لا يختلف اثنان في لبنان أنّ أزمة السّير اليوميّة في أغلب المناطق أصبحت من المشاكل الأساسيّة التي ترافق المواطن أينما ذهب وفي أيّ وقتٍ كان. ولا يختلف اثنان أيضًا أنّ هذه المشكلة لا تزال قائمة على الرغم من انهيار العملة الوطنيّة وارتفاع أسعار المحروقات. فكيف يمكننا تفسير ذلك؟
بعد أن جنّ الدولار جنونه وبات يقارب الـ100 ألف ل.ل.، حلّقت أسعار المحروقات وبات الجدول يصدر يوميًا مرّتين ليواكب ارتفاع وانخفاض الدّولار. فكلّما ارتفع سعر صرف الدّولار، ارتفعت أسعار البنزين والغاز والمازوت والعكس صحيح.
وعلى الرّغم من ارتفاع صفيحة البنزين إلى مليون و717ألف ليرة، إلّا أنّ زحمة السّير لا تزال قائمة. مع العلم ان نسبة الاستهلاك قد تراجعت 30 في المئة والسبب؟
أسباب زحمة السّير الخانقة في لبنان
تتزاحم السيارات في شوارع لبنان لأسبابٍ عديدةٍ لعلّ أبرزها مرتبط بعمليّة قطع الطّرقات التي ازداد أمرها منذ نحو عامين، لاسيّما بعد انتفاضة 17 تشرين وغليان الشّارع. طرقٌ يتمّ قطعها أمام منازل وشركات اللّبنانيين وطرقٌ يتم قطعها أمام البرلمان أو أمام أحد المصارف وفي الساحات الشعبيّة وغيرها. وكل هذه الأمور يمكن أن تؤدّي إلى زحمة سير.
أما السببب الثاني يعود نتيجة إهمال شوارعٍ معيّنة على حساب أخرى. ونرى الشوارع التي تتميز بإنارتها وشوارع أخرى بعدم تزفيتها أو إنارتها. هذا ما يخلق تفاوتًا ما بين شارع وآخر أو منطقة وأخرى. فنشهد في هذه الحالة زحمة سيرٍ في شارع على حساب آخر.
يعود السبب الثالث، وهو الأهم، إلى غياب البنية التحتية وغياب الوعي عند المواطنين من خطورة رمي الأوساخ في الطّرقات. هذا ما يؤدّي إلى امتلاء الشوارع في كلّ عامٍ بمياه الأمطار مسببةً زحمات سيرٍ خانقة لأنّ السيارات في معظم الأحيان تغمرها المياه ما يتسبّب بتعطلها.
أمّا الأسباب الأخرى التي تزيد من احتماليّة زحمات السير، فهي إمّا تتعلّق بالأمور الفجائية مثل حوادث السّير أو الطوابيرالناتجة عن أزمة الخبز والمحروقات. وإمّا تحضيرًا للمناسبات والاحتفالات والأعياد مثل عيد الميلاد والأضحى ورمضان.
كل هذه الأسباب وأخرى، ينتج عنها ازدياد زحمات السير. فهل لذلك علاقة واضحة ما بين زحمة السّير وتحليق أسعار المحروقات؟
في حديثه للدّيار، يؤكّد أحد سائقي فانات الدّورة ؛(يدعى أبو يحيى) أنّ باص جونية جبيل ينقل الزبائن إلى الدّورة ويأخذ من كل راكبٍ ملبغا قدره 50 ألف ليرة لبنانية.
ويقول: صحيح أنّنا لا نزال نشهد زحمات سيرٍ، لكن معظمها تكون إمّا بسبب الشتاء وإمّا مع نهاية الأسبوع وأيضًا يوم الإثنين. أمّا الأيام المتبقية من الأسبوع، فلا نلحظ هذه الزحمات الخانقة. وفي حال كانت السيارات بالملايين، غالبًا ما يكون بداخلها أفراد الأسرة بأكملها نتيجة الغلاء وارتفاع أسعار المحروقات.
ويكمل أبو يحيى: غالبًا ما نشهد حالات تكون قاسية ومخجلة، تمامًا كالأشخاص الذين يقفون وينتظرون منّي أن أنقلهم من دون دفع الأجر. لأنّ الناس فعلًا باتت حزينة وفقيرة وكئيبة لا تستطيع دفع مبلغٍ أقلّ من دولار واحد بسبب الوضع الاقتصادي الصّعب.
التفاوت في الأجر
يشهد الواقع اللبناني في الفترة الأخيرة، حالةّ من الإزدواجيّة ما بين التفاوت في الرواتب بين شركاتٍ وأخرى.
بدايةً مع القطاع العام الذي يصارع ويستنجد لآخر نفسٍ علّ موظفيه يحصلون على حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية مثل تحسين الرواتب وارتفاع الحد الادنى للأجور، والاعتراف بالضمان الاجتماعي. مثل معلمي ومعلمات المدارس الرسمية والجامعة اللبنانية، والسلك العسكري بما فيه الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وأمن الدّولة.
أمّا فيما يتعلّق بالقطاع الخاص، لوحظ في الفترة الأخيرة أنّ بعض المؤسسات، لاسيّما التي تعمل مع الدول الاجانب مثل شركات الهندسة باتت تعطي موظّفيها رواتبهم بالفريش دولار. ضف إلى ذلك بعض الاختصاصات المربحة مثل الـweb development – – interior design- والتّجارة ويبع الأدوية والبيطريّ.. كلّها باتت تحتسب بالدّولار وبالتالي الرواتب تحسّنت وأصبحت بالدولار.
وقسم لا بأس به من المواطنين، يتعاقدون مع جمعيات أجنبيّة أو ممولة من قبل الوكالات الألمانية والفرنسية، هذا ما سيحتم دفع الرواتب للموظفين اللبنانيين بالدولار.
وهذه الفئة من الناس تحديدًا، ولو كان راتبهم 800 دولار أميركي يمكنهم أن ينعشوا قليلًا الأزمة ويقومون بالذهاب إلى أشغالهم بالسيارات وبالتالي القيام بالشوبينغ والتنزه وتحقيق الأحلام..الخ ممّا يزيد من نسبة زحمات السّير.
أمّا القسم الثالث من النّاس، فهم من الطبقة الموسطة الذين يتقاضون راتبهم بالعملة الوطنية بزيادة مبلغ بالدّولار.كسائر من يعمل في شركاتٍ خاصّة. يكون راتبهم حوالي الـ10 مليون ل.ل. أضافة إلى ذلك 300 دولار فريش.
هل السيارات وحدها تسبب زحمات السير؟
غزا التوكتوك بعض المناطق اللبنانية مثل طرابلس وزحلة بالإضافة إلى السكوتر الكهربائية لتصبح هذه الظواهر قادرةً على ايصال الناس إلى إعمالها. فالمواطن بات يبحث عن ما يوفر عليه أمواله لأن المتطلبات باتت كبيرة. والارتفاع الجنوني للدولار لا يقتصر فقط على الطعام والشراب، إنّما على النقليات بعد أن تخطت صفيحة البنزين المليون و700 ألف. ممّا أدى ذلك إلى استقبال التوكتوك داخل الأراضي اللبنانية وبالكميات الكبيرة.