مُني لبنان بخبر سيىء أخيراً، إذ أعلن الامين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في رسالة عُمّمت الخميس المنصرم، فقدان 6 دول من بينها لبنان حقوقها في التصويت في الجمعية العامة المكوّنة من 193 عضواً. أمّا السبب فيعود الى تأخّره عن سداد مستحقات لميزانية تشغيل الأمم المتحدة. ووفقاً لرسالة الأمين العام، فإنّ الحدّ الأدنى من المدفوعات اللازمة لاستعادة حقوق التصويت هو 1.835.303 (مليون و835 ألف و303 دولارات) دولار أميركي. علماً بأنّ الدولة اللبنانية قد هدرت مليارات الدولار على “الدعم”، ولم تتمكّن من حلّ الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية السائدة في البلد اليوم، فما هي تداعيات مثل هذا القرار على لبنان؟
تقول مصادر سياسية مطلعة بأنّ وصول لبنان الى هذه الدرجة من اعتباره دولة منهارة وفاشلة (من بين 5 دول أخرى هي فنزويلا وجنوب السودان ودومينيكا وغينيا الإستوائية والغابون)، أمر يدلّ على تقاعس الدولة التي كانت على عِلم بأنّها ستصل الى هنا، إذا لم تُسدّد مستحقّاتها التي لا تتعدّى المليوني دولار كحدّ أدنى. في الوقت الذي صرفت فيه ملايين الدولارات لا بل المليارات، رغم عدم توافر الأموال لديها، في غير مكانها على دعم بعض السلع والمحروقات التي لم يستفد منها اللبنانيون بشيء.
وأضافت إنّ هذا الأمر يؤثّر سلباً على علاقة لبنان بالمجتمع الدولي، فالثقة به التي انهارت منذ سنوات، ستنهار أكثر فأكثر، الأمر الذي قد يؤدّي الى عزله مالياً، وربّما الى تراجع صندوق النقد الدولي عن عقد الإتفاق المرتقب معه كونه يشترط قيام الحكومة اللبنانية بالإصلاحات الهيكلية وأوّلها تأمين الكهرباء، وليس إظهار نفسه كدولة فقيرة وغير قادرة على تسيير أمورها. فتصويت لبنان في الجمعية العامّة ضروري جدّاً، إذ يؤكّد حضوره الدولي كبلد يتمتّع بالسيادة والإستقلال. لهذا فإنّ فقدان حقّه بالتصويت سيجعله دولة “مكتومة الصوت” أي لا أهمية لها لدى الأسرة المتحدة. علماً بأنّ لبنان هو أحد الدول الأعضاء المؤسّسة لهذه المنظمة الدولية التي بلغ عددها 51 دولة وقّعت على ميثاق الأمم المتحدة في 26 حزيران من العام 1954. ومنذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا، كانت مشاركة الأمم المتحدة نشطة ومستمرّة في لبنان، وكذلك مشاركته فيها طبيعية وفاعلية.
وتجد المصادر نفسها أنّ سحب صوت لبنان منه في الأمم المتحدة يعني سحب ثقة المجتمع الدولي به، وهذا أمر خطير، كان لبنان بغنى عنه، لا سيما في ظلّ الأزمة الإقتصادية والمالية والإجتماعية الخانقة التي يعيشها، إذ لا ينقصه ما يزيد من عزلته الدولية، لا سيما بعد إنجاز إتفاقية ترسيم الحدود البحرية بينه وبين العدو الإسرائيلي والتي يتوقّع منها أن تفتح له صفحة جديدة في القطاع الإقتصادي، وتعيد له مقوّمات النهوض من الإنهيار.
وإذ ينصّ ميثاق الأمم المتحدة على أنّ الأعضاء الذين تساوي متأخّراتهم مبالغ مساهماتهم عن العامين السابقين كاملين، أو تزيد عن ذلك، يفقدون حقوقهم في التصويت. لكنه يمنح الجمعية العامة أيضاً سلطة تقرير أنّ “عدم الدفع يرجع إلى ظروف خارجة عن إرادة البلد العضو”، وفي هذه الحالة يمكن لأي بلد أن يستمر في التصويت. من هنا، أشارت الى أنّه على لبنان على الصعيد الحكومي والديبلوماسي تسوية الوضع من خلال سَداد مستحقّات لبنان سريعاً، كون الأمر أهمّ من هدر المال على أمور أخرى. وتوقّعت أن نشهد في الأيام المقبلة تحرّكاً ديبلوماسياً وسياسياً لحلّ هذه المسألة، إمّا عن طريق دفع المستحقّات، أو عبر طلب إعفاء لبنان من دفعها. فقد تمكّنت ثلاث دول أفريقية مدرجة في قائمة الدول التي عليها متأخّرات، وهي جزر القمر، وساو تومي وبرينسيبي، والصومال، من الإحتفاظ بحقوقها في التصويت من خلال تحرّكها في اتجاه الأمانة العامّة للأمم المتحدة، وقد مُنحت الإعفاء نفسه العام الماضي.
وبرأيها، إنّ لبنان يمكنه أن يستغلّ هذا الأمر لكي يشرح مجدّداً وضعه الإقتصادي والمالي للأمم المتحدة، لافتاً الى مدى تأثير استضافته لأكثر من مليوني و80 ألف نازح سوري، وأكثر من 500 ألف لاجىء فلسطيني على أرضه على تراجع إمكاناته المادية. مع الإشارة الى ما كان تقدّم به وزير الشؤون الإجتماعية هيكتور حجّار الى “مؤتمر بروكسل” الذي عُقد في أيّار الماضي، وخُصّص لجمع مساعدات مالية للنازحين السوريين في بلادهم وخارجها، أي بطلب التعويض على لبنان بـ مليارات الدولارات لقاء استضافته للنازحين السوريين على أراضيه منذ بدء الأزمة السورية. علماً بأنّ آخر الدراسات المالية أشارت الى أنّ الدولة اللبنانية تكبّدت حتى الآن أكثر من 40 مليار دولار لاستضافتها النازحين على مدى السنوات الماضية.