عون يصوّب على منتقديه وغياب ائتلاف وطني يصعّب التسوية

Share to:

المدن – منير الربيع

هل يمكن اعتبار الموقف الذي أطلقه قائد الجيش جوزيف عون خلال جولته في بعلبك الهرمل دخول مباشر على المعركة الرئاسية؟ انطوت المواقف التي أطلقها الرجل على جردة حساب لما يقوم به الجيش، رداً على الهجومات التي يتعرض لها، ومن ضمنها ما يمكن وصفه بأنه ملامح أولى لرؤية سياسية.

ردّ عون بشكل غير مباشر على الإتهامات التي يطلقها باتجاهه التيار الوطني الحرّ ورئيسه، وهي هجومات هدفها تقليل أي حظوظ لقائد الجيش في رئاسة الجمهورية، ومما جاء على لسانه:” نسمع بعض الأصوات المشككة بدور الجيش في حماية الحدود انطلاقًا من مواقف سياسية معروفة. لم نرَ هؤلاء يبادرون إلى دعم الجيش بل يحاولون عرقلة عمله وإثارة الشبهات حوله، ولم نرَ لهم مشاركة فاعلة في معالجة أزمة النزوح السوري. نقول لهم أننا مستمرون لأن هدفنا هو الوطن ومصلحته، فيما هدفكم مصلحتكم الشخصية. نحن نموت ليحيا الوطن، وأنتم تُميتون الوطن من أجل مصالحكم”.

تسوية متوازنة 
يأتي الموقف في ظل تنامي الحديث عن دعم خارجي لخيار ترئيس جوزيف عون كحلّ وسطي وسط كلام عن مبادرات خارجية هدفها الوصول إلى تسوية. بعض المعطيات التي ترد إلى لبنان، بعد إجتماع نيويورك، تنقل تشديداً أميركياً على ضرورة انتخاب رئيس خلال فترة قريبة، ولكن ليس وفق التنازل لما يريده حزب الله كما فعل الفرنسيون، وبالتالي لا بد من الذهاب إلى تسوية متوازنة. وهذا كلام تسمعه شخصيات لبنانية في لقاءات أو اتصالات مع الأميركيين. ومن بين الطروحات التي يجري التداول بها، التركيز على مرحلة ما بعد الرئيس وعدم حصر الإهتمام بشخصه.


ما بعد الرئيس
لا يزال هناك خلاف أساسي على مرحلة ما بعد الرئيس، فبما يتعلق بحزب الله يطرح سؤال أساسي، حول كيف ستكون تلك المرحلة سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً، وأي وضعية سيكون عليها حزب الله في تلك الفترة. الدليل على ذلك أن كل المشاورات التي تحصل إما تضع ملف حزب الله خارج النقاش، وإما خارج الإتفاق، وبذلك يكون البحث عن تسوية عادية تبقي القديم على قدمه. بينما هناك اتجاه فعلي لدى قوى إقليمية ودولية حول الحاجة إلى تغيير حقيقي وفعلي في البلاد، بغض النظر عن الشخص الذي سيأتي أو سيتم انتخابه. فالبنظر إلى مسارات المنطقة، يتأكد أن التفكير يتجاوز شخص الرئيس، بقدر ما الإهتمام يتركز على ماهية لبنان في المستقبل، وكيف سيكون واقعه السياسي والعسكري.


معادلة المسارين 
هنا تبرز معادلة الجغرافيا السياسية، وهي انعدام القدرة على حلّ الأزمة اللبنانية بدون تبلور آفاق لحل الأزمة السورية. فهناك التقاء ظرفي وموضوعي وواقعي بين المسارين، بالتدهور والإنهيار والتحلل، وبملف اللاجئين السوريين الذي يشكّل اولوية من اولويات الإهتمام في هذه المرحلة، حتى يكاد هذا الملف أن يفجر الواقع اللبناني، وبالتالي لا مجال لحل الأزمة اللبنانية بدون إيجاد حلّ لأزمة اللاجئين، والتي لا يمكن حلها بدون الوصول إلى حل سياسي كبير وشامل في سوريا يسمح بإعادتهم. في المقابل، هناك وجهة نظر خارجية تشير إلى أنه كلما عاندت الأطراف في سوريا ولبنان لمسارات الحلّ، فليبق الضغط قائماً، وإن طال أمده لعل ذلك سيدفع الجميع إلى التنازل لاحقاً.


قوة حزب الله وضعفه 
لا يزال حزب الله يتعاطى في الداخل والخارج بأنه الأقدر على التفاوض وصوغ التسويات والتفاهمات، هو يدرك تماماً نقاط قوته الداخلية الناتج عن وضع إقليمي، وعن غياب أي فعالية وتأثير لخصومه. فيما أدوات مواجهته تبدو بليدة، أو تستند إلى معايير طائفية ومذهبية، وهي أدوات كلها غير ناجعة في المواجهة السياسية، بدون أي رؤية سياسية وطنية، وبدون أي مشروع إقتصادي إجتماعي واضح. في المقابل، يدرك الحزب ذلك كله، بينما يعمل وفق أساس استراتيجي، أوله تنازل واقعي وغير قليل الأهمية في مسألة ترسيم الحدود البحرية، وربطاً، في المستقبل، في ترسيم الحدود البرية. ما يضعه في معادلة التفاوض مع القوى الإقليمية والدولية.


ائتلاف غير ناضج
بناء عليه، أصبحت القوى الخارجية أمام واقع وهو السعي إلى تعديل ميزان القوى الداخلية، وهو لا يمكن أن يحصل بالإرتكاز على دعم طرف واحد أو معين، انما بتعزيز موقع ودور إئتلاف موسع، لا يزال غير ناضج أو جاهز للتآلف السياسي، لا بل مشتت وفي حالة ضياع، فلا يبدو هناك إمكانية لتعديل ميزان القوى السياسي لا من الناحية السياسية ولا من الناحية الشعبية، وهو ما يفترض أن ينطلق من منظور وطني لا طائفي على قاعدة لكم لبنانكم ولنا لبناننا. في حال عدم توفر أي مقومات لاستيلاد حالة سياسية من هذا النوع، فإن أي تسوية ستحصل لا بد لها أن تكون منحت ثمناً للحزب، وما بعدها لن يكون مختلفاً عن ما قبلها.

Exit mobile version