديم والعدد بالقطارة!
ويشير الى انه “في ما يتعلق بالآليات، فهي موجودة لكنها قديمة العهد، ونحن بانتظار استلام هبة تشمل سيارات إطفاء وإسعاف، ولكننا نفتقر إلى السائقين. وقد تواصلنا مع محافظ مدينة بيروت، القاضي مروان عبود، حيث سيتم طلب التعاقد مع سائقين، وذلك ليكون العمل مؤمنا على مدار 24 ساعة، وبالتالي تأمين الحوادث والسلامة العامة في بيروت”.ويؤكد ان “عدد المركبات يقدّر بحوالى 46، موزعة ما بين نقل عناصر، وإطفاء وإسعاف، ولكن جميع هذه الآليات قديمة العهد، وبات لزاماً إخراجها أو توقيفها عن الخدمة بسبب قدمها. ولدينا سلّم آلي بالإضافة إلى صهريج، وهذه جميعها أساسية للقيام بعملنا، كما يوجد في الفوج مركز للصيانة يحاول إصلاح هذه الاجهزة”.
الفوج مسؤولية عبود!
ويتابع: “نحن كفوج إطفاء بيروت نتبع مباشرةً لمحافظ بيروت، وهذا يعني أن أي قرار يتخذ ويتعلق بالفوج، كالقرارات التنفيذية والإدارية، يكون من صلاحيات المحافظ. أما القرارات التشريعية، فهي تعود إلى المجلس البلدي لبلدية بيروت، والمجلس الحالي قد مدّ يد التعاون إلينا، رغبة في دعمنا والوقوف إلى جانبنا”.ويقول: “في نهاية المطاف، من يؤازرنا إنما يساند هذه المدينة وهذا الوطن. لذا، نتطلع إلى الخير، ونترقب ما ستؤول إليه الأمور في ما يخص المستلزمات، والرواتب، والملابس، وغيرها من الاحتياجات الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها، مشيرا إلى أنه لا يوجد متطوعون في الفوج، والجميع مثبت، إذ يدخل الإطفائي بعد مرور عام يقضيه في الخدمة، وبعد انتهاء هذه الفترة، فإن الصالح للخدمة يُثبت، وغير الصالح يُسرّح على غرار أي مؤسسة”.
تآكل البنية المؤسسية!
ويوضح نجم: “نحن كضباط فوج إطفاء بيروت، عندما شاهدنا أن المؤسسة بدأت تنهار، مما يؤثر وينعكس علينا بالدرجة الأولى وعلى العاصمة، رفعنا الصوت بمطالب متعلقة بتحسين وضع الفوج وعناصره لمساعدتهم على أداء مهامهم على أكمل وجه. وقد وصلت صرختنا إلى المحافظ، وقد عُقد اجتماع ضمنا مع أعضاء من مجلس بلدية بيروت. وكذلك الأمر، بلغ نداؤنا وزير الداخلية، اللواء أحمد الحجار، الذي زار فوج إطفاء بيروت يوم الجمعة الفائت، وتم البحث في جميع القضايا. كما التقى العناصر والرتباء والضباط، وكانت الجلسة جيدة جدا وإيجابية، وذلك في حضور المحافظ، وأعضاء من المجلس البلدي، وقائد فوج إطفاء بيروت. ونحن متفائلون، والأيام المقبلة ستبرهن ذلك: “يذوب الثلج وينزاح الغمام”. وسنرى إلى أين نحن ذاهبون لجهة مجموعة المطالب التي رفعناها إلى الجهات المعنية من خلال الورقة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام”.
ما هي أولويات عناصر الإطفاء؟ يجيب ان “كل أداة تعتبر أولوية لرجل الإطفاء، بدءا من لباسه وسيارته ومعداته وراتبه وحتى نهاية خدمته، لأن الجميع يعمل في المجهول. وكل شخص يخرج إلى أي حادث وهو لا يعلم هل سيعود، إذ لا أحد يعرف ماذا تخبئ هذه النار أو الحريق أو ما الذي يشتعل. من هنا، كنا نسعى بشكل دائم إلى أن يُنظر إلى هذا الفوج باعتباره درجة أولى، وليس ملحقا لأي شيء آخر. فنحن نضحي بحياتنا ونترك بيوتنا وعائلاتنا، حتى في الأعياد لا نكون برفقتهم، وفي الليل كذلك، ونحن موجودون من أجل حماية الوطن وبيروت وتأمين سلامتها. لذا، أقل شيء أن نُعامل كما نستحق ونُكرم، سواء بالمعدات أو المعاشات، وتحسين وضعنا الوظيفي، لان لذلك مصلحة لبيروت قبل أن تكون مصلحة شخصية لأي فرد في الفوج”.
الضروريات “معدومة”!
ويشير إلى أن “الفرد يفتقر الى بدلة الحريق التي تقيه من الحرارة وتمكّنه من الدخول إلى مكان الحريق، وقد تم تأمين حوالى مئة وخمسين بدلة للفوج منذ فترة عن طريق هبة، ونشدد على انه من غير المقبول أن يرتدي بعض الأفراد بدلة في حين أن آخرين لا يمتلكونها. وهذا الأمر لا يفرق بين افراد الصف الأول، بينما هناك قسم بدونها. فالبدلة هي حق لكل عنصر إطفاء حتى يستطيع مجابهة النار، ويجب أن يوجد جميع العناصر وقت الخطر”.
ويشير في الختام: “بعد انفجار المرفأ، ونحن على مقربة من الذكرى السنوية الخامسة، لا يزال البلد على مشارف الانهيار، ولا أحد يمتلك عصا سحرية لتغيير الظروف القاسية، وإنما يمكن العمل على تقليص هذه التحديات. فالورقة إن تأجلت بضعة أيام قد لا تلحق الأذى بالبلاد، لكن لا يمكن أن نتأخر عن النار نصف ساعة، لأنها كفيلة بالتهام مبنى كامل وفقدان أرواح. وبالرغم من ذلك، نريد من يعالج جميع المشكلات التي نواجهها، ونأمل أن يقف وزير الداخلية ومحافظ بيروت وقائد الفوج والمجلس البلدي معنا، وان يعملوا على توفير هذه المتطلبات للفوج”.