الانسان كائن اجتماعي بطبيعته، أي انه يتكيّف للعيش وسط افراد ومجتمع تطغى عليه عادات واعراف وتقاليد وموروثات ثقافية معينة. وفي الواقع، هناك مَن يضع قواعد لتصبح بمثابة الحضارات، التي تنتج ثقافة وعادات خاصة بها، منها جيدة وأخرى سيئة.
والمتعارف عليه، ان أي امر يصنعه المرء أكثر من 3 مرات يتحول الى عادة، والتي هي الفعل «الدارج» الذي يقوم به المرء بدون تفكير ولا يشعر انه هجين. لذا لا يتشجع على تغيير هذه العادات، والبعض تحتل هذه العادات مكانا مقدّسا لديه، ومعظمها قد يكون عائقا امام التقدم والطموح للمضي بمستقبل منفتح ومرن.
بالمقابل، فان النتوء من هذه الأفعال والتقاليد، لا يعد بالأمر الميسور والسهل، بل يتطلب من الانسان إرادة صلبة ونية للانقلاب على المحيط الذي يقبع فيه، ويخاف من عواقب التباين، حتى وان كان فيه مصلحته. والصحيح والمتفق عليه ان الروتين مدمر، لأنه يقضي على الامل والاستمرارية والطموح، ويبهّت الجمال، والسر الذي فيه هو الاختلاف والتنوع والتميّز وعدم التقليد.
زفاف لبناني أشعل مواقع التواصل والعالم العربي
وفي هذا المجال، اخبر العريس جهاد نصار «الديار» عن فكرة إقامة زفاف على الدراجة خاصة ان بجانبها «أفورة» أي مقعد، وهي تعود الى تاريخ لبنان أيام المسلسل المشهور «المعلمة والأستاذ»، وقال: «الموتور والافورة» تكون على الطلب وشغفنا بهذه المصلحة الى جانب زوجتي التي تعمل معي زاد من حماسنا للقيام بهذه الفكرة المميزة، وترجمناها على ارض الواقع، بعيدا عن كل الأفكار الإيجابية والسلبية، وللاستغناء عن تفاصيل غير أساسية او جوهرية».
أردف «اخترنا شيئا نهواه واوصلنا من خلاله أكثر من رسالة، وكنا ننتظر ردة الفعل هذه تجاه ما قمنا به، من جهة تفاعل الناس مع الخبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى لدى مرورنا في مدينتنا بيروت، وخلال جولتنا لَمَسنا تفاعلهم الذي كان رائعا، حتى شعرنا وكأنهم مدعوون الى زفافنا».
مشوار الالف ميل بـ خطوة
تابع «أيضا من الرسائل التي أردنا ايصالها، ان لبنان بالمشاكل التي يمر بها، شعبه يحب الحياة وعليه الا يستسلم للظروف او ييأس وينكفئ على ذاته، بل يجب ان يخلق الفرص وان شاء يصنعها بنفسه حتى من اقل وابسط الأمور، وهذا ما قمنا نحن به تحديدا. فاذا كان الشخص وضعه يسمح له القيام بأي تحضيرات ام لا، عليه في كلتا الحالتين ان يعيش هذه الحياة ويفرح كما يرسمها ويخطط لها وفي الأصل هذه فكرتنا».
واشار الى ان»غايتنا بلغت كل لبناني وتخطت حدود الوطن، وجوهرها ان الفقير يتساوى مع الغني دون تكلّف او تكبّر، والسرور الذي التمسناه من المشاركين كان من اغنى وأعظم الأمور التي قد نحصل عليها، والاهم ان بلدنا يستحق الحياة».
وعن التعليقات التي انهمرت على صورهما قال جهاد: «اكثرها إيجابي، وقليل منها لن أقول سلبي وانما «مهضوم»، على سبيل المثال كتب أحدهم معلقا «عِمِلها زفة على الموتور وضِحك عليها حتى ما يعملها عرس». ولفت «الى ان الله رؤوف بهذا البلد لأنه عليم بنوايا أبنائه، وهناك من ساعدنا على تجاوز التوتر من خلال مجموعة شباب وصبايا ينتمون الى «كلوب فيسبا»، والفضل كبير لهم بسبب تشجيعهم ومساندتهم لنا في هذا اليوم».
اللبناني لَبِق
ووصفت الاختصاصية النفسية والاجتماعية غنوة يونس ما قام به الثنائي بالقول « شاهدنا نموذجاً جديداً لمناسبة الزفاف، بحيث انهما خالفا الكثير من العادات والتقاليد، وهذا الامر ليس غريبا على اللبناني الذي يتمتع بمرونة نفسية ويتميز بتمسكه للحياة، ويبرهن عن حبه للمغامرة، وان ما من شيء يمكن ان يحد من طموحه، وابعد من ذلك قدرته على اجتياز الكثير من العوائق والتحديات».
وفي هذا الإطار، قالت: «الاحتفال يدل على شغف هؤلاء بالحياة والرضى بما تيسر لديهم، وقد يكون ابتكارا رمزيا عصريا يحمل ابعادا ورسائل إيجابية للمجتمع، أي ان الفرد يمكنه الابتهاج الى جانب من يحيطون به، دون التقيد بالأنظمة التي ترعرعنا عليها، ومنها: ان العرس يجب ان يكون في صالة الى جانب الزفة المؤلفة من راقصين وراقصات، معازيم، زينة الورود وعشاء فاخر متعدد الأصناف، قالب كيك كبير بعدة اطباق وغيرها من البروتوكولات المتعارف عليها ولا تضيف للإنسان شيئاً جديداً او ترقّيه مرتبة».
وتابعت «عرس «ثنائي الدراجة النارية» كَسْرٌ للروتين من جهة، وتفعيل للديناميكية النفسية الفردية التي تجعل المرء يتغلب على ظروفه الاقتصادية والاجتماعية خاصة في هذه المرحلة». وأشارت «الى ان اشخاصا أجلوا زفافهم بسبب المصاريف والتكاليف والعادات التي تفرض عليهم القيام بها، فتتراكم الديون جراء ابتداعات المجتمع التي تحول دون تكوين عائلة سعيدة بعيدا عن الناس وما يرغبونه».
واردفت «موكب الزفاف هذا الى جانب انه ولّد السعادة، نشر عامل الفكاهة الذي حضر بقوة وطال الناس الذين مرّ بهم، وقد يتحوّل في الأيام القادمة الى عدوى إيجابية من خلال ابتكار حلول تخرق الظروف المادية وبعض التفاصيل التي لم تعد متوفرة كما في السابق، لذا من المهم ان يتصف الافراد بالليونة للتغلب على العقبات، وللتكيف بعدم توقيف الحياة جراء أي صدمة او مشكلة».
اضافت: «من المهم ان يكون لكل فرد مثل هذه المطاوعة التي تتماشى مع كافة الموجات السلبية والايجابية وهذا ما يدفع نحو التقدم للمضي قدماً الى الامام في حال وقعت كارثة او طارئ».
وقالت «في الخلاصة نستنتج ان المرء يستطيع تحقيق أحلامه بأقل التكاليف وبأدنى المسؤوليات، واخف الالتزامات التي يفرضها المحيط». وأقول لهما «برافو» وليكسر الشباب هذه البدعة المجتمعية، وليقوم أي ثنائي بما قام به جهاد وعروسه، ليس لإسعاد الناس بل لإبهاج أنفسهم وحياتهم القادمة، وهذا التصرف سيجعلهم مميزين وملفتين للنظر، وليسا مجرد ثنائي عابر».
وشددت «على ضرورة تشجيع كل المقبلين على الزواج باللجوء الى مثل هذه المبادرات لتغيير النظرة والعرف السائدين، وبهذا التمايز عن العرف القائم في المجتمعات قد يكون بداية اختراع لخطط مستحدثة، تجعل الحياة أسهل وبأقل ضغوط ممكنة، خاصة في المرحلة الحرجة الحالية التي تسيطر على لبنان».