«صيرفة»… الانهيار المؤجّل في سعر الصرف

Share to:

الأخبار – محمد وهبة

العمليات التي باتت تُعرف باسم «صيرفة» هي العمليات التي تنفّذ طبقاً للتعميم 161 الصادر في 16/12/2021. في هذا التاريخ قرّر مصرف لبنان التدخّل في سوق القطع وأتاح للمصارف استقبال إيداعات الزبائن بالليرة وشراء، لحساب الزبائن، دولارات بما يوازي قيمتها على سعر «صيرفة»، وعلى أساس كوتا وسقف محدّد لكل مصرف. في البداية لم يفلح الأمر في كبح سعر الصرف في السوق الحرّة، ولم تتكثّف العمليات على المنصّة لشراء الدولارات وبيع الليرات، فاندفع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نحو رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وأصدر الأول بياناً بعد نقاشاتهما يقول فيه إنه سيبيع الدولارات بلا حدود. خلال عشرين يوماً قفز سعر الصرف في السوق نحو 4 آلاف ليرة ومثله قفز سعر «صيرفة»، إنما تضخّم حجم العمليات أكثر من 5 مرات في المتوسط ثم تراجع سعر الصرف في السوق الحرّة 4 آلاف ليرة. لاحقاً بدأ مصرف لبنان يقلّص وتيرة تدخله، إلى أن حدّد العمليات المتاحة لكل حساب مصرفي بقيمة 400 دولار شهرياً. وفي نهاية السنة الماضية قرّر أن يعيد الكرة وأن يفتح السقف مجدداً لبيع الدولارات بلا حدود، فسيطر فانخفض سعر الصرف لبضعة أيام وبلغ حجم العمليات على المنصّة 1.1 مليار دولار، فأعاد إغلاق السقوف وترك سعر الصرف يعود إلى مستوياته السابقة. في المرّة الأولى كان الهامش بين السعرين يتراوح بين 3 آلاف ليرة و11 ألف ليرة، وفي المرة الثانية انخفض من 14 ألف ليرة إلى 6500 ليرة.

بدت هذه العمليات كأنها سحر. يشبه الأمر وجود شجرة تثمر دولارات ولا يسمح بقطاف ثمراتها إلا في أوقات معينة وبسقوف مفتوحة ومغلقة لفئات محدّدة. مال مجاني، يمكن الحصول عليه خلال يومين أو أسبوع كحد أقصى. من يمكنه مقاومة إغراء كهذا؟ مَنْ من هؤلاء الفقراء المعدمين المقيمين في لبنان الذين خسروا مدخراتهم وأجورهم، يمكن ألا يقف في الطابور لنيل حصّة من هذا السحر؟ ومَنْ من المضاربين الذي يمكنه الوقوف مكتّفاً في مواجهة تبذير للدولارات كهذا؟

لكن ما الذي يقوم به فعلاً مصرف لبنان؟ عملياً، مصرف لبنان يضخّ الليرات في السوق بكميات هائلة. مرّة لتسديد التزامات القطاع العام، ومرّة من أجل تذويب الودائع في المصارف، ومرّة من أجل تمويل كلفة تضخّم الأسعار… بلغت كمية النقد المتداول في السوق نحو 80 تريليون ليرة. كمية هائلة سيكون لها مفاعيل على سعر الصرف، ولا سيما أن الطلب على الدولار من أجل تمويل الاستيراد كبير. عجز الحساب الجاري المتواصل يدلّ على أن هناك عجزاً في تغطية الطلب على الدولار بنسبة كبيرة، ما يعني أن ارتفاع السعر محتوم وسط توقعات سوداوية على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. لذا، يجد مصرف لبنان أنه في خدمة قوى السلطة، لا بدّ من تدخّل ما يهدف إلى الآتي:

بالفعل هذه العمليات على «صيرفة» هي سحر أسود لإقناع الناس تجرّع الخسائر، وارتفاع سعر الصرف، ولإقناع الجماهير بجدوى التجديد لسلامة.

Exit mobile version