ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبة صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: “لقد أراد الإمام بذلك أن يشير من خلال وصيته إلى موقع التشيع وأن التشيع ليس انتماء أو عاطفة أو مشاعر نبديها لأهل البيت بقدر ما هو تميز في السلوك والمواقف والأهداف، لأن التشيع يعني أن تكون مواقفك وكلماتك وسلوكك وكل ما تتحرك به ينبع من مواقف أهل البيت وسلوكهم وكلماتهم فتكون في الحياة كما كانوا في مقدمة العالمين والعابدين والصادقين والأمناء والحكماء، وباذلي الخير، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر…
ومتى فعلنا ذلك سنكون أكثر وعيا ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات…”.
وتابع: “البداية من الأزمات على الصعيد المعيشي والحياتي التي يكتوي اللبنانيون بنارها وكان آخرها أزمة الطحين بكل تداعياتها على لقمة عيش المواطنين، وهي إن جمدت لكنها قد تعود إن لم يتم العودة إلى فتح الاعتمادات اللازمة وقد لا يتم، والأزمة الأخرى هي عدم توفر البنج اللازم لإجراء العمليات. ونحن في هذا المجال، نعيد دعوة الدولة إلى تحمل مسؤوليتها اتجاه مواطنيها في توفير حاجاتهم الملحة وعدم التباطؤ أو إدارة الظهر واجتراح الحلول التي تحد من تفاقم الأزمات عليهم والتي تزداد يوما بعد يوم…إن ما يؤسف له، أن الحل الوحيد الذي يعمل عليه لمعالجة أزمات هذا البلد ولأجله تقدم كل التنازلات هو تأمين شروط صندوق النقد الدولي والتي يعرف القاصي والداني مدى قساوتها على اللبنانيين، وهي التي تجعل البلد رهينة له وخاضعة لتوجهاته..”.
أضاف: “إننا واعون جيدا مدى حاجة الخزينة إلى أموال هذا الصندوق لتسيير أمور الدولة أو لفتح أبواب المساعدات أو القروض لهذا البلد ولا ننكر ذلك، لكننا لا نرى أن هذا ينبغي أن يكون هو الحل الوحيد وأن لا بديل عنه، فهناك العديد من الخيارات التي لا بد من دراستها ويمكن السير بها لإنقاذ البلد مما يعاني منه من دون الوقوع في محاذير شروط صندوق النقد الدولي، ونرى ذلك ممكنا عندما يؤخذ القرار الجدي بإيقاف مزاريب الهدر والفساد، واستثمار صحيح لمقدرات الدولة وإمكاناتها الذاتية، وتفعيل الاقتصاد المنتج وإيجاد بيئة آمنة لتشجيع المستثمرين، ويبقى الأساس في ذلك هو في إزاحة الذين من هم عقبة أمام المبادرات التي تخرج البلد من النفق المظلم الذي دخل فيه..
وبالانتقال إلى قانون الكابيتال كونترول والذي يعني وضع القيود على تحويلات رؤوس الأموال من الخارج إلى الداخل ومن الداخل إلى الخارج والتشريعات التي تحدد حجم سحوبات المودعين لأموالهم من المصارف فلا يعود معها لهم حرية استيفاء ودائعهم كما يشاؤون، بل ضمن القيود التي يحددها هذا القانون”.
وتابع: “نحن رغم التأخر الذي شهدناه في إصدار هذا القانون، نرى من الأهمية صدوره على أن تتضمن بنوده منع تكرار ما حصل من تهريب للأموال أو تلك المنهوبة، والتي كانت واحدة من الأسباب التي أدت إلى ما يعاني منه البلد على صعيد تأمين السيولة النقدية، واستمرار معاناة المودعين أمام أبواب المصارف..لكننا نريد لهذا القانون أن يكون له مفعول رجعي لاستعادة هذه الأموال من الخارج، وأن لا يكون هذا القانون على حساب المودعين الذين من حقهم أن يستردوا أموالهم إن لم يكن الآن وحين الاستحقاق فلفترة ليست طويلة…إننا لا نريد لهذا القانون أن يأتي لشرعنة ما مضى، وإن ما مضى قد مضى، أو لشرعنة ما تقوم به المصارف ووضع التبريرات القانونية ليستمروا في حبس أموال المودعين”.
وعن الانتخابات، قال: “إننا نعيد التأكيد أن يكون هذا الاستحقاق فرصة للتنافس للوصول إلى المرشح الأفضل والمشروع الأكثر واقعية وعملية لإنقاذ هذا الوطن بعيدا عن سياسة الترغيب والترهيب، والاستقواء بشد العصب الطائفي والمذهبي والسياسي أو بطرح شعارات موترة وغير واقعية وتكون على حساب البلد ومنعه”.
وعلى الصعيد الأمني: “إننا ننبه إلى خطورة تنامي معدلات الجريمة والسرقة والاعتداء على الممتلكات، حتى بات الناس معها يخشون في تنقلاتهم وحتى ومن هم في بيوتهم على أرواحهم وممتلكاتهم ممن يمتهنون السرقة ولا يأبهون بأرواح الناس، وقد يكون وراء ذلك جهات تريد العبث بأمن البلد واستقراره…إننا أمام ذلك ندعو القوى الأمنية والبلديات ومن يملكون حضورا على الأرض إلى استنفار جهودهم من أجل حماية أرواح الناس وممتلكاتهم ومقدراتهم ومنعا من أن يدعو ذلك كل مواطن إلى أن يحمي نفسه وبيته بنفسه لا بقوة الدولة والقانون والقضاء الرادع.
وبالانتقال إلى اليمن، فإننا نأمل أن تساهم الهدنة التي حصلت في هذا البلد في فتح الباب واسعا للحوار للوصول إلى عودة الوئام بين كل مكوناته وإنهاء الحرب التي أكلت أخضره ويابسه بعيدا من التدخلات ولغة الفرض والإقصاء”.
وختم فضل الله: “إلى فلسطين المحتلة، “التي يستمر فيها العدو الصهيوني بممارسة سياسة القمع والاعتقال والقتل والتهديم وتدنيسه المستمر للمسجد الأقصى ولفرض التقسيم العبادي بعد التقسيم الزماني والمكاني… ونحن في هذا اليوم نتوجه بالتحية والإكبار إلى المرابطين في المسجد الأقصى والذين يقفون بكل عزة وإرادة بصدورهم، ويقدمون التضحيات في الدفاع عن حرمته من الاعتداء الغاشم عليه؛ كما نحيي كل من وقفوا ولا يزالون يقفون في جنين والضفة الغربية وغزة في مواجهة غطرسة العدو وآلته العدوانية بهدف كسر إرادة الشعب الفلسطيني ومنعه من التعبير عن خياره في أن يعيش في بلده حرا كريما في أرضه، لكن هذا الشعب لن يخضع ولن ينكسر رغم كل ما يقدمه من تضحيات جسام..”.