سعت إيران إلى إثبات حضورها في المنطقة في غمرة الحشود الغربية. أصر وزير الخارجية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، على إجراء زيارته إلى المنطقة، وعلى الرغم من قصف مطاري حلب ودمشق قبيل وصول طائرته، اتجه عبد اللهيان إلى بغداد ومنها إلى بيروت، لاستكمال جولته التي ستشمل سوريا أيضاً.
يمكن اختصار زيارة عبد اللهيان بنقطتين أساسيتين. الأولى، الحرص على أمن واستقرار لبنان. والثانية، الجهوزية الكاملة لمواجهة أي اعتداء اسرائيلي، بالإضافة إلى الدعم السياسي والمعنوي والتنسيق المشترك مع حزب الله للمرحلة المقبلة، وتحسباً لكل الظروف. وقد كان عبد اللهيان واضحاً في مواقفه، بأنه في حال لم يتوقف نتنياهو عن حربه المدمرة في غزّة، فإن ذلك قد يؤدي إلى فتح الجبهات المتعددة.
عبد اللهيان وبلينكن
حتى الآن يمكن لإيران مراكمة الأرباح. عسكرياً، من خلال العملية التي نفذتها حماس. ومعروف مدى دعم ايران لها. وهذا يمثل استعراض قوة لحلفاء طهران الآخرين، وخصوصاً حزب الله الذي تفوق قوته العسكرية قوة حماس بكثير. وسياسياً، من خلال فرض نفسها لاعباً أكبر في المنطقة بالارتكاز إلى ما جرى. وهو ما يتجسد في الحركة الديبلوماسية التي يقودها عبد اللهيان على وقع تحركات ديبلوماسية تجريها دول عربية، بالإضافة إلى تركيا، في سبيل الوصول إلى وقف إطلاق النار.
فجولة عبد اللهيان في المنطقة تأتي بعد اتصال هو الأول من نوعه بين الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وركز عبد اللهيان على ضرورة عقد اجتماع للدول الإسلامية، في سبيل السعي إلى وقف إطلاق النار. وهناك فكرة يتم التداول بها في عقد اجتماع وزاري في بغداد في سبيل ذلك.
حسب ما تقول مصادر ديبلوماسية غربية، لا أحد له مصلحة في توسيع الحرب وتحويلها إلى حرب إقليمية. لذلك تتفعل التحركات والاتصالات الديبلوماسية التي تشهدها المنطقة، في سبيل منع تفاقم الأوضاع. تحرك عبد اللهيان لا ينفصل عن هذا الهدف، بالإضافة إلى التنسيق حول كل التطورات، وتأكيد الحضور الإيراني في المنطقة. لا سيما أن جولته تواجه جولة وزير الخارجية الأميركية وغيره من المسؤولين الغربيين.
الانخراط بالمعركة
أما في الأسئلة المطروحة حول انخراط حزب الله في المعركة، فتؤكد المصادر الجهوزية الكاملة لذلك، في حال كان هناك حاجة لتلك الخطوة. ولكن حالياً، قد لا تريد إيران امتحان حزب الله بهذه المعركة، وفق التوقيت والقرار والاستدراج الإسرائيلي. وهذا ينطوي على ذكاء بالموقف الإيراني، من خلال عدم التفريط بقوة حزب الله والاحتياط الإستراتيجي الذي يمتلكه الحزب، وعدم اقحامه في هذا الصراع. وتأجيل هذا الأمر إلى توقيت يختاره هو والحزب.
ولكن هذا أيضاً، يبقى رهناً بالموقف الإسرائيلي، وإذا كان سيصر على استدراج الحزب إلى المعركة. ورهناً أيضاً بمعادلة الميدان، لأن أي خطأ في الحسابات قد يؤدي إلى تدهور الأوضاع بشكل أكبر. كذلك هناك وجهة نظر تعتبر أن دخول إيران وحزب الله بشكل مباشر في هذه الحرب، سيؤدي إلى تصعيد الحملة أكبر سياسياً وإعلامياً وعسكرياً، لأن المسألة لن تكون حينها مرتبطة بقتال الفلسطينيين لنيل حقوقهم، وستأخذ بعداً إقليمياً. وهذا لن يكون في مصلحة حماس ولا في مصلحة إيران.
هناك رسالة واضحة حملها عبد اللهيان، وهي تفعيل العمل الديبلوماسي في سبيل الوصول إلى وقف لإطلاق النار من خلال الضغط على الإسرائيليين والأميركيين. ولكن في المقابل، هدد عبد اللهيان بأن عدم إيقاف الحرب المدمرة التي يقوم بها نتنياهو، قد يشعل المنطقة، أو يؤدي إلى فتح محاور عديدة في المنطقة. وبالتالي، فالمعادلة التي يرفعها عبد اللهيان واضحة: “إما التهدئة وإما التصعيد الشامل”. وهذا الموقف لا يبدو بعيداً عن ذلك، خصوصاً بما يتعلق بموقف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وكل التصريحات الأميركية، التي تشير إلى ضرورة منع تفاقم الصراع وفتح جبهات أخرى.
منع توسع الصراع
هذا الكلام، يتطابق مع قراءات سياسية وديبلوماسية، تفيد بأن إرسال أميركا لحاملة الطائرات ومدمرات بحرية وعسكرية، بالإضافة إلى إرسال بريطانيا لحاملتي طائرات، له أهداف ردعية في منع ايران وحزب الله من الدخول على خطّ الحرب.
وترى المصادر أن الهدف ليس الذهاب إلى معركة كبيرة تؤدي إلى دمار كبير على صعيد المنطقة ككل. خصوصاً أن أميركا والغرب، يعتبرون أن توسيع إطار الصراع سيحول الحرب إلى إقليمية، لأن دخول حزب الله في الحرب سيؤدي إلى الاستفادة من مجاله المفتوح وطريق إمداده من ايران إلى العراق فسوريا فلبنان. وهذا ما سيؤدي إلى إدخال هذه الدول في الحرب أيضاً. وذلك لا ينفصل عن التهديدات التي أطلقها حزب الله، وفصائل الحشد الشعبي العراقي، والحوثيون في اليمن، بمساندة غزة مباشرة، في حال كانت هناك ارادة لكسر حركة حماس، خصوصاً في ظل مواجهة أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من غزة.
في المقابل، تقول مصادر متابعة إن اسرائيل لن تكون قادرة على تحقيق أهدافها العسكرية، كما أن أميركا تريد السعي إلى تحرير الرهائن. وبالتالي، هذا لن يسمح لاسرائيل في الدخول بحرب مدمرة، أو الوصول إلى مرحلة اجتياح غزة. لا سيما أن تقديرات محور المقاومة تشير إلى أن اسرائيل غير جاهزة عسكرياً لهذا الاقتحام أو الاجتياح البرّي كما أن العنصر البشري الإسرائيلي ليس متحمساً لهذا التدخل، لعلمهم أنهم سيتكبدون خسائر كبيرة بالأرواح، لا سيما أن حركتي حماس والجهاد الإسلامي أعدا خطة دفاعية محكمة.
شراكة إيران بالمكاسب
حسب مصادر في محور المقاومة، فإن الأهداف الكبيرة التي وضعتها إسرائيل تبدو صعبة التحقق، سواءً بما يتعلق بتهجير أهل غزة، أو إنهاء حماس، أو الاجتياح البرّي. وبالتالي، فإن الظروف الموضوعية ستدفع اسرائيل إلى عمليات انتقامية وتنفيذ عمليات اغتيال ربما. وبعدها سيتم تفعيل العمل الديبلوماسي للوصول إلى اتفاق على وقف إطلاق النار. حينها، فإن إيران وحلفاءها سيكونون شركاء أساسيين في تحقيق المكاسب. خصوصاً أن حماس بذلك ستكون الطرف الأقوى فلسطينياً بالمعنى العسكري، والشعبي والسياسي. وهي التي ستضع الشروط. كما أن ذلك سيعيد إحياء منطق مطالبة الفلسطينيين بدولة مستقلة، وفرض شروط أخرى تتعلق برفع الحصار عن غزة والاعتراف الرسمي بالسلطة فيها.
بالنظر إلى هذه القراءات، يمكن لإيران مراكمة الأرباح، خصوصاً في حال فشل الإسرائيليون بتحقيق أهدافهم. وبالتالي، تكرار تجربة حرب تموز، التي خرج منها حزب الله منتصراً. لكن ذلك أيضاً سيبقى مرتبطاً بحقيقة الموقف الدولي الداعم لإسرائيل، وإلى أي مدى سيستمر بذلك؟ خصوصاً أن اسرائيل أعلنت الحرب للمرة الأولى منذ العام 1973. وهي المرة الأولى التي تشكل فيها حكومة طوارئ لإدارة الحرب منذ العام 1967. وفي حال كان هناك جدية في تطبيق ذلك اسرائيلياً ودولياً، فيعني الدخول في حرب كبيرة وطويلة، قد تشمل ساحات متعددة بما فيها لبنان، لا أحد سيكون قادراً على التبنؤ بنتائجها ومساراتها.
ولكن بناء على ما تعلنه إسرائيل، يتضح أنها تضع ثلاثة سيناريوهات أمامها. السيناريو الأول هو تكرار تجربة الحرب 1967، أي خوض حرب عنيفة على أكثر من جبهة، تسعى فيها إلى تحقيق إنجاز أو انتصار عسكري. السيناريو الثاني، هو تكرار ما جرى في حرب 1973 بعدما تعرضت اسرائيل لهزيمة، وبعدها حصلت على دعم دولي وأميركي خصوصاً، فعادت وشنّت هجوماً مضاداً أفضى إلى فتح أبواب البحث عن السلام مع مصر.
وهنا قد تكون إسرائيل تسعى إلى إعادة هيبتها العسكرية التي كسرت، وبعدها يأتي تجديد المفاوضات للوصول إلى اتفاقات تطبيع جديدة. ولكن هذه المرة قد يتغير اللاعبون والمفاوضون.
أما السيناريو الثالث، فهو اعتماد تجربة اجتياح لبنان في العام 1982، أي الاجتياح البري لغزة في سبيل إخراج حماس منها وإنهاء وجودها العسكري. ولكن دون السيناريوهات الثلاث صعوبات كثيرة، أبرزها التخوف من تحول الحرب إلى إقليمية واسعة.