أظهرت الجلسة الاولى لانتخاب رئيس للجمهورية أن الكتل النيابية مشرذمة والخيارات لا تزال واسعة ولا يتقدم أحدها على الآخر بشكل عملي، ولو ان المؤشرات السياسية تُعطي سليمان فرنجية بعض التقدم على حساب خصومه المتغيرين مع تقدم الوقت، فخصوم فرنجية اليوم لن يكونوا أنفسهم بعد وقوع الفراغ الرئاسي، فبعد الفراغ سيدخل قائد الجيش جوزاف عون الى السباق، وبحسب كل المعلومات فإنه سيكون منافساً بحال اتجهت الامور الى الفراغ.
من المتعارف عليه أن إنتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية يحتاج إلى تعديل دستوري، يبدو التوافق عليه أو الذهاب إليه في الوقت الراهن من سابع المستحيلات، الأمر الذي يدفع بمؤيدي إنتخاب العماد جوزاف عون إلى الرهان على الوصول إلى الشغور الرئاسي، وبالتالي تطبيق الفتوى الدستورية التي تم اللجوء إليها عند الذهاب إلى إنتخاب الرئيس السابق ميشال سليمان، الذي كان بوضع مشابه لعون.
من وجهة نظر هؤلاء، الوصول إلى تلك المرحلة سيقود إلى خلط الأوراق الرئاسية من جديد، لا سيما إذا ما ترافق ذلك مع ضغوط خارجية تدفع إلى الإنتهاء من هذه الحالة بأسرع وقت ممكن، الأمر الذي سيدفع بالأفرقاء المتخاصمين إلى البحث عما يمكن وصفه بـ”التسوية الممكنة”، خصوصاً أن توازنات المجلس النيابي الحالي لا تعطي القدرة لأي فريق على إنتخاب رئيس من دون التفاهم مع باقي الأفرقاء، فالإنتخاب يتطلب نصاباً أكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنه 86 نائباً في جميع الجلسات، وبالتالي فالحديث سيكون حول قوة من 86 نائباً لا 65 فقط.
هنا، تطرح الكثير من الأسئلة حول الشخصيات التي من الممكن أن تشكل نقطة تلاقٍ بين الكتل النيابية، حيث يتبين أن ليس هناك من شخصية سياسية قادرة على ذلك، لا بل أن أي إسم يطرح من أي جهة سيستدعي فيتوات من قبل أفرقاء آخرين، وبالتالي البحث يجب أن يكون عن شخصية ذات خلفيات مختلفة، الأمر الذي يعزز حظوظ قائد الجيش، خصوصاً أن ليس من الصعب تأمين الغطاء الدولي والإقليمي لتسوية من هذا النوع، خاصة أن حزب الله الذي قيل في وقت من الاوقات انه لا يريد قائد الجيش رئيساً لا يمناع ذلك ضمن ظروف معينة.
في المقابل، على المستوى المحلي من المعروف أن بعض الجهات غير متحمسة لخيار قائد الجيش، ربطاً برهانها على إمكانية أن تعود إلى السباق من جديد في المرحلة المقبلة، كرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على سبيل المثال، لكن هذا لا يلغي فرضية أن تلك الجهات ستكون مضطرة إلى تقديم تنازلات في المستقبل، خصوصاً إذا ما كانت الظروف المحلية ضاغطة، وبالتالي لا يمكن الإستمرار في حالة الشغور طويلاً.
إذاً إن أبرز النقاط التي سترفع من حظوظ قائد الجيش رئاسياً هي الفراغ اولاً، والسعي السريع للتسوية ثانياً، وبناء عليه فإن أمام سليمان فرنجية فرصة ثمينة لتحصيل التوافق المطلوب حوله خارجياً لترجمته في المجلس النيابي، إما قبل الفراغ، وإما بعد الفراغ مباشرة، لأن إطالة أمد الفراغ قد لا يكون في صالحه بحال استمرت الظروف القائمة حالياً، ولم تحصل تغيرات نوعية على صعيد المنطقة.