فوجئ الأساتذة في القطاعين الرسمي والخاص، بإلغاء تدريس مادة التاريخ للتعليم بعد الظهر بقرار من “اليونيسف” التي تلتزم بحق الأطفال في التعلم في لبنان، لا بل تحث على استثمار وطني يؤمن رواتب مستدامة للمعلمين، من اجل ضمان حياة كريمة لهم ولضمان استمرارية العملية التعليمية لجميع الأطفال عدا اللبنانيين طبعاً.
فبعد عملية المد والجذر التي شهدها القطاع التربوي مؤخرا، وجدت منظمة الأمم المتحدة ان تدريس مادة التاريخ ليس بالأمر المهم للطلاب السوريين، إشارة الى ان الدول المانحة لطالما كانت تسعى الى دمج هؤلاء بالمجتمع المحلي. هذه الفضيحة التي تم التستّر عليها لأسباب وضيعة وغايات رخيصة، علمت بها “الديار” التي تقصّت عن الموضوع وتأكدت من صدور وصحة القرار، الذي اعتبره البعض انه “سقط سهوا”.
لماذا يتم تدريس مادة التاريخ في المدارس؟
على الصعيد الأكاديمي، يأتي تدريس مادة التاريخ او التاريخ المدرسي كمادة أساسية، في إطار تنمية التأمل المعرفي للطالب وتطوير فكره الاجتماعي، وتقوية حسّه التاريخي وتزويده بالأدوات المعرفية والمنهجية، لإدراك الماضي في فهم الحاضر والتطلع الى المستقبل بطريقة أكثر شمولية. وعلى العكس، فإن اليوم أكثر من أي وقت مضى نحن بحاجة ماسة الى وجود هذه المادة في المناهج المحلية والعالمية على حد سواء، وهناك بعض الأساتذة حاولوا تقديم التاريخ اللبناني والعربي والعالمي بصورة بسيطة ومتسلسلة “كرونولوجيا”، ولكن كثرا اعتبروا ان هذه الحصة ثانوية ولا تلقى الاهتمام المطلوب من التلاميذ.
والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه ، وموجّه في الوقت عينه الى “اليونيسف” والدول المانحة التي تحاول تدمير ما تبقّى من القطاع التربوي: اليس تعليم مادة التاريخ يعد ضرورة قصوى للطالب الأجنبي ليعرف تاريخ البلد الذي احتضنه، رغم كل العوائق والأزمات الاقتصادية التي تكبدها ولا يزال؟ اليس من المهم تدريس مادة التاريخ في مؤسساتنا التعليمية لمعرفة دور ومكانة وقيمة كتب التاريخ، في ترسيخ وتكريس الثقافة التاريخية، وبالتالي نشر الوعي لدى أجيال المستقبل؟ اليس تعليم هذه المادة ينمي مهارات المنافسة ويعزز طريقة حل المشكلات مثل الاكتشاف وغيره من الأمور؟
الاهمال “لجس النبض”؟
وفي هذا السياق، قال رئيس “رابطة معلمي التعليم الأساسي” الدكتور حسين جواد لـ “الديار”: “انا كنت اول من سأل لماذا تم اجلاء هذه المادة، والجواب الذي تلقيته منذ اليوم الأول ان هذه المادة نُسي ذكرها. وعندما طالبت بمعرفة حيثيات هذا القرار، وإذا كان مقصودا او ان هناك جهات طالبت بإلغاء هذه المادة، كان الرد “سقطت سهوا”، ومن المفترض استصدار تعميم توضيحي للمذكرة التي ذكرت المواد التعليمية وعدد حصصها، الى جانب زيادة حصة لمادة التاريخ”.
أضاف “فلنفترض ان اليونيسف ارادت ازالتها وعدم تدريسها، فأنا أرى ان من مصلحتها تدريس اللاجئين تاريخ البلد النازحين اليه على قاعدة التوطين لاحقا، فإذا لم يعرف هؤلاء جذور هذا المكان، فكيف ستتم استضافتهم فيه”؟ ونفى ان يكون لديه “أي معلومات أن اليونيسف هي من اتخذت قرار ايقاف تدريس مادة التاريخ”.
القرار واضح وضوح الشمس!
في شأن متصل، شرح العضو في “لجنة المتعاقدين في التعليم الأساسي” في لبنان الدكتور حسين محمد سعد جوهر هذا القرار، وقال لـ “الديار”: “يعد تدريس هذه المادة ركيزة ودعامة بناء أساسية، لكن هذه الخطوة “سقطت سهوا”، وسيتم اتخاذ قرار جديد بخصوص هذا الموضوع”، أردف: “من المفترض برأيي الشخصي ان يتعلم الطلاب النازحون، سواء اكانوا عربا او أجانباً، المنهاج اللبناني، ويجب عليهم الالتزام حرفيا بالمواد الأساسية التي وضعتها التربية اللبنانية وعممتها على الطلاب اللبنانيين اثناء الدوام الصباحي. وعلى اليونيسف التقيّد بالمنهج المحلي المعتمد في مدارسنا، ولا مجال للتفاوض في هذا الاطار او لإسقاط هذه المادة من برنامج بعد الظهر كمادة تعليمية، الا اذا كان هناك قرار سياسي اكبر من الوزارة، ولا اظن ان وزارة التربية ترضخ لمثل هذه الضغوطات، لان حصة التاريخ أساسية”.
واشار الى “ان التاريخ اللبناني يشبه التاريخ السوري من حيث الانتداب والانتداب الجغرافي والتاريخي، وكل ما كان يجري من أمور تاريخية على مر التاريخ كانت هي نفسها تحدث في البلدين، ولا أتصور انه يوجد تباين تاريخي كبير ما بين لبنان وسوريا”. وقال: “تبقى النقطة الأساسية في كل ما تقدم، تدريس هذه المادة في الدوام المسائي، على غرار ما يحصل في الدوام الصباحي. وهناك تعميم قريب جدا يقضي بإعادة تدريس التاريخ للطلاب السوريين ابان دوام بعد الظهر. وبالتالي معاودة تصحيح هذا القرار من جانب الوزارة”.
وتابع “إذا كان يتم استحداث مخطط ما ، فهو لضرب تاريخ لبنان وهويته بوجه الصراع العربي – “الإسرائيلي” وعروبته ووجهته العربية حيال الدول الشقيقة المحيطة به، سواء سوريا أو السعودية وقطر”، لافتا الى “ان وزارة التربية جاهزة لردع أي قرار من هذا القبيل، والى جانبها الأساتذة والمسؤولون التربويون، الذين لن يرضوا بهذا المسعى”.
أضاف: “إذا كان هناك تصميم من جانب اليونيسف على حذف هذه الحصة او اقصائها من منهاج السوريين بعد الظهر، فهذا يعني زعزعة وجَلد هوية لبنان العربية ودولة سوريا، لجهة الحركة النضالية والمقاومة على مر التاريخ بوجه الاستعمار الخارجي الذي احتلّ هاتين الدولتين. وفي حال وجود نية مبيّتة فهي سياسية تستهدف وجه لبنان العربي وسوريا العربية، وهذا مرتبط بإدخال منهاج المثليين ودمجه في البرامج التربوية اللبنانية، وتم التصدي لهذا المشروع او المقترح من قبل وزارة التربية والنقابات ، وخاصة من جهتنا كلجنة الأساتذة المتعاقدين والروابط”.
القرار لم يأتِ عن غفلة!
بالموازاة، كشف مصدر تربوي لـ “الديار” ان “الدول المانحة رفضت رفضا قاطعا تدريس هذه المادة للطلاب السوريين، كما ان صدور قرار يتعلق بهذا الخصوص لم يسقط سهوا، بل كان مقصودا ومدروسا من جانب الجهات المعنية، التي تتطلع الى نسف القطاع التعليمي وتغيير بوصلته، وتحريف وجهته المقترنة بالنضال والمقاومة وحب لبنان”.
في الخلاصة، ما بين النفي والتأكيد بصدور قرار يتعلق بإبعاد مادة التاريخ أو عدمه من قبل الدول المانحة، تبقى الحقيقة واحدة ان تعميما كهذا على مستوى الوطن لا يمكن ان يسقط سهوا، بل جاء نتيجة قرار اتخذ عن كامل وعي وإصرار وتخطيط ، وذلك وفقا للمعلومات التي حصلت عليها “الديار”.