ما انفك الباحثون والخبراء يتحدثون عن عدم القدرة في تكهن مكان وزمان وقوع الزلازل، وهذا الارتقاب يستعصي عليهم، بالرغم من المخاطر الهائلة المترتبة جراء وقوعها.
ما قبل 6 شباط ليس كما بعده، تاريخ غيّر مفاهيم السجل الجيولوجي بالنسبة للدول القائمة على فوالق زلزالية. كما ان العلماء في هذا الإطار انقسموا حول إمكانية حدوث زلازل بسبب عدم رصد تحليل كامل قشرة الكوكب. وابعد من ذلك حصل تراشق ما بين الباحثين المدّعين علمهم بوقوع هكذا امر، او الادعاء ان من ينتمون للمدرسة الفرنسية يعون أكثر من الأميركية، وهذا غيض من فيض فيما يتعلق بربط الكوارث الطبيعية بمواقع الكواكب، حيث ان الزلازل تميل للحدوث عندما تصل الى مواقع محددة في النظام الشمسي، وذلك بالتركيز على هندسة كوكبية محددة لعزل المناطق الزمنية الحرجة المطبقة على الكوكب بشكل عام بحسب “فرانك هوغربيتش” والعالم العراقي “صالح محمد عوض”.
بالموازاة، البعض ذهب الى تقنيات حديثة مثل “الذكاء الاصطناعي”، بحسب فريق من العلماء يساعد في جعل التوقعات بحدوث زلزال أسرع وأدق. وآخرون دحضوا هذه العوامل معتبرين ان الوصول لمرحلة نكون قادرين فيها على رصد حدوث زلزال ليست بالفترة الزمنية القريبة ولربما بالأحلام تحدث فقط او لمن يريدون امتطاء موجة الشهرة والاستفادة المادية بزيادة اعداد متابعيهم او FOLLOWERS.
وكانت صحيفة “واشنطن بوست” نقلت عن مديرة مركز علوم الزلازل التابع للمسح الجيولوجي كريستين جولية قولها: “يحدث الزلزال بسرعة فائقة جدا، لسنا قادرين على التنبؤ بالزلازل على الاطلاق بحيث تكون حركة الصفائح المسببة له ببطء، ويحدث الصدع فجأة”.
بالتوازي تعددت السناريوهات والفرضيات من عدة خبراء حول حدوث زلزال شديد فوق العادة في الربع الأول من شهر آذار الحالي تفوق قوته 10 درجات. منطلقين من تكهناتهم ربط حدوث الزلازل على الأرض بوضعية اكتمال القمر.
تعددت المدارس والعلم واحد
على خط متواز من الزلازل، نشر الباحث اللبناني في علم الجيولوجيا طوني نمر عبر حسابه على “تويتر” مجموعة نتائج دراسات كان بثّها في مجلات اكاديمية عالمية كناية عن خرائط تظهر واقع التركيبات الجيولوجية في لبنان والجوار، ويفصّل فيها الحركة الزلزالية لفالق راشيا، سرغايا واليمونة.
حالة من اللامبالاة من قبل بعض المدّعين افزعت الناس، واثارت الرعب في جملة اتهامات تم التراشق بها، تحدثت عن الاختلاف ما بين الباحثين المنتمين للمدرسة الأميركية والفرنسية، لان الاخيرة اول من وضعت السجل الجيولوجي اللبناني. ومع ذلك مهما تنوعت المدارس تبقى الحقيقة واحدة.
عن اختلاف المدارس والفالق الأكثر خطورة في لبنان وغيرها من الأمور، التي شغلت تفكير اللبنانيين والعالم، يقول الباحث الجيولوجي طوني نمر لـ “الديار”: “لا يوجد فرق بين مدرسة وأخرى، فنحن لم نعد في القرون الوسطى وهناك بعض مدّعي العلم في هذا المجال ينشرون عبر الوسائل الإعلامية مغالطات، ويبدو لهؤلاء عقدة الإنكليزي، كونهم لا ينفكون بالتصويب على التقارير الإنكليزية”.
يتابع: “للأسف مقاربتهم التي يتحدثون عنها تعود للسبعينيات، وكل ما هو لم يكن موجودا وقتذاك لا زال كذلك حتى لحظتنا هذه، هؤلاء هم منتحلو صفة، ومن العيب تناول هكذا قضايا حساسة معهم”.
الطبقات الأرضية في لبنان
ويضيف نمر ان 70% من الأراضي اللبنانية تتكون من الصخور الكربونية، التي تشكلت بين منتصف العصر الجوراسي والفجري مع وجود الحجر الجيري من العصر الجوراسي في الجنوب خاصة، بالإشارة الى الصخور البازلتية في عدد قليل من الأماكن مثل عكار شمالا، ولجهة النشاط الزلزالي فلبنان يسجل شهريا حوالي 500 هزة وقوة اكبرها لا تتجاوز 3.5.
ويشرح نمر ” هي رسوبية وداخلها طبقات صهاري بركانية وتجمدت تحت الأرض وتسمى “بوتينك لوكس” وبغض النظر عن نوع طبقات الأرض وفي أي مكان توجد الفوالق وملتقى الصفائح على الوجه الذي عليه لبنان، حيث تتحرك الصفائح عبر الفوالق وتؤدي الى الزلزال بالتغافل عن نوعية الصخور، كونها لا تؤثر على حركة قشرة الأرض إذا كانت الحركة في بعض المناطق كالبنان حيث يمر خط زلازل يؤدي الى تموجّه، وعليه فان نوعية الصخور لا تؤثر”.
الفوالق الزلزالية
يفصّل نمر بالقول:” فالق اليمونة هو امتداد لفالق في البحر الميت ويبلغ طوله 1000 كلم ويمتد من خليج العقبة الى تركيا، وعندما يمر في لبنان يجتاز من جنوبه الى شماله عبر اليمونة ليتفرع منه 3 فوالق هي: روم، راشيا وسرغايا”.
اما عن الأكثر خطورة؟ يجيب نمر ” عادة إذا كان الفالق طويلا وكبيرا وفي حال تحرّك يؤدي الى زلازل كبيرة وأشدد على كلمة ان “تحرّك” على امتداد طوله ومن الممكن ان يهوج جزء منه فينتج هزة او زلزال أخف فيما لو اصطفق كله”. ويتابع، “اما فالق روم يعد أقل من فالق اليمونة وبالتالي خطورته أخف. وفالق راشيا أدنى، اما فالق سرغايا أقرب من جهة الطول الى فالق اليمونة غير انه لا يمتد على طول لبنان ومن هنا نستنتج ان فالق اليمونة الأكثر طولا وصعوبة وممكن ان يحدث منه زلازل أقوى درجة”.
ويضيف، “مع العلم ان الفوالق الأخرى شهدت زلازلاً عبر التاريخ ولجهة الخطورة فان فالق روم نتج منه زلزال عام 1837 م ما يعني انه لن يحدث مرة ثانية في الوقت القريب، وفالقا راشيا وسرغايا وقع زلزالهما في المرة الأخيرة عام 1759 أيضا لن يكون في وقت قريب. اما فالق اليمونة فوقع عام 1202 م أي 800 سنة ومن خلال ما درسناه ان الحركة على هذا الفالق تحدث كل 100 سنة ما بين الزائد والناقص وإذا احتسبنا منذ العام 1200 بزيادة 1000 و1200 يعد من جهة الحساب الأقرب في ان يشهد حركة زلزالية. ويؤكد، “لا اجزم كون ان الفوالق الأخرى من الممكن ان تضطرب قبل فالق اليمونة واشدد لا يمكننا تثبيت او تأكيد حدوث أي شيء والتقدير هو جُلّ ما نستطيع عليه”.
الوضع في لبنان طبيعي
أنطمئن؟ يقول نمر قلتها وسأكررها، “الوضع في لبنان عاد كما كان عليه منذ ما قبل 6 شباط أي قبل وقوع زلزال تركيا، وبالتالي الوضع لبنانيا طبيعي وكأن شيئا لم يحدث. مشيرا الى ان الناس لم يكونوا على علم اننا نقع على خط زلزال ولبنان شهد زلازل تاريخية”.
ويستكمل: “عمليا حتى وان عدنا الى السكون فلا يمكن انكار هكذا تجارب عبر التاريخ ولأننا لا نزال على خط الزلازل وهو متحرك والصفيحة العربية تتحرك بالنسبة للصفيحة الافريقية والصفائح المحيطة، ما يعني إمكانية حدوث زلزال كالذي وقع عبر التاريخ وهذا الامر لا يمكننا توقيفه، والجميع بات لديه حد أدنى من المعلومات عن هذا الجانب، لذا بعد 6 شباط على الجميع ان يستعدوا للتكيف مع هذا الواقع”.
فوق الـ 9 درجات
ويقول نمر، ” من الممكن ان تتجاوز قوة الزلزال 9 درجات على مقياس ريختير، ولكن ليس ابدا في منطقتنا او في الشرق الأوسط والبحر المتوسط، وتحدث عندما تبدأ صفيحة تنزلق تحت أخرى مثلا في تشيلي، وصفيحة المحيط الهادئ الشرقية تزيح الى تحت صفيحة اميركا الجنوبية، وصفيحة المحيط الهادئ الشمالية الى تحت صفيحة اميركا الشمالية، وأخرى تحت الاسكا وفي بحر اليابان أي في المحيط لجهة الشرق، وفي إندونيسيا المحيط الهندي وقد حدث في كل من هذه المناطق وتجاوزت قوته 9.5″.
ويختم: ” لن تحدث في منطقتنا لان طريقة حركة الصفائح لا تعطي قوة هكذا زلازل، وفي تقديري ان القوة الأقصى تتراوح في حال حدوث زلزال فظيع ما بين 7 و8 درجات لا أكثر وفي لبنان لا اظن ان يحدث زلزال تبلغ ذروته 8 درجات”.