تشهد المدارس الخاصة في لبنان ارتفاعات مستمرة في الأقساط منذ أكثر من 5 سنوات، وهو ما يثير الكثير من الجدل والاستفسارات حول أسباب هذه الاضافات وماهياتها. وتعد الزيادات في الأقساط جزءا من سياسة التعليم الخاص في لبنان، حيث تتمتع المدارس الخاصة بحرية تحديد الأقساط والرسوم بشكل مستقل وعشوائي، مما يؤدي إلى زيادة الضغط المالي على الأسر.
الى جانب العوامل الداخلية للمدارس، تؤدي أيضا الظروف الاقتصادية والسياسية دورا في تحديد الأقساط. وتأثير هذه القضية في الأهالي والطلاب يكون شديد الحدة، خاصة في ظل الأوضاع المعيشية الشرسة الراهنة، وذلك يترجم من خلال:
1- التضييق المالي: ارتفاع الأقساط يزيد التأزيم النقدي، ويجعل من الصعب على الاهالي تحمل مصاريف التعليم لأطفالهم، مما قد يضطرهم إلى اتخاذ قرارات قاسية، مثل نقل أطفالهم إلى مدارس رسمية أو غيرها من الخيارات الأقل تكلفة.
2- هبوط نوعية التعليم: وينتج منه تراجع في جودة التدريس المقدمة في المدارس الخاصة، حيث قد يؤدي العسر النقدي الى تقليل الاستثمارات في تحسين المرافق وتطوير البرامج التعليمية.
3- تدني مستوى الطلاب: قد يؤثر القلق المالي سلبا في أداء الطلاب الأكاديمي وصحتهم النفسية، مما يمكن أن يؤدي إلى تدهور النتائج الدراسية والانخراط الاجتماعي.
النزوح وارد
وفي هذا الإطار، كشف تربويون لـ “الديار” عن “فرضية حدوث نزوح من المدارس الخاصة إلى الرسمية إذا دخل قرار زيادة الأقساط في المدارس الخاصة حيز التنفيذ، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية العويصة في لبنان. ويمكن أن يكون هذا التحول نتيجة لعدم قدرة بعض الأهالي على تحمل نفقات التعليم في المدارس الخاصة، والبحث عن خيارات تعليمية معقولة في المدارس الحكومية. ومع ذلك، يعتمد حجم النزوح على العديد من العوامل، بما في ذلك التدابير التي يمكن أن تتخذها الحكومة والمدارس الخاصة لتخفيف مشقة التكاليف عن كاهل الأهالي، والحفاظ على طابع التعليم في القطاع الخاص”.
الاهل الحلقة الاضعف
بالموازاة، أوضحت رئيسة “اتحاد لجان الاهل واولياء الأمور” في المدارس الخاصة في لبنان لما الطويل لـ “الديار” ان “هذه الزيادات غير قانونية، وتفرض بطريقة عشوائية دون اتباع أي أصول قانونية ومحاسبية نص عليها القانون 515.”.
وأشارت الى “ان الاهل هم الحلقة الأضعف، نظرا لإهمال الدولة في تأمين تعليم رسمي يرتقي اقله الى مستوى التعليم الخاص، وهذا الاستهتار متعمد من قبل المرجعيات الدينية وزعماء الأحزاب، لأنهم يملكون مؤسسات تعليمية خاصة، ويجنون من خلالها أرباحاً مهولة من قبل الأهالي. لذلك يضطر أولياء الأمور مرغمين الى الرضوخ للضغوط او التنقل بين المدارس”، ولفتت الى ان “اغلبية المؤسسات الخاصة تقوم بتغييب دور لجان الاهل القانوني بالرقابة، وتشكل لجان متواطئة معها”.
وتابعت “يجب على الاهل رفض هذه الزيادات وعدم الامتثال لإكراه الإدارات، كما نراهن على المعنيين بالشأن التربوي ان يطالبوا بوضع حدود وسقوف لهذه الارتفاعات، خصوصا مجلس النواب الذي يجب ان يقوم بتشريعات تحمي الاهل من غطرسة المدارس، فدوره تأمين مدارس رسمية لا حماية المؤسسات الخاصة تلبية لأوامر بعض المراجع”.
وختمت مؤكدة: “الواضح ان هناك توجها “لدوبلة” الأقساط في كل المدارس الخاصة، ويتم التداول بهذه المسـألة داخل الأروقة. وتعتمد إدارات هذه المدارس سياسات معينة، التي تبدأ بايصال الخبر الى الأهالي على النحو الذي جرى في “ليسيه” طرابلس و “عبد القادر”. وفي حال اعترض الاهل ورفعوا الصوت، ساعتئذ يتم التفاوض بين الطرفين، اما إذا صمت أولياء الأمور تباشر المدرسة تنفيذ مشروع الزيادة”.
ذرائع واهية!
من جهته، أكد عضو “لجنة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي” في لبنان الدكتور حسين محمد سعد لـ “الديار” ان “هذه الزيادة غير قانونية او مبررة، لان سعر صرف الدولار ثابت منذ قرابة السنة تقريبا، والمدارس بدأت عامها على هذا الأساس. بالإضافة الى ذلك، لا توجد عوامل او مؤشرات اقتصادية ارتفعت في هذا المجال. لذلك رفع الأقساط في المدارس الخاصة ليس له أي مسوغ قانوني، او ما يدل على وجوب تضخيم الأقساط سواء بالليرة اللبنانية او بالدولار، والمطلوب من “التربية” التحرك وملاحقة المدارس، التي تسعى الى زيادة الأقساط مع بداية العام الدراسي المقبل”.
الضرب بيد من حديد
وقال: “المطلوب من وزارة التربية الضرب بيد من حديد قبل دخول هذا القرار حيز التنفيذ، حتى تردع المدارس الخاصة التي تنوي رفع الأقساط بوجه الأهالي، خاصة في ظل عدم وجود أي دافع قانوني او اقتصادي أدى الى زيادة ارتفاع الأقساط في القطاع الخاص. فالجميع يعلم انه لم يجر تصحيح سلسلة الرتب والرواتب للأساتذة في القطاع العام او الخاص، على الرغم من ان الأجور في القطاع الخاص أفضل بكثير من رواتب القطاع العام بنسبة 50%”
“كارتيل” المدارس الخاصة اقوى من القانون
وأكد سعد “ان المدارس الخاصة اقوى من القانون، وتؤلف “كارتيلات” وهي اشبه بتجمعات، وبالتالي تعتبر أكثر حزما من وزارة التربية والقوانين التي تصدر عن مجلس النواب. وهناك ردة فعل سلبية نتيجة عدم تطبيق القانون الذي صدر عن مجلس النواب، الذي يتعلق بتشكيل صندوق تعويضات للأساتذة المتقاعدين في المدارس الخاصة، وهذا ارتد سلبا على هؤلاء في هذه الفترة، لأنهم لم يطبقوا القانون كما يجب. وهنا تتحمل المدارس التي أعلنت الاضراب يومذاك المسؤولية، لأنها كانت تسعى الى تحصيل بعض الحقوق من الدولة لا من الصناديق العائدة لها. علما انها تتقاضى أقساطاً من الأهالي بشكل مرتفع، ولديها ميزانيات غير صحيحة ووهمية امام وزارة التربية، وعلى الأخيرة ملاحقة هذا الامر وتشديد الرقابة، وعلى التفتيش التحرك وتعقب هذه المدارس”.