وسطَ تساؤلات عن أسباب دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة انتخاب رئاسية في 9 كانون الثاني، ومع تأكيده وقيادات من كل القوى أن الجلسة ستشهد نهاية فترة الشغور، أكّدت مصادر مطّلعة أن «الكلام شيء والواقع شيء آخر، ولا مؤشرات إلى أن ثمة ما هو مخطّط له». وأوضحت أنه «في الإطار العام، هناك شعور بتغيّر ما في مقاربة الملف الرئاسي وشبه قناعة بضرورة انتخاب رئيس تحسّباً للفترة المقبلة مع بدء حقبة دونالد ترامب الذي قد تشهد المنطقة في عهده تحولات كبيرة، وبالتالي ما هو متاح اليوم قد لا يكون متاحاً غداً». وتقدّر المصادر المتاح اليوم بالموقف السياسي الذي تبدّل بعد الحرب، إذ إن «الجميع أو الغالبية يشعرون بخطر حقيقي داخلي وخارجي متعلق بالانقسام السياسي، واستمرار الخطر الإسرائيلي جنوباً والخطر الذي استجدّ شمالاً من سوريا»، وهذا ما «دفع هذه الجهات إلى عادة النظر في مقاربتها للملف وقد تجد نفسها مضطرة إلى تقديم تنازلات والتراجع عن أسماء دعمت ترشيحها سابقاً».
وفي هذا السياق، أشارت معلومات «الأخبار» الى أن هناك حراكاً جدياً سعياً للاتفاق على شخصية توافقية لأن الظروف لا تسمح بانتخاب رئيس ينتمي إلى طرف بعينه. ويدخل في هذا الإطار الحراك الذي يقوم به رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل على القيادات السياسية والمرجعيات الروحية، فيما كشفت مصادر بارزة أن النائب السابق وليد جنبلاط يستعد للقيام بجولة مشابهة، وأنه سيزور معراب للقاء رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع للبحث عن اسم توافقي. لكن على ما يبدو من المداولات، فإن مهمة الاتفاق تبدو شاقة، حتى ضمن فريق المعارضة الذي لم يتفاهم حول اسم معيّن، وهو سيُبقي اجتماعاته مفتوحة، وفقَ ما اتفقت عليه قوى هذا الفريق في اجتماع معراب أولَ أمس.
لكن ماذا عن الفريق الآخر، وهل تخلّى عن دعم ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية؟ هذا الدعم، بحسب ما تؤكد المعلومات، «لا يزال قائماً وسيبقى إلى حين التوصّل إلى اتفاق على اسم تسووي، وفي حال لم تفض المشاورات في الأسابيع الفاصلة عن موعد الجلسة إلى نتيجة، سينزل الفريق الداعم لفرنجية إلى المجلس ويصوّت له ضمن تنافس ديمقراطي على أن لا تقفل جلسة الانتخاب الأولى، ويصار بعدها إلى عقد عدة دورات متتالية، حتى انتخاب رئيس»، علماً أن فرنجية هو المرشح الذي يحظى حتى الآن بأكبر كتلة من الأصوات (51 صوتاً) قد تزيد لكنها حتماً لن تنقص
ويبدو لافتاً تعمّد الجميع الحديث عن جلسة الانتخاب باعتبارها الموعد الفصل، كقول نائب رئيس مجلس النواب، الياس بو صعب، بعد لقائه الرئيس بري أمس، إن «جلسة انتخاب رئيس الجمهورية قائمة بتاريخها في 9 كانون الثاني المقبل، والجلسة ستظل قائمة حتى خروج الدخان الأبيض وانتخاب رئيس»، بما يوحي وكأنّ هناك ضغطاً خارجياً للقيام بالخطوة.
وكان الملف الرئاسي بنداً أساسياً في اللقاء الذي جمع سفير مصر في لبنان علاء موسى مع نواب كتلة «الاعتدال الوطني» الذين قالت مصادرهم إن موسى أكّد دعم بلاده لجهود إنهاء الفراغ وتحدّث عن الجهد الذي تقوم به دول «الخماسية» في هذا الإطار.
مع ذلك، لم تخلُ الساحة من المشكّكين الذين اعتبروا أن دعوة بري لجلسة انتخاب «كانت لهدف ما، وخصوصاً دعوة السفراء لحضورها، فبري تقصّد ذلك لإحراج الجميع والقول إنه كرئيس للمجلس يقوم بما يتوجب عليه لكنّ الكتل السياسية لا تفعل ما هو مطلوب منها». ويقول هؤلاء إن «هناك صعوبة في الانتخاب، فحتى اللحظة لم يضمن أيّ من المرشحين 65 صوتاً، وميزان القوى في مجلس النواب لم يتغير، ما يعني أن الأمور لا تزال على ما كانت عليه»، بينما «الجو الخارجي لا يبدو داعماً لانتخاب رئيس». وكشفت المصادر أن «الموقف الأميركي وهو الأساسي، يحمل إشارات متناقضة، حيث نُقِل عن مسؤولين في السفارة الأميركية في بيروت تأكيدهم أن إدارة بلادهم تدعم انتخاباً فورياً»، وهو ما يتناقض مع ما يكرره مستشار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لشؤون الشرق الأوسط مسعد بولس، الذي قال في حديث إلى صحيفة «لوبوان» الفرنسية إنه «يجب ألا نتسرع في انتخاب أحد مهما كانت الطريقة»، معتبراً أنه «بإمكان اللبنانيين الانتظار شهرين أو ثلاثة أشهر أخرى لتصحيح الأمور، في إطار اتفاق دولي شامل، يتضمن الإصلاحات اللازمة لإعادة بناء البلاد ومؤسساتها». وحين سئل «جماعة السفارة» عن تصريحات بولس، قالوا إن «لا أجواء وصلتنا من هذا القبيل».
أما داخلياً، وفيما تحاول بعض الجهات الإيحاء بوجود أسماء يجري التكتم عليها، قالت مصادر في «المردة» إن فرنجية «لن يسحب ترشيحه ولو بقي له صوت واحد»، مؤكدة أنه «لم يتبلّغ لا من بري ولا من حزب الله تراجعاً عن دعم ترشيحه، وفي حال حصول ذلك فهذا لن يؤثّر على العلاقة معهما. فأمام التضحيات التي قدّمتها المقاومة لا يُمكن لأحد أن يزايد عليها». وتساءلت المصادر: «هل المهم استبعاد فرنجية من الواجهة حتى لو لم يكن السبيل سوى انتخاب رئيس صف عاشر؟ وهل الأسماء التي تُرمى من هنا وهناك لديها تمثيل وحيثية أكثر من فرنجية؟»، مؤكدة أنه «في كل الأحوال لن يتراجع عن ترشيحه».
في إطار «الانفحاط» اللبناني بوالد صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المحامي مسعد بولس، لوحِظ أن غالبية القوى السياسية تعمد إلى التواصل مع الرجل بشكل شبه يومي للبحث معه في الشؤون اللبنانية، وتحديداً ملف رئاسة الجمهورية. وعبّر بعض هؤلاء عن ارتياحهم لكون «الخط مفتوحاً دائماً» مع بولس الذي يجيب على كل الاتصالات، علماً أن أكثر المتواصلين معه هم ممن يعتبرون أنفسهم مشاريع مرشحين لرئاسة الجمهورية. وقالت أوساط متابعة إن بولس حلّ مكان السفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون، إذ إن معظم من كانوا يتواصلون معها أصبحوا يفضّلون التواصل مع بولس مباشرة!
المصدر: الأخبار