تحلّ الذكرى السابعة عشرة لـ 14 شباط ولبنان برمّته في مهب عواصف التغيير، ولا يمكن التكهّن على أي ميناء سترسو سفنها، ووضع البلد أقرب ما يكون إلى مرحلة 14 شباط 2005، حيث آفاق المرحلة قاتمة. حتى تيار رفيق الحريري نفسه في حالة ضياع وتشتت وأمام خطر الإندثار، ومستقبل وريث رفيق الحريري السياسي في المجهول، ليبدو هذا الجمهور وكأنه يخسر مؤسس التيار الأزرق رفيق الحريري للتو.
تحل الذكرى السابعة عشرة لاغتيال رفيق الحريري يتيمة لا تشبه سابقاتها، فقد ولّى زمن الحشود الجماهيرية التي كانت تنزل إلى الضريح كل 14 شباط من كل عام. صحيح أن وهج الذكرى الجماهيري تراجع منذ سنوات، مع انحسار أعداد المشاركين وتقلصها من مئات الآلاف في ساحة الشهداء إلى بضعة آلاف في “البيال”، فالمئات في بيت الوسط، إلا أن الذكرى هذه المرة ستقتصر على زيارة متواضعة لضريح الرئيس الشهيد يقوم بها الوريث مع عدد من نواب تياره ومحازبيه وقد يحضر بعض السياسيين بصفتهم الشخصية. أما التحركات الجماهيرية الفضفاضة التي كانت تحصل في السابق وتملأ الساحات فلم يعد لها مكان، وصار الحضور إلى ضريح الحريري في وسط بيروت، على همّة كل شخص ومحب إن أراد ذلك أو استطاع إليه سبيلاً.
لا تحرّك يذكر للمنسقيات الشمالية في هذا الصدد، وإن أرادت أن تقوم بمثل هذه الخطوة، فعليها أن تلتزم بتكاليفها المالية وأعبائها وهو ما لا قدرة لها عليه. أما الشخصيات التي كانت تموّل مثل هذه التحركات وتدفع أجور الحافلات لنقل الناس إلى الضريح فليست مهتمة بذلك لسببين: الأول لعدم وجود قرار مركزي بتنظيم حشود شعبية أمام الضريح كما كان يحصل في السابق، والسبب الثاني أن هذه العراضات كانت تحصل من بعض الطامعين الطامحين للإنتخابات على اللوائح الزرقاء وهذه المرة لن تكون هناك لوائح تحمل هذا اللون.اللافتات والشعارات
ولطالما كان ينتظر المهتمون الذكرى ليزرعوا الطرقات من أقصى عكار إلى طرابلس مروراً بالمنية والضنية وحتى بيروت بالشعارات والصور التي تحاكيها. هذه المرة كانت الصور التي تعبر عنها نادرة، لدرجة أنك تبحث عنها كثيراً لكي تراها.
بالنسبة إلى الكثيرين من أبناء الشمال فإن ذكرى رفيق الحريري موقعها في قلوبهم ومهما اختلفت التوجهات وتباينت، يبقى هذا الرجل محط احترام وشهادته موضع تقدير لأنه ضحى بنفسه في سبيل الحفاظ على لبنان. أما إرث رفيق الحريري الوطني، من بناء ومؤسسات، فمن تناوبوا بعده على حكم البلد أمعنوا في دماره، حتى صارت الدولة كلها صورة على ورق. وبالنسبة لإرث رفيق الحريري المناطقي من مستوصفات ومكاتب خدمات ومساعدات والعديد منها افتتح في أيام وريثه سعد هي اليوم في خبر كان، والمنسقيات الزرقاء في المناطق بلا عمل تصارع نفسها بنفسها، وحتى مكاتب نجله الأكبر بهاء التي استحدثت في بعض المناطق ما زالت خاوية على بعض من فيها.
مشروع رفيق الحريري، وإذ لا يختلف اثنان على أنه مشروع نهوض على كافة المستويات، عائلة رفيق الحريري الصغرى وأبناؤه يبدون مختلفين في ما بينهم عليه وكلٌ منهم يرى الأمور من زاويته الخاصة، ولا شك في أن الإنقسام الحريريّ هذا حول مشروع الأب انتقلت عدواه إلى القواعد وصار مشروع رفيق الحريري الوطني مشاريع مختلف عليها في الزواريب السياسية.
صحيحٌ أن ليس هناك من لا يعترف لرفيق الحريري بمشروعه ومشروعيته، إلا أن الوضع السياسي والشعبي الذي وصل إليه تيار “المستقبل” من جهة وأولويات الناس وقد باتت في مكان آخر من جهة ثانية، جعلت ذكرى 14 شباط تتحول ذكرى عادية، وعادية جداً.