اللواء
إقتراح وزير الخارجية يوسف رجّي بإلغاء الدائرة السادسة عشر الإنتخابية ونوابها الستة سيعيد السخونة إلى السجالات المحتدمة حول تعديل قانون الانتخابات، مما يوحي أن المعركة الإنتخابية إفتتحت باكراً، لأن كل الإشارات الواردة من الخارج تؤكد على أهمية إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها القانوني في أيار المقبل ، وطوي كل إعتبارات ومبررات التأجيل ، على نحو ما جرى في الإنتخابات البلدية في موعدها، رغم أن لبنان كان في حالة حرب مع العدو الإسرائيلي.
يتمحور الخلاف حول تصويت المغتربين، لأنهم باتوا يشكّلون رقماً مؤثراً في المعادلة الانتخابية، على خلفية الإقبال الذي فاق كل التوقعات في إنتخابات ٢٠٢٢، وأدى إلى نشوء خريطة جديدة للكتل النيابية، غابت معها الأكثرية السابقة، وبدت كل الأطراف بحاجة للبحث عن حلفاء والإئتلاف مع الآخر، تعزيزاً لفعاليتها في اللعبة البرلمانية، التي خرجت من هيمنة الثنائي، رغم بقاء الرئيس نبيه برّي في سدة الرئاسة ولاية جديدة بعد فوزه بأصوات نصف عدد النواب زائد صوتاً واحداً، في مواجهة إنتخابية قاسية.
التباين بين الكتل النيابية يتجاوز المعايير التقنية، ويتركز على لعبة النفوذ وحجم كل كتلة نيابية، وصولاً إلى التنافس على الأكثرية بين فريقي الإنقسام في البلد: “الفريق السيادي” ويضم القوات والكتائب والتغييريين والأحرار وعدد من النواب المستقلين، و”فريق الممانعة” وعماده الأساسي الثنائي الشيعي، مع ما تبقى من حلفاء بعد التطورات الأخيرة في خريطة التحالفات السياسية، والتي أنتجت إنتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، والقاضي نواف سلام رئيساً للحكومة.
“الفريق السيادي” يرفع شعار المساواة بين اللبنانيين أينما وجدوا، مطالباً بأن يشارك المغتربون في انتخاب كامل أعضاء المجلس النيابي. ويعتبر هذا الفريق أن حرمانهم من التصويت على جميع المقاعد يُضعف تأثيرهم ويُبقيهم خارج اللعبة السياسية، رغم أنهم يشكّلون أحد أعمدة الاقتصاد الوطني ويضخّون مليارات الدولارات سنوياً في شرايين البلد.
في المقابل، يقف الثنائي الشيعي موقفاً حازماً ضد هذا الطرح، متمسكاً بفكرة تخصيص ستة مقاعد للمغتربين فقط، بحجة أن إشراكهم في انتخاب الـ128 نائباً قد يخلّ بالتوازنات الطائفية والسياسية الدقيقة التي يقوم عليها النظام اللبناني. ويعتبر الثنائي أن التعديل المقترح ليس بريئاً، بل يهدف إلى تغيير موازين القوى داخل البرلمان لمصلحة خصومه السياسيين.
وسط هذا الانقسام الحاد، يلتزم رئيس الحكومة موقف الحياد، مؤكداً أن الحكومة لن تتدخل في النقاش الدائر احتراماً لمبدأ الفصل بين السلطات. ويؤكد أن السلطة التنفيذية ستنفذ أي قانون يقرّه مجلس النواب، سواء أكان التصويت الاغترابي على 128 نائباً أو على ستة فقط. هذا الموقف، وإن بدا تقنياً، يعكس توجهاً إصلاحياً جديداً في الأداء الحكومي، طالما غاب عن الحياة السياسية اللبنانية.
معركة قانون الانتخابات ليست مجرد نقاش قانوني، بل هي صراع على هوية لبنان السياسية المقبلة: هل تكون أكثر انفتاحاً وتمثيلاً لكل أبنائها، أم تبقى أسيرة توازنات الداخل وحده؟في كل الأحوال، يبدو أن الاغتراب اللبناني الذي طالما كان رئة الوطن الاقتصادية، يتحول اليوم إلى رئته السياسية أيضاً، وربما إلى القوة التي ستعيد رسم خريطة البرلمان المقبل، إذا قُدِّر له أن يُصوِّت على مستوى ١٢٨ نائباً.