تتواصل الاخبار يوما بعد آخر عن مجازر تُقترف بإصرار وتصميم ضد أطفال لبنان لأسباب هجينة وغير منطقية او مقنعة، ولتتعدد المبررات ويبقى الظلم واحدا. فاللبنانيون لم ينسوا بعد ما جرى من تجاوزات تخطت الحدود الإنسانية في جمعية “قرية المحبة والسلام”، حتى ظهرت الى العلن قضية مماثلة، ولكن هذه المرة في “بيت اليتيم الدرزي”، شكاوى عن اعمال تعنيف وتحرش واغتصاب قصّار وتجويع.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هذه المؤسسات باتت بحاجة الى إعادة ترميم وهيكلة للمبادئ والقواعد الإنسانية التي قامت على أساسها من جديد؟ وأين مجلس الطفولة، وحماية الاحداث من هذه الفظائع التي ترتكب ضد القصّار؟ وأين وزارة الشؤون الاجتماعية من كل ما يحدث؟
الاساس هشّ!
في الحقيقة، خروج هذه الفضائح الى العلن يثبت زعزعة المؤسسات الرعائية في لبنان وان الأوضاع لم تكن سليمة يوما. وشهادات أطفال “بيت اليتيم الدرزي” تتوالى ضد العاملين في المؤسسة واتهامهم بالتعنيف وإساءة المعاملة. والاشنع الى جانب كل ما تقدم، ان طعام هؤلاء الأطفال “مسوّس” ومنتهي الصلاحية، واطباقهم تفتقد البروتينات مثل اللحمة والانواع الأخرى، وكأن هذه الجمعية فرع من سجن رومية.
فالقيم التي كانت ترسم معالم هذه الجمعيات الخيرية سرعان ما تدحرجت، لتفضح التجاوزات الهمجية خلف القشور المزيفة، فانكشفت فظائع التحرش والتعنيف والاغتصاب وتزويج القصار والاتجار بالأولاد. امام هذه الكوارث اللاإنسانية والمساوئ اللاأخلاقية والمظاهر البالية التي يتمسك بها القيّمون من اجل سرقة التبرعات التي تصل الى هذه المؤسسات تحت عباءة الصورة النمطية التقليدية، والتي تعتبر أفعالا ساقطة بكل المعايير الدينية والأعراف المجتمعية. كل هذا يحدث مقابل غياب متعمد للجهات الرسمية المعنية بحماية الأطفال.
مصدر من مشيخة عقل الطائفة الدرزية
بالموازاة، أوضح مصدر من مشيخة عقل الطائفة الدرزية لـ “الديار”، “ان الكلمة الفصل في هذه القضية للقضاء، وان الموقف الذي ستتخذه مشيخة العقل سيكون في ضوء ما ستظهره التحقيقات الجارية، وسنتابع الموضوع حتى النهاية ولينال كل شخص متورط جزاءه”، وشدد المصدر على “ان لا استخفاف في هذا الموضوع الإنساني، ولا تهاون مع أي شخص تثبت ادانته ومشاركته في كل الانتهاكات التي تم الإبلاغ عنها”، مشيرا الى ان الشخصين المتورِّطين “لا يزالان موقوفين لدى الأجهزة الأمنية”.
موقوفان لدى أجهزة امنية
في سياق متصل، مصدر أمنى لم ينف او يؤكد إذا كان المشتبه فيهما موقوفين لدى أجهزة امنية أخرى، مؤكدا لـ “الديار” ان “لا معلومات متوافرة حاليا في هذه القضية”.
على مقلب متصل، كان الإعلامي احمد ياسين أكد لـ “الديار” ان المتورطين (ر. ذ.) و (هـ. ح.) موقوفان عند الأجهزة الأمنية التي تتولى متابعة التحقيق، كما ويواصل قاضي التحقيق نادر منصور تحقيقاته في هذا الملف”.
كرّت السّبحة
على خطٍ موازٍ، الإعلامي احمد ياسين كان اول من فضح ما يجري داخل “بيت اليتيم الدرزي” تؤازره السيدة نادين بركات، بالإشارة الى الضغوط التي يمارسها سياسيون ونافذون لفلفة القضية وعدم إخراجها الى العلن ، حفاظا على خصوصية البيئة الدرزية.
وفي السياق، قال ياسين لـ “الديار”، “كانت وصلتني معلومات تفيد ان قصّرا ابلغوا عن واقعة تحرش في “بيت اليتيم الدرزي” والمتحرش يدعى (ر. ذ.) لتكرّ من بعده السبحة، حيث بدأت تتسلسل الدعاوى المقدمة في هذا الإطار، ولتخرج حملة تضامنية دعماً للمدعو (ر. ذ.) وليتبيّن ان الأخير متورط ومعه أستاذ الرياضيات (هـ. ح.). أردف، لقد تلقيت شهادات حيّة من قبل فتيات وفتيان كانوا داخل المؤسسة تحدثوا عن اعمال تعنيف وتجويع وتحرش من قبل الجمعية مع الايتام. ما دفعني للتحرك وجمع معلومات إضافية وليتضح ان (ر. ذ.) وهو مسؤول عن الكاميرات ومبنى البنين متورط في التحرش بفتيان، وكان يعتمد مع الأطفال سياسة “العصا والجزرة” أي يحاول استمالتهم باللطافة ليوقع بالفريسة ثم يقوم بفعلته. وهناك اعترافات تتناول السيد (هـ. ح.) وهو متهم بالتحرش بالفتيات ومحاولات اغتصاب”.
تابع ” توالت الاتهامات التي تدين كل من (ر. ذ.) و (هـ. ح.) في قضايا عديدة أبرزها: تعنيف مبالغ جدا فيه، تجويع، فساد، سرقة، تزويج القاصرات، الاغتصاب، التحرش واجبار الأطفال على تنظيف المراحيض والصالات وكأنهم “سُخرة”، مشيرا الى حرمان الأطفال من امتلاك أي مبالغ مالية مخصصة لهم. اما المساعدات وهذا ملف منفصل وفقا لياسين، “فانه ينطوي على تجاوزات وسرقات فاضحة للتبرعات التي تتلقاها الجمعية ولا أحد يعرف اين تذهب”. مضيفا، “في بدء الامر كنا نعتقد ان الإدارة لم تكن على دراية بما يحدث ليتبين العكس وبحسب معلوماتي الإدارة كانت على علم بكل ما يحصل داخل حرم المؤسسة الرعائية”.
واشار الى ان “موضوع العنف والتجويع قائم منذ سنوات وليس حديثا، وقد علمت ان الأسبوع الفائت عمدوا الى تبديل الطعام بغرض التمويه بعد ان كان يقدم للأطفال نفسه يوميا على مدى سنوات. ومؤخرا استقدمت مديرة المؤسسة عمالا للتنظيف بعدما كانت تجبر الأطفال على القيام بذلك.
المديرة تعلم… وهذه مواقف بعض السياسيين!
ولفت ياسين “الى ان السيدة حياة النكدي مطلعة على التبرعات التي تصل الى المؤسسة وهي المسؤولة المباشرة عن جمعها”. وقال: “النائب مارك ضو زار المؤسسة والتقط “سيلفي” في محاولة منه لتمييع القضية”. اما رئيس الحزب “الديموقراطي اللبناني” المير طلال أرسلان فللأمانة كانت لهجته الأعلى من بين السياسيين، لكنه يحاول ان يحافظ على خصوصية هذه المؤسسة، غامزا الى ان لا موقف واضح من المختارة بعد”.
وفي هذا السياق، كتب رئيس الحزب الديموقراطي طلال أرسلان على منصة “اكس”: “بعد اطلاعنا على التحقيقات الأولية في جريمة التحرش وتعنيف الأولاد في مؤسسة بيت اليتيم الدرزي، ومتابعتنا الحثيثة بصورة يومية لكل التطورات المتعلقة بهذا الملف الدقيق والمصيري، نؤكد ان حماية الأولاد والمؤسسة وتاريخها من اولوياتنا للوصول الى كشف الحقيقة كاملة ومحاسبة أي مرتكب”.
وأوضح ياسين “كل ما يهمنا ان تبقى هذه المؤسسة قائمة لرعاية الأطفال، وان تجري مكاشفة ومصارحة وشفافية بالتبرعات لمعرفة أين تذهب وتصرف الأموال ونشر الميزانية السنوية والاهم ان يبقى التحقيق متواصلا لكشف المتورطين وذلك ليبقى للأطفال سقف ومأوى يصونهم”.
وملخص القضية التالي وفقا لياسين: “تورط (ر. ذ.)، في تحرش وتعنيف ومحاولات اغراء للأيتام، ومواظبة على اغتصاب وتحرش دائم من قبل (ه. ح.) وتجويع وتعنيف من قبل القائمين على المؤسسة باطّلاع المديرة حياة النكدي وقد وصلتنا معلومات حديثة تؤكد ان الأخيرة تجبر الموظفين على الإمضاء على معاشات مخالفة لما يتقاضونه وذلك شكليا فقط امام المتبرعين أي ان الرواتب المدفوعة لهؤلاء اقل بكثير”.
وختم ياسين “لا يوجد اختصاصي صحي في هذه المؤسسة في حال حصل أي طارئ للأطفال وهناك اختصاصية خاضعة لدورة لدى الصليب الأحمر، لافتا الى ممرضة كانت تعمل في المؤسسة وتركت بعد ممارسة الضغوط عليها من قبل المديرة”.