في ظل الأزمة الاقتصادية التي تخنق لبنان منذ سنوات، جاء إعلان انتهاء دعم الطحين المخصص لإعداد الخبز العربي، ليزيد من القلق حول الأمن الغذائي في البلد. يعتمد عدد كبير من اللبنانيين على هذه المادة الاساسية، كجزء رئيسي من غذائهم اليومي. ومع ارتفاع أسعار الخبز عقب انتهاء قرض البنك الدولي، الذي كان يغطي جزءا من كلفة القمح المخصص للطحن، يواجه المواطنون أعباء معيشية متزايدة قد تدفع الأمور نحو الأسوأ.
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف سيتعامل اللبنانيون مع ارتفاع سعر ربطة الخبز؟ وما هي التداعيات المحتملة على الأمن الغذائي، في حال تعاظمت الأزمة دون حلول جذرية؟ وما الذي قد يحدث إذا لم تستطع الحكومة توفير بدائل لدعم الطحين أو إيجاد حلول أخرى؟
رفع السعر بات رسميا!
أصدر وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام، قرارا جديدا يحمل الرقم 42 / ح ش / 2024، يعدل فيه القرار السابق رقم 40 / ح ش الصادر بتاريخ 18 / 9 / 2024، والمتعلق بتحديد أسعار وأوزان الخبز اللبناني الأبيض. ونص القرار الجديد على تحديد سعر ربطة الخبز التي تزن 850 غراما (حجم وسط) بـ 65,000 ليرة لبنانية عند الشراء من الأفران، و62,000 ليرة للموزعين من الأفران، بينما وصل السعر إلى 70,000 ليرة للمحلات التجارية، ليباع في النهاية بـ 77,000 ليرة لبنانية للمستهلك.
كما شدد القرار على حصر إنتاج الخبز الأبيض بالأحجام والأوزان المذكورة، حيث لا يقل مقاس الرغيف (الحجم الوسط) عن 35 سم، بينما يتراوح عرض الرغيف الصغير بين 25 و28 سم، يُنفذ القرار اعتبارا من 25 أيلول الجاري.
هواجس محقة!
لكن، مع هذه التطورات الجديدة، تثار عدة تساؤلات ومخاوف حول المستقبل القريب: كيف سيتعامل المواطنون مع هذا الارتفاع المفاجئ في أسعار الخبز؟ هل ستتمكن العائلات المغلوبة من تحمّل هذه الزيادة في ظل اشتداد الأزمات الاقتصادية؟ وهل ستشهد المخابز ضغطًا كبيرا بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج أو نقص في المواد الأولية؟
على كل حال، إذا لم تتدخل الحكومة بسرعة لتقديم بدائل أو دعم جديد، قد يؤدي ذلك إلى تفاقم مشكلات الأمن الغذائي، وقد نشهد نقصا في إمدادات الخبز، مما يهدد بحدوث اضطرابات اجتماعية. وقد تعود مشاهد الطوابير الطويلة أمام الأفران، وتتطور الأمور إلى احتجاجات واسعة بسبب تراجع القدرة على تأمين الغذاء الأساسي.
وتشير كل هذه الرهبة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة من قبل حكومة تصريف الاعمال لتفادي تفاقم الأزمة ، وتأمين استمرارية إمدادات الخبز للمواطنين بأسعار معقولة. فهل تفعل؟
رفع الدعم واستيراد القمح
يقول نقيب ورئيس اتحاد نقابات الأفران والمخابز في لبنان ناصر سرور لـ “الديار”: “من المؤكد أنه عندما يتم رفع الدعم عن سلعة ما، يتضاعف ايراد القمح بكميات كبيرة تفوق تلك التي كنا نستوردها أثناء وجود الدعم، وتصبح هناك منافسة على الجودة ونوعية القمح والطحين معا. أما بالنسبة إلى التصعيد الأمني، فالأوضاع دقيقة ومتسارعة في لبنان، لكن القمح والطحين متوافران، ولدينا مخزون يكفي لأكثر من شهرين، والأفران تعمل على مدار 24 ساعة. لذلك، أؤكد أنه لا توجد أزمة خبز، بخاصةً إذا بقي البحر مفتوحاً ولم نتعرض لأي حصار، مما يعني أن عملية الاستيراد ستستمر”.
انتهاء دعم الطحين وارتفاع الأسعار
ويوضح أن “انتهاء الدعم كان فعليا في 15 أيلول، لكن لا يزال هناك طحين لدى الأفران. وآخر مرة سعّر البنك الدولي الطحين على سعر 60 ألف ليرة، ثم ارتفع إلى 90 ألف ليرة، لذلك شهدنا زيادة في السعر حوالى 10 آلاف ليرة، لضمان استمرار الأفران في شراء الطحين وبيعه. كنا بصدد تأجيل هذه المسألة، ولكن خُيّرنا بين أمرين، فاتخذنا القرار بأن يكون الخبز متوافرا بكثافة في جميع الأراضي اللبنانية، وأن نستوعب الصدمة التي حدثت، حيث دخل أكثر من 500 ألف مواطن من البقاع والجنوب إلى منطقة بيروت وجبل لبنان إلى جانب مناطق أخرى. بذلك، استطعنا امتصاص الأزمة بعدما سمحنا بالعمل على مدار 24 ساعة في المطاحن والأفران”.
وأكد أنه “لا وجود لأزمة خبز، لكن السعر ارتفع 10 آلاف ليرة، وأعتقد أن ذلك أفضل من ترك الأفران دون تنظيم. فالذين يرغبون في شراء الطحين الحر أو المدعوم لديهم الخيار، والفارق البالغ 10 آلاف ليرة يحقق ربحا قدره 8 آلاف ليرة للأفران، مما قد يمنعها من التوقف عن العمل، وبالتالي يحد من حدوث أزمة”.
تسعير ربطة الخبز والالتزام بالأسعار
ويشير إلى أنه “بعد انتهاء قرض البنك الدولي وانتهاء الدعم، كان الخيار الأنسب هو تسعير ربطة الخبز لتظل متوافرة للمواطنين. لذلك، ستباع ربطة الخبز في الصالات بـ 65 ألف ليرة، وتُسلم إلى الموزع بـ 62 ألف ليرة، ويجب على الأخير تسليمها “للسوبرماركات” بـ 70 ألف ليرة، فيما يجب أن تلتزم “السوبرماركات” ببيعها بـ 77 ألف ليرة. أي مستهلك يبيعها بأكثر من ذلك يتحمل المسؤولية القانونية أمام وزارة الاقتصاد والأجهزة المختصة”.
ويضيف: “كذلك يُمنع على الأفران بيعها بأكثر من 65 ألف ليرة، وإلا فإنها تتحمل المسؤولية أيضا. بناءً على ذلك، تم تحديد سعر ربطة الخبز وينبغي التقيد به، وأي استغلال أو احتكار للسعر يعد مخالفا. وأي جهة تواجه مشكلة بخصوص الأسعار، لا سيما إذا كانت تباع بأكثر من السعر المحدد، يمكنها التواصل مع وزارة الاقتصاد أو نقيب الأفران أو إرسال رسالة”.
الإجراءات المتخذة لضمان استمرار الإنتاج
وكشف سرور لـ “الديار” عن “اتخاذ إجراءات على مستوى العمال والأفران التي أُغلقت، حيث تم توزيع العمال على أفران أخرى. ونعمل بالتنسيق مع كل الأفران والنقابات في لبنان لمنع حدوث أي أزمة خبز ، وضمان استمرار الإنتاج على مدار 24 ساعة. أي فرن يغلق في منطقة تشهد توترا، بخاصة في ظل القصف والإجرام الذي يمارسه العدو الإسرائيلي في الجنوب، فإننا نعذر الأفران التي تعرض حياة عمالها للخطر. لذلك، تواصلنا مع هذه الأفران لنقل عمالها إلى مناطق أخرى لضمان استمرارية إنتاج الخبز”.
وقال: “ما شهدناه مؤخراً كان ازدحاماً محدودا على بعض الأفران، لكن الخبز لم ينقطع، وتمكنا من امتصاص الأزمة، وهناك استقرار كبير. فضلا عن ذلك، ندعو المواطنين الى شراء ما يحتاجون اليه فقط، كما نطلب من المطاحن عدم بيع الطحين لأي تاجر، ليبقى مخصصاً للأفران فقط، لكفالة استمرارية الجميع في مواجهة أي عقبات قد تنشأ مع توسع الحرب وانتقالها إلى مناطق لبنانية جديدة.”
منع بيع الطحين للأفراد والتجار
وعن شراء المواطنين الطحين بشكل فردي، قال: “لا أحد يخبز بمفرده، لكن كما في كل مرة، يتم شراء الطحين لتخزينه، مما يؤدي الى تسوسه وتلفه، وبهذا يُحرم اللبنانيون من هذه المادة. لذلك، طلبنا من مدير مكتب الحبوب في وزارة الاقتصاد التعميم على المطاحن بمنع بيع الطحين للتجار أو الأفراد”.
ويختم سرور “بعد اتصالاتي بكل المناطق اللبنانية، تبيّن أنه لا وجود لطوابير ولا أزمة خبز ولا انقطاع لهذه المادة، والجميع ملتزم بالتسعيرة الرسمية التي صدرت عن وزارة الاقتصاد. كما لم نلحظ أي احتكار أو تجارة غير مشروعة بهذه السلعة، وهذا يُعتبر انتصارا عظيما لنقابات الأفران واتحادات نقابات الأفران ووزارة الاقتصاد والمطاحن في إدارة الأزمة”، مؤكدًا “استطاعت خلية الأزمة التي أنشأناها استيعاب الأزمة، ومنع أي احتكار للخبز أو بيع الطحين بطريقة غير مشروعة”.