بعدما انتهت الإنتخابات بكل تفاصيلها وبدأ البحث الجدي بكيفية توزع النواب داخل المجلس النيابي ككتل أو كمستقلين، يتضح جلياً من خلال مواقف نواب جدد ومن الإطار السياسي العام السائد بعد الإنتخابات وقبلها، بأن البلد يتجه إلى مرحلة من الاشتباك السياسي، تشبه إلى حد بعيد التموضع السياسي بين 8 و 14 آذار.
مسألة طرح سلاح «حزب الله» على طاولة البحث في المرحلة المقبلة ستكون مدار بحث، سيما وأن عدداً من النواب الجدد كانت لهم مواقف ترفض بقاء هذا السلاح وهيمنته على هذا النحو في فترة التحضير للإنتخابات والإستعدادات لها.
النَفس التغييري حتى الآن هو الذي سيتحكّم بأداء النواب الجدد كما يبدو، سواء من القوى التغييرية أو التقليدية، لأن أوضاع البلد لم تعد تحتمل استمرار الأداء السابق ذاته، وقد أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه من انهيار. لكنّ كل نائب أو كتلة نيابية ستعبّر عن هذا التوجه على طريقتها وتبعاً للتوجه الخاص بها، بغياب مشروع وطني واضح يجمع كل النواب اللبنانيين، ويُجمعون عليه.
يرى نائب طرابلس المنتخب اللواء أشرف ريفي نفسه حالة سياسية مستقلة في لبنان لكنها جزء أساسي من ضمن جبهة وطنية سيادية عريضة، قد تكون فيها «القوات اللبنانية» بطبيعة الحال والحزب «الإشتراكي» وأغلب القوى السيادية الوطنية. ريفي كما يؤكد «لن يكون في تكتل «القوات»؛ لكنه حليف لها كحزب سيادي رافض لهيمنة السلاح. يرى ريفي أنه «رأس حربة في مواجهة سلاح حزب الله» ويقول: «نحن بالطبع ذاهبون إلى مرحلة مواجهة سياسية في البلد ضد هيمنة إيران على لبنان وضد مشروع أخذ البلد رهينة للمشروع الإيراني المعادي للتوجه السيادي للبلد».
النائب وليد البعريني الذي يسعى بتفاهم وتشاور مع أعضاء لائحته الفائزين لتشكيل كتلة برلمانية واحدة في المجلس النيابي للمرحلة المقبلة، يؤكد أن خياره إلى جانب الدولة وسلاحها، «أما سلاح «حزب الله»، وإذا ما طُرح البحث فيه والتفاهم على دوره ووظيفته للمرحلة المقبلة، ضمن استراتيجية دفاعية وطنية، في أجواء من الإستقرار الداخلي فنحن لن نكون إلا مع الإجماع الوطني».
رامي فنج نائب منتخب نشط في ثورة 17 تشرين في طرابلس، هو يؤكد استمراره بالنهج التغييري نفسه ويقول: «سأكون مع القوى التغييرية على مساحة الوطن بتحالف مشترك. نحن نتشابه مع أي حزب لبناني أو مجموعة تحارب الفساد ولا تأتمر بالخارج ولديها ذات الثوابت التي نؤمن بها».
بدوره، أكّد النائب المنتخب إيهاب مطر أنه على تواصل مع القوى المستقلة ولن يكون إلا في توجه سياسي مستقل؛ بعيداً من المنظومة السياسية القديمة ومن أي انتماء حزبي.
بين القوى السيادية التي ترفض سلاح «حزب الله» وهيمنته على القرار الوطني؛ وبين الثنائي الشيعي وحلفائه الذين يعتبرونه مسألة خارج نطاق البحث السياسي، هناك مواجهة مرتقبة من داخل مجلس النواب، وأولى بوادرها ستكون عند لحظة انتخاب رئيس جديد للمجلس النيابي. فإما أن يسير البلد بالتسويات التي تشبه مرحلة 2005 مع 14 آذار وما نتج عنها من أزمات أدت إلى الإنهيار الشامل، وإما أن يواجه منطق الدولة سلاح الدويلة تمهيداً لعودة الدولة إلى بسط سلطتها ونفوذها.