في لحظة وطنية مفصلية، وعبر موقف صريح وحازم، اختار رئيس الجمهورية العماد جوزف عون أن يضع حدا لكل محاولات التشكيك بوحدة لبنان، وأن يرد مباشرة على كل من يهدد بتقسيم البلاد أو ضمها إلى كيانات خارجية تحت ذرائع طائفية أو سياسية أو أمنية.كلام عون لم يكن مجرد موقف عابر في سياق سجالات داخلية وخارجية، بل جاء بمنزلة إعلان واضح عن ثوابت وطنية غير قابلة للتفاوض، يؤسس عليها لمقاربة جديدة، تقوم على استعادة المبادرة السيادية وتثبيت أسس الدولة الحديثة، دولة الحق والسلاح الواحد.وفي هذا السياق، قال مصدر سياسي لبناني رفيع لـ «الأنباء»: «موقف الرئيس عون يقرأ في إطار رد مباشر ومدروس على طروحات بدأت تتسلل إلى المشهد اللبناني في الأشهر الأخيرة، سواء عبر الحديث عن الفيدرالية أو عبر محاولات عزل بعض المناطق عن القرار المركزي للدولة، أو ضم مناطق لبنانية إلى دولة أخرى، وكأننا على أبواب تكرار سيناريوهات ماضية أثبت التاريخ فشلها ومأساويتها».
وأضاف المصدر: «رسم رئيس الجمهورية بموقفه سقفا سياديا واضحا لا يمكن لأحد تجاوزه. وأكد أن مرجعية الدولة الجامعة غير قابلة للتفكك. وحين قال عون إن قرار حصرية السلاح بيد الدولة اتخذ، لم يكن يستعرض موقفا رمزيا، بل كان يقر بحقيقة لا بد أن تترجم إلى سياسات ملموسة على الأرض، تمهد لاستعادة الدولة هيبتها، وتعيد ترسيخ دور الجيش والمؤسسات الشرعية في ضبط الأمن ومنع الانزلاق نحو محاور خارجية أو مشاريع تقسيمية تهدد الكيان الوطني برمته».واعتبر أن رئيس الجمهورية «استند في كلامه إلى الدستور واتفاق الطائف، ليقطع الطريق على أي تأويل، ويؤكد أنه لا شرعية لأي سلاح خارج إطار الدولة، ولا لأي قرار بالحرب أو السلم يتخذ خارج المؤسسات، ولا لأي نيات تقسيم أو تجزئة أو توطين قطع دابرها الدستور».
في العمق، يعكس هذا الموقف استشعارا بالخطر المحدق بلبنان، في ظل اشتداد النزاعات الإقليمية، وتكاثر المبادرات العابرة للحدود، والتي غالبا ما تستغل ضعف الداخل لفرض وقائع لا تعبر عن إرادة اللبنانيين. إلا أن عون في المقابل، لا يركن إلى خطاب التهديد والوعيد، بل يؤمن بأن «الفرص كبيرة أيضا»، داعيا اللبنانيين إلى استثمار قدراتهم وإبداعهم في خدمة الوطن، وتحويل التحديات إلى فرص نهوض اقتصادي وسياسي، إذا ما توافرت الإرادة الجامعة والرؤية الواضحة.وفي هذا السياق، أشار المصدر السياسي نفسه لـ«الأنباء» إلى أن «عون يدرك تماما أن الأزمة التي يمر بها لبنان تتجاوز الانهيار الاقتصادي أو الفراغات السياسية، إلى أزمة خيار وطني. ولهذا جاءت دعوته إلى التمسك بالفرص لا الوقوع في فخاخ الفتنة، وإلى استنهاض قدرات اللبنانيين التي لطالما كانت الخزان الحقيقي لأي نهوض تاريخي».
إن تمسك رئيس الجمهورية بوحدة الأراضي اللبنانية، ليس فقط موقفا سياديا أو التزاما دستوريا، بل هو تعبير عن خيار شعبي لبناني راكم عبر التاريخ تضحيات لا تعد دفاعا عن الصيغة التنوع، وعن الدولة الوطنية الجامعة. وحين يؤكد أنه أقسم اليمين على صون «استقلال الوطن وسلامة أراضيه»، فهو يوجه رسائل إلى الداخل والخارج بأنه لا تهاون مع أي مشروع يتجاوز هذه الثوابت، ولا تراجع عن القسم، ولا مجال لإعادة إنتاج الطروحات التي تنسف الكيان لمصلحة كيانات متهالكة أو ارتباطات إقليمية.
وبحسب المصدر السياسي، فإن «تأكيد الرئيس على قسمه، لم يكن تفصيلا عاطفيا، بل كان موقفا سياديا يعكس رفضا واضحا لكل محاولات الإيحاء بأنه قد يتساهل مع مشاريع تفتيتية أو اقتراحات دولية مشبوهة، وهو بذلك يطمئن الداخل ويرسل إشارات قوية إلى الخارج بأن لبنان ليس ورقة تفاوض إقليمية أو دولية».ختاما وفي زمن الانقسامات، يأتي كلام رئيس الجمهورية ليذكر بأن الوطن ليس ورقة تفاوض، ولا خريطة قابلة لإعادة الرسم وفق حسابات الميدان أو الخارج.
داود رمال – “الأنباء الكويتية”