عزيمة عون والبلد المفلس: لستُ الأزمة ولا الانهيار..

Share to:

الرئيس ميشال عون بحاجة إلى القول إنه يلتقي الناس. ليس مفهوماً إن كان يستمع إليهم، أو كيف التقاهم. المهم القول إنه التقى بهم. وهذه حال وفد شبابي زار قصر بعبدا اليوم للقاء الرئيس. هو “وفد شبابي”، لا صفة أخرى له ولا تعريف. وفد شبابي من أين؟ ما اهتماماته؟ من هم أعضاؤه؟ لماذا التقاه عون اليوم بالذات في ظلّ مأساة رفع الدعم والانهيار الكامل؟ هل سمع شيئاً الرئيس عون من هذا “الوفد الشبابي”؟ ربما لا حاجة لذلك. فالمحيطون بالرئيس لا يسمحون لأحد أساساً في طرح أسئلة ليست معدّة على القياس. هذا ما سبق وحصل مع وفد أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت وشهدائه قبل أسابيع. ألغت دوائر القصر اللقاء لأنّ الأهالي أصرّوا على طرح أسئلة قد تُحرج الرئيس، أو بكل بساطة ليس مرغوباً طرحها أساساً.

لست الأزمة
من خلال اللقاء، كان المطلوب إصدار البيان الرئاسي اليوم بغض النظر عن الزوار أو الضيوف وهويّاتهم. الرئيس ميشال عون يريد التأكيد على أنّ أسباب الأزمة لا تعود إليه. يريد التشديد على أنه استلم بلداً مفلساً ومأزوماً. لذا، قال خلال في البيان المنقول عنه إنّ “الظروف الصعبة التي يجتازها لبنان، والتي هي نتيجة تراكمات سياسات مالية خاطئة، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقضي على عزيمتنا في المضي قدماً في معالجة تداعياتها”. عبارات يمكن وضع الخطوط الحمراء تحتها، “الظروف الصعبة” و”تراكمات سياسيات خاطئة”. لست مسؤولاً عن الأزمة، ولست الأزمة، أتفّهم أحوال اللبنانيين وأعرفها، لكن لدينا الإرادة والعزيمة للمعالجة، هو العنوان الأول للبيان الرئاسي.

الحكومة سالكة.. وإصلاحات
في ظروف انهيار مماثل وصل إلى أسفل الدرك مع أزمة المحروقات ورفع الدعم وتوقّف الأعمال وانقطاع الدواء والغذاء، يحاول الرئيس ميشال عون ومن خلفه كل المسؤولين في السلطة الحاكمة الإيحاء بأنّ الأزمة في طريقها إلى الحلّ. فقال إنّ “تشكيل الحكومة العتيدة سالك، ونأمل أن يخرج الدخان الأبيض قريباً فتتشكل حكومة تتمكن من تحمل الأعباء الواجبة لمواجهة تراكم الأزمات بما يرضي تطلعات اللبنانيين”. بلغة أخرى، إننا نعمل، إننا نجتهد، أصبروا. وتابع مشيراً إلى أنّ مسيرته الإصلاحية منذ لحظة دخول إلى بعبدا “جوبهت بعراقيل جمة لم يكن هدفها الا وضع العصي في الدواليب لغايات باتت مكشوفة للجميع، محلياً ودولياً”. أنا حاولت، وبلغة أخرى “ما خلّوني”.

بروباغاند إمبريالية
يطلب رؤساء لبنان وزعماؤه من اللبنانيين الصبر. من القادر على الصبر في ظروف مماثلة؟ والصبر بانتظار ماذا؟ الحلول؟ أي حلول والتقارير الاقتصادية في صحف محلية وأخرى غربية “مُحترمة” توصّف الواقع العام في البلاد وتمنح الناس عقداً إضافياً من المآسي على الأقل؟ ليست هذه التقارير من إعداد “عملاء داخل”. ولا تلك المعدّة خلف البحار مجرّد “بروباغندا إمبريالية” هدفها النيل من أمتنا الخالدة بعهدها القوي ومرشدها الأعلى. هي توصيف لواقع معاش كل يوم عند كل محطة انتظار وطابور ذل، وعند كل دقيقة انتظار قاتل لإضاءة معامل الطاقة أو موتورات الاشتراك. لا حاجة أساساً إلى محاصرة هذا البلد لإسقاطه. لا داعٍ لمنع النفط والغذاء والدواء عنه، ولا لرصّ البوارج في عرض البحر. مسؤولوه قاموا بذلك.  

الانهيار اللبناني، بعد عقد أو اثنين أو مئة عام، سيتحوّل إلى نموذج للانهيارات حول العالم. يصحّ أن يكون بحثاً بعنوان “كيف تُسقط بلداً، بشعبه ومؤسساته، بلا ضربة كفّ ولا مؤامرة أو زرع جواسيس أو تخريب”. كيف تهزم شعباً بكامله. كيف تدمّر بلداً بأسره. كيف تنهب مالية عامة. كيف تحكم ميليشيات في زمن السلم. كيف تجفّف مؤسسات منتجة. كيف تحبط مجتمعاً بكل أطيافه وفئاته العمرية والقطاعية. عناوين تفصيلية ودروس وعبر. ثم يخرج بيان لرئيس أو يطلّ مسؤول ليبكي على شاشة. فنبكي على أحوالنا أكثر.  

Exit mobile version