الشركة الفرنسيّة تملك قدرة “المراوغة”
ونصرالله يضع “النقاط” على الحروف
تزامنا مع “الدعسة” اللبنانية الناقصة تجاه سوريا، والتي ردت عليها دمشق برسالة “محرجة” جدا للرئاسة الاولى التي استعجلت في اختيار التوقيت “غير المناسب” لإيفاد وفد رئاسي إلى دمشق للتباحث مع المسؤولين السوريين في ترسيم الحدود البحرية الشمالية، من المقرّر أن يشرف الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين اليوم على توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي. الحدث المرتقب في الناقورة ، يقفل ملفا متفجرا كاد يطيح الهدوء السائد بقوة ردع المقاومة منذ حرب 2006. الحاجة الاميركية لغاز المتوسط، ومسيّرات حزب الله كانا العاملين الحاسمين في انجاز الملف، ومن يقول غير ذلك إما جاهل او يمارس “الكذب” عن سابق تصوّر وتصميم. واشنطن مارست ضغوطا واضحة على حكومة يئير لابيد عشية الانتخابات التشريعية، لكنها ترفض في المقابل منح لبنان “ثمن” التوقيع.
في المقابل يبقى حزب الله القوة الوحيدة القادرة على الاشراف على حسن تنفيذ الاتفاق، لان ثمة “لغم” حقيقي قابل للانفجار، وتتحمل مسؤوليته على نحو مباشر شركة “توتال” الفرنسية ومن خلفها كل القوى التي لا تريد تقديم “هدايا” مجانية للبنان، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وطبعا “اسرائيل”.
وفي هذا السياق، تلفت مصادر سياسية مطلعة على الملف الى ان “البصمات” الاميركية كانت واضحة جدا في الضغط على العدو الاسرائيلي لتجاوز العقبات الداخلية لإتمام الاتفاق، فمحكمة العدل العليا “الاسرائيلية” مثلا لم “تجهض” اتفاق الترسيم، مع العلم ان الحكومة الانتقالية تنازلت في المفهوم “الاسرائيلي” عن مساحة سيادية و مصالح سياسية واقتصادية لدولة “عدوة”، وكل السوابق تشير الى أن الاتفاقات المماثلة تطرح بالفعل على “الكنيست” لإقرارها، وهكذا تصرفت كل حكومات “إسرائيل” في الماضي، لكن خيار إرضاء إدارة بايدن التي لها مصلحة سياسية عاجلة في إظهار الإنجازات في مجال السياسة الخارجية، خصوصا الطاقة في ظل الحرب الاوكرانية، تقدم على كل “الفيتوات” الداخلية، ولم تنحرف الحكومة “الاسرائيلية” قيد انملة عن الرغبات الاميركية.
في المقابل، أدى التخوف من مواجهة مع حزب الله، دورا رئيسيا في اتمام “الترسيم” باقل الخسائر الممكنة للبنان، واختصرت صحيفة “معاريف الاسرائيلية” المشهد بالقول” ان ارتعاد مفاصل الحكومة العلني يشكل دعوة مفتوحة لحزب الله بان يهدد “إسرائيل” متى أراد ذلك”.. وذكّرت بما كتبه يوما الشاعر اليهودي هاينرخ هايني، “ان الغبي وحده يكشف أمام العدو نقاط ضعفه”. وقالت: “لقد حاولت الحكومة أن تخدع الجمهور من خلال رفضها الحازم للتعديلات اللبنانية والإعلانات عن الاستعداد الأمني في الشمال، لكن لم يشترِ هذا أحد، بمن في ذلك حزب الله. وانتهى الامر بربح تكتيكي قصير المدى، وخسارة استراتيجية واضحة لـ “إسرائيل”. فما حصل ليس اتفاق سلام أو حتى تطبيع علاقات. ويبقى لبنان دولة عدوة، والعنصر السياسي والعسكري السائد فيه حزب الله، لا يغير نياته تجاه “إسرائيل” ولا يقلل ترسانة صواريخه ضدها”. ووصل الامر الى حد تشكيك مسؤولين امنيين سابقين في “اسرائيل” بالضمانات الأميركية، واشاروا الى انها ليس لها معنى كبير، وتساء لوا ماذا سيفعلون إذا ما أطلق حزب الله يوما الصواريخ؟
في المقابل، لا تبدو “الاثمان” المرتقبة في بيروت واعدة حتى الآن، فإنجاز الترسيم لا يبدو انه سيحرك ملف استجرار الغاز من الاردن ومصر، كما سبق والمحت واشنطن في اكثر من مناسبة. فالحراك الذي تقوم به السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا لم يحمل في طياته اي اجابات واضحة عن الاسئلة، خصوصا من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يستعجل تجميع الانجازات قبل نهاية عهده. ووفقا للمعلومات، لم تقدم الديبلوماسية الاميركية جديدا بخصوص تسهيل استجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن الى لبنان، وبدا من خلال كلامها “الضبابي” ان تراجعا اميركيا جديا قد حصل في تسريع الملف، وتبين من خلال المعطيات ان واشنطن تريد اثمانا في مكان آخر، ولن تقدم اي “جائزة” ترضية للبنان في هذا الملف ربطا بانتهاء عملية الترسيم، وقد تظهّر هذا الامر جليا من خلال ما المح اليه قبل ساعات نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج بعد لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، حين اعاد التأكيد على ان تمويل ملف استجرار الغاز ما زال بعيد المنال، وربطه “بشماعة” الاصلاحات ومنها مسألة التدقيق في الحسابات في مؤسسة كهرباء لبنان، والهيئة الناظمة للكهرباء ورفع التسعيرة. وهي شروط محقة تقنيا، لكن “رائحة” السياسة واضحة من خلال هذه الشروط، التي تبدو قابلة للتجاوز في حال كانت الادارة الاميركية راغبة بذلك، ولكنها لا تريد منح لبنان اي هدايا مجانية وتريد مقابلا في الاستحقاقات الدستورية الداهمة.!
واذا كان “حشر” واشنطن في الزاوية ممكن في هذا الملف من خلال اسراع الحكومة اللبنانية في اتخاذ الخطوات العملية المطلوبة لإجراء اصلاحات ملموسة في ادارة قطاع الطاقة في لبنان، فان المشكلة مع باريس ومعها واشنطن كضامنة للاتفاق، قد تصبح اكثر تعقيدا اذا عادت شركة “توتال” الى تبني اسلوب “المماطلة” في عملية استكشاف الغاز من حقل “قانا”.
بالأمس وافقت حكومة تصريف الأعمال على التنازل عن 40 بالمئة من حصة “توتال إنرجيز” في كونسورتيوم لاستكشاف الرقعة 9 في المياه البحرية اللبنانية إلى شركة “داجا” 215، المملوكة ايضا من “توتال” في خطوة مؤقتة لإدخال مشغّل دولي سيكون على الأرجح شركة قطر للطاقة، لكن هذه الخطوة اللوجستية لن تكون كافية اذا لم تقرن الخطوة بعمل جدي من الشركة الفرنسية لاستخراج الغاز اللبناني، فالمراوغة هذه المرة لن تكون مشابهة لما حصل في “البلوك رقم 4″، بل ستكون اكثر “دهاء” عبر الاحتجاج بامور لوجستية لا يمكن التأكد من صحتها، وهي تكفي لتأجيل الاعمال نحو سنة كاملة ودون تبريرات علمية.!
ومن هنا تفيد اوساط مطلعة، بأن السفيرة الفرنسية تبلغت قبل مدة من حزب الله عبر قنوات الاتصال المعتادة، ان اي تلكؤ في عملية استخراج “الغاز” اللبناني سيكون كتعطيل للاتفاق الذي يتضمن ليس فقط تفاهم على الترسيم وانما على استفادة لبنان من موارده الطبيعية، واي محاولة “لف او دوران” ستعني حكما انفجار “اللغم” الذي داسته “توتال” عن سابق تصوّر وتصميم، وهنا سيكون الامر بمثابة “اللعب بالنار” التي ستحرق الجميع. وهو امر تدركه واشنطن جيدا ومعها “اسرائيل”. لكن تبقى هذه النقطة شديدة “الميوعة” لانها تحتاج الى طرف او ضوابط واضحة لتحديد متى ؟ وكيف؟ “تلعب” “توتال” “بذيلها”!
التوقيع سيحصل اليوم، وستبدأ عملية اختبار عملية للنوايا، وسيكون الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله شديد الوضوح في اطلالته المنتظرة، حيث سيضع الكثير من “النقاط” على “الحروف”.