يلتزم سليمان فرنجية منذ فترة هدوءا سياسيا غير مسبوق، للرجل المشاغب الذي لا ينتقل عادة الى ملعب خصمه السياسي إلا في المسائل التي تمسه شخصيا، او تتعلق بالخط السياسي الذي ينتمي إليه. وليس سرا ان فرنجية اختار قبل فترة دور المراقب عن بُعد، والمنتظر هدوء العاصفة الكبرى بعد الانهيار الكبير الذي أصاب لبنان، وعلى الرغم من الدخول في مرحلة الفراغ الرئاسي وزج اسمه كمرشح طبيعي لفريق ٨ آذار، فإنه ملتزم ضبط النفس عندما يتعرض لهجوم وتنمر سياسي، حتى ولو من الحليف المسيحي القوي في ٨ آذار.
وعليه، فان فرنجية يحاذر” المشي” بين الألغام حتى لا يحترق ترشيحه بنيران صديقة أوعدوة، وعليه يتموضع على مسافة مقبولة من الجميع، محاولا ازالة المعوقات، وعليه شكل حضور فرنجية مؤتمر الأونيسكو في الذكرى ٣٣ لتوقيع إتفاق الطائف، الى جانب ممثلين عن مجلس النواب نبيه بري ونواب لبنان القوي مفارقة لافتة، حيث ربطتها أوساط كثيرة بالاستحقاق الرئاسي المقبل، على اعتبار ان فرنجية حليف أساسي لحزب الله، وثمة دور للملكة العربية السعودية من ضمن المحاور الإقليمية المؤثرة في الاستحقاق.
حضور فرنجية وجلوسه في مقاعد الرؤساء وليس مع النواب السابقين، حمل بحد ذاته دلالة خاصة عن موقعه في المعادلة الإقليمية، الى جانب موقعه القوي والإستراتيجي في فريق ٨ آذار.
وتوقف المراقبون عند العديد من الإشارات على هامش مشاركة رئيس “المردة”، فثمة من اعتبر ان فرنجية أراد بعث رسالة مفادها انه جزء من الطائف ومن المشاركين بصياغته، بقوله انه لم يكن يوما خارج إتفاق الطائف وان “حلفاءه مثله مع الطائف”.
مشاركة فرنجية دحضت أيضا ما يتردد عن رفض المملكة العربية السعودية وصول فرنجية الى سدة الرئاسة ، ودليل على الانفتاح الذي يبديه على العالم العربي والخارج.
فرنجية بالنسبة الى كثيرين أطلق من الأونيسكو معركته الرئاسية في ظل معارضة النائب جبران باسيل له، وعدم إعلان حزب الله ترشيحه رسميا، مع ان فرنجية هو المرشح المفضل للحزب، حيث لا يزال فريق ٨ اذار يقترع بالورقة البيضاء .
الرضى الإقليمي على ترشيح فرنجية، وسقوط “الفيتوات” الخارجية لو حصل، لا يعني ان الأمور مسهلة داخليا، فترشيح فرنجية يصطدم باعتراضات الوزير السابق جبران باسيل، والتباعد واضح بين حلفاء ٨ آذار. فما يريده الثنائي الشيعي رئاسيا يختلف عن أجندة التيار الوطني الحر، وبشكل أوضح فان الثنائي لديه مرشحه الرئاسي الذي يعتبره الأفضل للمرحلة الراهنة، كونه من المحور الذي يدور في فلك المقاومة، والمرشح نفسه يعارضه بشدة رئيس التيار النائب باسيل.
الإتفاق لم يبصر النور بعد حول مرشح من رحم ٨ آذار السياسي تلتقي حوله كل المكونات، فلم تصدر بعد كلمة السر الرئاسية من هذا الفريق، وصار ثابتا ان ترشيح فرنجية يواجه ممانعة باسيل ورفضه بأي شكل من الأشكال السير في هذا الخيار، على الرغم من تدخل حزب الله في محاولة تقريب المسافة رئاسيا لإقناعه ان خيار فرنجية يصب في خانة مصلحة ٨ آذار وخطها السياسي.
وازاء فشل المحاولة الأخيرة التي قام بها حزب الله لانتزاع موافقة باسيل، لا يؤمل كما تقول المعلومات ان يقدم أي لقاء بين “المردة” و “التيار” أي جديد في الشأن الرئاسي، او يحمل مفاجآت إيجابية في شأن السير بترشيح فرنجية وتبنيه من قبل التيار الوطني الحر.
فباسيل مصر على ترداد دعمه الرئيس الإصلاحي البعيد عن المنظومة، الأمر الذي يفسره العارفون بأنه استهداف لفرنجية وخوف من تشكل جبهة سياسية ضده تضم بري وجنبلاط في حال أصبح فرنجية رئيسا. بالنسبة لرئيس التيار، فان فرنجية من ضمن المنظومة الحاكمة المعادية لعهد الرئيس ميشال عون، كما ان رفضه لترشيح فرنجية يعود الى عدة أسباب تتعلق بمصلحة التيار الوطني الحر ومستقبله، مع الإشارة ان بكركي لا تمانع انتخاب فرنجية، إضافة الى توفر الحظوظ الرئاسية له بدعم الرئيس بري ورئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط عندما تسقط ورقة النائب ميشال معوض .
يسجل المتابعون ان تدخل حزب الله بين حليفيه ساهم بلجم التشنجات، لكن من دون نتيجة، مما يجعل الوضع دقيقا ومعقدا داخل ٨ آذار، فرئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية يعتبر الرئاسة حقا طبيعيا له هذه المرة، بعد ان سحبت منه في الإنتخابات الرئاسية الماضية في التسوية المعروفة، على الرغم من معرفته المسبقة بحساسية وضعه الرئاسي والصعوبات التي تعترض طريقه، وأساسها “فيتوات” النائب جبران باسيل بالدرجة الأولى .