يقال ان الحق يؤخذ ولا يستجدى، فكيف للمواطن اخذ حقوقه الطبيعية في ظل مافيا تستحكم بالوضع الاقتصادي وتسيطر عليه دون أدنى رحمة او إنسانية. فشركات التأمين كشّرت عن انيابها معلنة الحرب على المواطن من خلال فرض استيفاء قيمة بوالص التأمين بالفريش دولار حصراً. غير آبهة بـ 80% من المرضى سيصبحون غير قادرين على سداد قيمة بوالصهم التأمينية الاستشفائية. فشريحة كبيرة ما زالت تتقاضى رواتبها بالعملة الوطنية في ظل تصحيح خجول للأجور الذي اعتمدنه الدولة مع موظفي القطاع العام من خلال صرف مساعدات اجتماعية شهرية ريثما يتم إقرار الموازنة للعام 2023 في الجريدة الرسمية ويصار الى تعديل الرواتب والأجور بشكل رسمي، بالإشارة الى ان القطاع الخاص ليس أفضل حالا.
ي هذا السياق، المستشفيات بدأت تضع استراتيجية ذاتية ان لجهة وضع دولار جمركي تقريبي لحماية نفسها واستمراريتها على كافة خدماتها بما فيها المستلزمات الطبية لتغطّي المستحقّات المترتبة عليها دون ان تتحمل أعباء إضافية حتى وان كانت سنتاً واحدا ونحن نتحدث هنا عن الدفع الذي يبدأ على الأقل من 100 مليون ليرة وما فوق. وبعض المستشفيات تعمد الى قبض مستحقاتها بالفريش دولار حصرا.
وفي الموازاة أضحت بعض المستشفيات لا تأخذ بالبوالص الاستشفائية لتغطية نفقات المريض تاركة هذا الامر يتخبط فيه العميل والشركة المعنية. وفي سياق متصل، المستشفيات التي ما زالت تقبل التغطية من شركات التأمين عمدت الى اجبار المريض على دفع مبالغ خيالية بحجة تغطية الفارق ما بين جدول الأسعار المتفق عليها مع الشركات والاسعار الجديدة المعتمدة بعد ارتفاع أسعار المستلزمات الطبية التي لا تتجاوز قيمة الخدمات التي يغطيها التأمين، وبالتالي امام هذا الواقع الأليم فالأغلبية من الاسر اللبنانية ستكون امام حلول عسيرة بحيث انها غير قادرة على تحمل جمر بوالص التأمين من جهة، والضمان الاجتماعي الذي ما زال يعتمد سعر صرف 3900 ل. ل. ما يعني عدم قدرته على تغطية الفوارق المترتبة والتي جميعها اما بالفريش او بحسب سعر الصرف اليومي للدولار. ما دفع بالمواطنين الى اللجوء الى المستوصفات والجمعيات الخيرية للحصول على الخدمات الاستشفائية حتى بلغت الطوابير بالعشرات طلبا للمعاينة الطبية التي هي حق مقدّس لهؤلاء وليست ترفا او استجداءً!
فهل تصبح المستوصفات بديلا عن المستشفيات؟ وما هي الحلول التي يمكن اعتمادها لدعم مراكز الرعايا الصحية والمستشفيات الحكومية لتغطية جميع شرائح المجتمع، وهل سنكون امام فصل طبي استشفائي جديد، وهل يمكن للمراكز الطبية ان تكون بديلا عن العيادات الطبية الخاصة، وماذا عن إعادة هيكلة هذا المجال؟
هذه الأسئلة طرحتها “الديار” على النائب ورئيس اللجنة الصحية النيابية سابقا د. عاصم عراجي الذي قال: ” يمكن للمستوصفات ان تكون بديلا عن المشافي وانما ليس في كافة الأمور الطبية، فهناك حالات تستدعي الدخول الى المستشفى ولا يمكن للمستوصف ان يأخذ مكانها كما ان العديد من الحالات المرضية يمكن معالجتها في المستوصف، الا انه لا يمكن اجراء العمليات الجراحية فيه والعمل الطبي يكون ضمن إطار معاينة المرضى كإجراء صور شعاعية وفحوصات مخبرية”.
ويشير بالقول الى “ان المرضى الذين يقصدون المستوصفات لا يحتاجون الى اجراء عملية جراحية وحالتهم لا تستدعي الدخول الى المشفى، بينما إذا مريض لديه جرحة قلبية او وضع طبي طارئ فقصد المستشفى يعد الخيار الاصح”.
ليست بديلا وانما حل مؤقت
يعتبر عراجي، “في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة المستوصفات تبقى اقل كلفة، وعوضا عن الذهاب الى عيادات الأطباء حيث الاتعاب مرتفعة يختار المريض التوجه الى المستوصفات”.
ويرمز بالقول: “توجد شريحة كبيرة من المجتمع تنزح الى مراكز الرعاية الصحية لمتابعة علاجها لعدم قدرتها على التعرّج الى العيادات الطبية الخاصة مشيرا الى المستشفيات بقوله: ” بعض المرضى ممن يعانون من امراض معينة يأبى التوجه الى المستشفى وبالتالي تزيد حالته سوءا وقد يصل متأخرا والمضاعفات تصبح خطرة وعلاجها أصعب”.
الاعتماد على المستوصفات ممكن!
في هذا الإطار يؤكد عراجي، “بالطبع يمكن الاعتماد على المستوصفات في ظل الازمة الراهنة، الا انه لا يمكن الاستغناء عن المستشفيات، وفي الماضي بعض المرضى كانت لا تستوجب حالاتهم الصحية الدخول اليها لمعاناتهم من امراض بسيطة مثل رشح او اسهال الخ… وجزء منهم كان يدخل بغية إجراء الفحوصات الطبية فقط “نقاهة” هؤلاء بالطبع لن يعاودوا قصدها لمثل غايات كهذه وأضحوا يتوجهون الى المراكز الصحية وهذا هو الاصح لان حالتهم يمكن معالجتها في المنزل او عن طريق المركز الصحي وهذا الامر ليس حصرا في لبنان بل يطبق في دول الخارج.
ويضيف، “الأمور الطارئة من عمليات جراحية كبيرة والتي تحتاج الى مراقبة بشكل دائم من أزمة قلبية او نزيف في المعدة وغيرها من الأمور المرضية تحتاج الى الرعاية والمتابعة وتستوجب المراقبة داخل المستشفى.
مراكز الرعاية الصحية مجهزة ولكن؟
يشير عراجي، “الى ان المستوصفات خاصة التي تعود الى وزارة الصحة يمكن تسميتها بمراكز الرعاية الصحية يتوافر في بعضها خدمة أشعة ومختبر وأطباء من كافة الاختصاصات. ويغمز الى ان الكلفة فيها تعد اقل وتخفف الى حد كبير من الدخول العشوائي الى المستشفيات ومن زيارات المرضى للأطباء في عياداتهم الخاصة.
زخم أكبر للمستوصفات
يؤكد عراجي، “على ضرورة إيلاء المستوصفات أهمية قصوى وتحديدا مراكز الرعاية الصحية، ويشير الى وجود 242 مركزا تعود لوزارة الصحة الا انها ليست جميعها مؤهلة بالشكل المطلوب، ومن هنا يجب توفير دعم أكبر لها في المرحلة القادمة وتجهيزها كما يجب لإجراء أمور طبية متعددة نستعيض من خلالها عن المشافي، ويشير الى تكلفة الاتعاب التي يتقاضاها المستوصف كونها زهيدة. وما تجدر الإشارة اليه ان زيارة الناس لها ارتفعت وتحديدا اللبنانيين والنازحين السوريين وبعضها مدعوماً من مؤسسات دولية بحيث تؤمن لها ادوية ومستلزمات طبية أحيانا واعانات.
ويستطرد بالقول: “بالطبع بعض الصور الشعاعية لا يمكن اجراؤها في المستوصفات مثل السكانر والايماراي الخ…
إعادة هيكلة
يكمل عراجي بالقول: “يحتاج القطاع الصحي الى إعادة هيكلة ففي الفترة الأخيرة المستشفيات عموما والخاصة خصوصا باتت اعدادها كبيرة وبالتالي بات هذا القطاع يعاني من التخمة الزائدة ما يعني ان الكثير منها فتح بطريقة غير منظمة. ويتطلّع الى ضرورة انشاء مشافٍ ذات اختصاص قائم بحد ذاته بحسب كل حالة مرضية كما هو قائم في الخارج على سبيل المثال مستشفى متخصص في جراحة القلب وآخر في الجراحة العظمية وهكذا دواليك.
دعم المستشفيات الحكومية
يؤكد عراجي على ضرورة دعم الدولة للمستشفيات الحكومية والتي يمكن ان تخفف أعباء مادية على المرضى الذين يدخلون الى تلك الخاصة ويصف الوضع بقوله: “للأمانة الناس باتوا غير قادرين على الاستشفاء في المشافي الخاصة والتي بسبب تدني سعر صرف الليرة باتوا يتقاضون بالدولار كما ان المستلزمات الطبية بالفرش والتي يجب على المستشفيات الحكومية تأمينها مشيرا الى دور الدولة في هذا السياق لاستيرادها بأسعار قد تكون اقل من نصف سعرها الحالي او كما تستورده الشركات”.
تضاؤل قدرة الناس لارتياد المستشفيات والمصابين بأمراض مزمنة يشترون ادويتهم سوقا سوداء
يلفت عراجي، “الى ان الأمور الطارئة بعيدا عن المصابين بأمراض مستعصية أمسوا يفتقدون القدرة المادية للدخول الى المشافي. ويمكن القول ان الوضع الصحي في حال من انهيار شبه تام في ظل دولرة التعرفة وغياب الدولة عن مراقبة الأدوية المدعومة ومحاسبة تجار الشنط الذين يهربونها ويبيعونها اضعافا مضاعفة ويلفت الى ان 35 مليون دولار خُصصت لها الا ان التهريب ما زال قائما وهذه مشكلة بحد ذاتها. وعلى مقلب آخر هناك نقص في هذه الادوية ونحن نرى كم يعاني المرضى ليحصلوا على الدواء وبعضهم يشتريه سوقا سوداء سواء من لبنان او خارجه ي.
ويتابع، “ينبغي على الدولة زيادة دعمها لهؤلاء المرضى، وان تؤدي دورا أساسيا في القطاع الطبي كله ودعم دور الرعاية الطبية عبر تقنيات جديدة من سكانر وأجهزة تصوير والأدوات المخبرية وما الى ذلك…. وان لا يقتصر تمويل الدولة للمستشفيات الخاصة كما كان يحدث في الماضي بالإشارة الى ان الجميع بات يدفع الفروقات المترتبة.
أخطاء طبية
يصف عراجي الأخطاء الطبية بالقول: ” عند حدوثها على الناس العودة الى نقابة الأطباء التي تعمد الى اجراء تحقيق فيها، وهذا الامر قد يكون مردّه هجرة الأطباء الجيدين ونقص في المستلزمات الطبية الأساسية وهذه ام المشاكل. ويردف، لا يمكننا القول مع كل ما تقدّم ان البلد أفرع من الأطباء الكفؤين بل على العكس.
وُيفصّل الامر بالقول، “صحيح ان نحو 3000 الاف طبيب تركوا البلد، لكن ما زال لدينا اعدادا كبيرة في المقابل يمكننا الاعتماد عليهم والعقدة ليست فيهم وانما في النقص الكبير بين الممرضين/ات وهذه المعضلة كانت قائمة ما قبل الازمة وتضاعفت بسبب هجرتهم للعمل في الخارج كما انني ارفض مقولة ان المستشفيات باتت مقبرة الفقراء ولكن الخدمات بطبيعة الواقع تقلّصت.
على امل ان يبقى الامل منفذا للبنانيين والا يضطروا الى مستشفيات او مراكز رعاية طبية ستعمد “الديار” الى تسليط الضوء على النسب التي تتوجه الى المستوصفات للحصول على المعاينات الطبية وما الى ذلك في تحقيق منفصل.