إستقبلت النخب اللبنانية المنحة المليارية من الإتحاد الأوروبي بكثير من الريبة والحذر، نظراً لأبعادها الوطنية والمالية، لا سيما في ظل الأجواء السائدة في البلد، من تسيّب مالي على صعيد الدولة، وفساد مستشرٍ ينخر مصداقية المنظومة السياسية.
لا نريد الخوض في التسميات والمسميات التي أُطلقت على هذه «الرشوة» الأوروبية الرخيصة، فجوهر المسألة يبقى في كيفية معالجة أزمة النزوح السوري، والإمكانيات المتوافرة للإحاطة بخريطة تواجد حوالي مليوني نازح سوري، جغرافيًا وبشرياً وإحصائياً.
الإنقسامات السياسية المزمنة، والكيديات الحزبية المعهودة، حالت دون تنظيم النزوح السوري منذ بداياته الأولى، بعد أشهر من إندلاع العنف في سوريا، حيث فُتحت المعابر الشرعية وغير الشرعية أمام تدفق الهاربين من ويلات القتل والدمار، دون أية ضوابط رسمية، لا من حيث تسجيل العائلات وتحديد المناطق التي كانت تقيم فيها، ولا على صعيد تحديد أماكن إقامة آلاف العائلات التي عبرت الحدود بحثاً عن ملاذ آمن. وذلك على عكس ما فعلت دول الجوار الأخرى، الأردن وتركيا الذين حددوا إقامة النازحين في مخيمات، وضعت في عهدة الأجهزة الأمنية التي أحصت أنفاس كل عائلة، أطفالا وأفرادا، لا يغادرون مكان إقامتهم إلا بإذونات مسبقة، ومحددة بتوقيت زمني يُلزم المغادر بالعودة في وقت معيّن.
قد يكون من المبالغة القول أن المنحة الأوروبية تنطوي على نوايا خبيثة لتوطين النازحين، أو القسم الأكبر منهم على الأقل، ولكنها بالتأكيد تهدف إلى إبقاء البحر مقفلاً أمام هجرتهم إلى أوروبا، وما يمكن أن تتكبده الحكومات الأوروبية من نفقات إضافية لتأمين المأوى والطعام والطبابة لهم، حيث تُقدر بعض الدراسات أن كلفة النازح الواحد لا تقل عن ألف يورو شهرياً، مما يعني أن المليار المقدم إلى لبنان يكفي بالكاد لتأمين إقامة مليون نازح لشهر واحد فقط.
ولكن الشكوك تحوم حول إصرار الأوروبيين على تقديم المساعدات المالية الفردية للنازحين في لبنان، لدعم بقائهم في مناطق النزوح، عوض أن تقدم هذه المساعدات للعائدين إلى قراهم وديارهم في سوريا، لتشجيع عودتهم إلى وطنهم، وإستئناف حياتهم الطبيعية على الأرض التي كانت تحتضنهم.
ولماذا لا تُقدم الدول الأوروبية المساعدات اللازمة لتمويل إعادة إعمار القرى والمناطق المهدمة، ولو بإشراف سوري رسمي، تتماشى مقتضياته مع إستثناءات محددة في العقوبات المفروضة على النظام السوري.
لقد أعلنت دمشق أكثر من مرة، وآخرها عبر تصريح لمصدر رسمي نُشر في بيروت، إستعدادها لإستقبال النازحين مع بدء ورشة إعادة إعمار سوريا، التي تنتظر رفع العقوبات الأوروبية بالذات.
أما السؤال عن مصير المليار في مستنقع الفساد اللبناني فيحتاج إلى حديث آخر!