النفايات ليست فقط مواد لم تعد ذات فائدة من بعد استخدامها، سواء لمرة واحدة او حتى لعدة مرات. وإذا كانت تشكّل بحد ذاتها خطرا على عمال النظافة عند القيام بجمعها ورفعها، فماذا عن أهالي منطقة النبعة – برج حمود الذين يعيشون بين النفايات، وباتوا يعايشون الروائح المنبعثة منها نتيجة رميها بالقرب من منازلهم؟ وماذا عن «نكيشة جهاد. زعيتر»، والذين بمعظمهم من القصّر ومن اللاجئين السوريين؟
كنا قد تحدثنا عن هذا الموضوع في تحقيق سابق، حيث يقومون بنبش النفايات وتركها في المكان خلال الفرز وبطرق عشوائية. في الحقيقة هؤلاء لا يؤذون أنفسهم فحسب، بل المجتمع بأكمله من خلال ملامسة النفايات لجلد الشخص او حتى التنفس عن طريق استنشاق الرذاذ الملوث بالجراثيم.
في «النبعة» يوجد 3 بؤر…
يوجد في هذه المنطقة 3 بؤر، والواقع هي ليست ملكاً للمدعو جهاد زعيتر، بل تم الاستيلاء عليها لأعمال الفرز من النكّاشين، وهي تعود لأشخاص من آل بيضون لا يقطنون في المنطقة.
- البؤرة الاولى مخصصة لفرز الخردوات وبطاريات السيارات وقطع الأثاث التالف او غير المستعمل.
- البؤرة الثانية تستخدم للبلاستيك والزجاج والنفايات الكرتونية.
- البؤرة الثالثة قائمة في كنف مركز يعود لبلدية برج حمود وفيها يتم تجميع الاقفاص البلاستيكية.
هذا الامر يؤثر سلبا على الجانب البيئي والصحي لجهة التلوث الحاصل نتيجة النكش والنبش والفلش، دون إعادة رفع البقايا عن الأرض. هذه المشكلة حملناها الى بلدية برج حمود، وأيضا للنائب آغوب ترازيان الذي لم يكن على علم بوجود هكذا مكب بين البيوت المسكونة. كما ان البلدية وللمرة الرابعة لم تجبنا على أسئلتنا فيما يخص التشوّه البيئي في المنطقة، وعن الروائح الكريهة المنبعثة من التنكيش والنبش والتأثير على النظام الحيوي في المنطقة ، والتي بطبيعة الحال تجلب القوارض والحشرات.
بلدية برج حمود «الساكت عن الحق شيطان اخرس»
يُطبّق على بلدية برج حمود قول «مثل الأطرش بالزفة»… بحيث تقوم بتصوير البسطات المخالفة على جوانب الطرق وتصوير عمال النظافة، وهم يرفعون النفايات من تحتها وبكل فخر يتم وضع الصور على وسائل التواصل الاجتماعي التي تعود لبلدية برج حمود دون ان تتنبّه ان هذا بحد ذاته مخالفة، فإن كانت تدري فتلك مصيبة، وان كانت لا تدري سهواً فالمصيبة أعظم! وعندما قلنا للنائب اغوب ترزيان ان الأهالي في المنطقة موجوعين مما يحدث امام منازلهم، أجاب: «لا اعلم». وعندما اردفنا سؤالا ان كنت لا تعلم فهذه مصيبة، تحفّظ على كلمة «مصيبة» ممتعضا من الكلمة، على اعتبار انه لا يعلم بوجود كارثة بين أهالي النبعة.
أهالي «النبعة» ماذا يقولون؟
«كأننا نعيش مع النفايات بشكل متجانس»، يقول أحد أهالي منطقة النبعة، «لدي طفل في الخامسة من العمر ويعاني من الربو ويسعل بلا توقف وأحيانا لا يمكنه التنفس، وذاك هو بيتي على بعد خطوات من هذه البؤر والنفايات تطوّقنا من كل حدب وصوب».
اما احدى الأمهات فقالت: «نكاد نموت من الروائح المنبعثة من النفايات التي يتم تكديسها بين منازلنا اما لفرزها او تركها من بعد نبشها، ولا بلدية او حتى رامكو يقومون بما يتوجب عليهم، ولدي أطفال لا يمكنهم الخروج الى الشرفة او النزول للعب امام البيت، فالنفايات يمكنك ان تريها بالعين وعلى مد عينك والنظر…
رمي النفايات في الهواء الطلق أخطر ممارسة…
بالتأكيد ان رمي النفايات في الهواء الطلق وبين البيوت هو أخطر ممارسة على الاطلاق، الا انه يمكن تفاديها. فالخطر الحقيقي بما ينتج عنه من مشاكل صحية وبيئية كما انها مظهر من المظاهر غير الحضارية على المَديين القصير والبعيد، مما يستدعي الحكومة اللبنانية وعلى وجه الخصوص بلدية برج حمود تطبيق الجوانب القانونية فيما يختص بحماية صحة مواطنيها. ويأتي رمي النفايات في الطرقات الضيقة بين المنازل وعلى الشوارع كافة في منطقة «النبعة» – شارع سينما بلازا نتيجة عدم معالجة الحكومة لمشكلة انتشار “النكيشة» بشكل كبير جدا وبينما كنا في المكان لنقل الصورة بموضوعية كانوا النكيشة منتشرين امام مكبات النفايات وامام اعين «رامكو» ولم تحرّك ساكنا وعند سؤالنا لأحدهم بينما كان ينبش مكب النفايات لمصلحة من تعملون؟ ليجيب «جهاد زعيتر»!
مكب مفتوح… امراض حدّث ولا حرج
في ظل وجود مكب مفتوح في منطقة مكتظة سكنيا، فإن استنشاق الهواء والتعرض لجزيئات دقيقة كـ «الديوكسين» والمركبات العضوية المتطايرة والتي ترتبط بشكل مباشر بأمراض القلب والسرطان وامراض الجلد والربو، وهذا ما قاله لنا أحد السكان عن ابنه الذي يعاني من مرض الربو. ومعظم الذين يقطنون في هذه المنطقة يعانون من امراض مزمنة ومختلفة في ظل سَيْطرت اشخاص لا يُلقون بالاً لا لمريض او لكبير سن او لطفل ولا يصغون لـ «رامكو» او لبلدية برج حمود او للدولة بحد ذاتها.
هؤلاء الأهالي تقدّموا بعدة كتب للجهات المعنية يشكون فيها عدم قدراتهم على تحمل النفايات التي تُرمى بين منازلهم، وانهم يعانون من مشاكل صحية نتيجة التنشق المطوّل والناتج من انبعاثات الروائح الكريهة من جرّاء النفايات ومنها السّعال، الربو، التهابات الحلق والعيون والالتهابات الجلدية الناتجة عن الحكة، وبما ان لبنان دولة عضو في «العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، فمن الواجب توفير حق الانسان التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسدية والعقلية.
وزير البيئة
يقول وزير البيئة ناصر ياسين، «نحن نعمل كوزارة بيئة على وضع إدارة متكاملة للنفايات الصلبة، ونساعد البلديات والسلطات المحلية في إدارة القطاع عن طريق تقديم الدعم التقني والفني والقيام بالمراقبة والتدقيق وإعادة تنظيم منظومات النفايات الصلبة في المناطق بالتعاون مع الجهات المانحة».
اضاف: «اما بخصوص موضوع ما يطلق عليهم «النكّاشين» فهو في نطاق عمل البلديات والشرطة. ونحن أثرنا الموضوع مراراً مع المحافظين والبلديات الكبرى، واي شكوى او تقصير مباشرة نتابعها مع البلدية المعنية ومتعهدي النفايات، وإذا لزم الامر مع المدعي العام البيئي».
ومن بعد حديثنا مع وزير البيئة ناصر ياسين عن مكب «النبعة» قام باتصالاته ليتأكد من صحة ما حملناه له، ومن بعد ارسالنا له الصور التي تُظهر فظاعة ما يحدث، قال: «الآن تابعت الموضوع مع متعهد رفع النفايات، وافادني ان أحد الشوارع في النبعة تحول الى مكب للنكاشين وسأتابع الموضوع مع بلدية برج حمود لأنه من صلاحياتها».
يعقوبيان
وتقول النائبة بولا يعقوبيان ان «الموضوع لا يقف عند أحد! فبلدية برج حمود فاسدة، وفي هذه الحالة يمكن لأي شخص ان يقوم بأي عمل في غياب السلطة الرادعة، فالبلديات تُعتبر سلطة مصغرة وتستطيع القيام بأي إجراءات او البت بأي قرار، كما انه يوجد أكثر من «فضيحة» برسم بلدية برج حمود، الا انه لا يوجد محاسبة، وتكمن المشكلة الأكبر في الأطراف التي تسيطر على حزب الطاشناق، فهم يبيعون ويشترون كما يريدون، وينجزون الصفقات من تحت وفوق الطاولة ولا أحد يسألهم او يحاسبهم، والامر لا يقتصر على النفايات، وانما أمور أخرى وكثيرة وشائكة لا يمكن حلّها بمنطق او بالطرق القانونية السليمة».
اضافت «قلنا ان النفايات بحد ذاتها ثروة فيما لو بدأنا الفرز. ويمكننا استعادة مبالغ كبيرة جدا منها باعتبارها مادة أولية. كما ان رميها بالشكل والأسلوب العشوائيين يجعلها بلا افادة. ومع الأسف لا أحد يريد ان يسمع بموضوع «الفرز» ان كان على صعيد بلديتي برج حمود وبيروت، فالمقاربة هي ذاتها فيما يختص بالفرز. على الرغم من الوضع الذي وصل اليه البلد، والازمة الاقتصادية والافلاس، ما زال عصابة النكيشة منتشرين ولا نعرف كيف يتم «برطلتهم» وتركهم يعبثون بالنفايات في الشوارع لأخذ ما يمكن بيعه وترك ما تبقى على الأرض، أكثر من هكذا فساد وفوضى ما بقى يصير»؟!
وتابعت: «للأسف هذه الظاهرة في كل لبنان، وانما في برج حمود أكثر انتشارا، وكلما كانت البلدية أضعف، والقدرة في السيطرة على الأمور اقل، ومتابعة حيثيات أي موضوع منعدمة سنجد النكيشة يعملون بأريحية، وقد حصل مؤخرا حادث في مكب الجديدة حيث كان أحد الأشخاص سيفقد حياته بسبب هؤلاء النكيشة، الا انه تم السيطرة على الامر وتمكنوا من ايقافهم. والواضح ان هؤلاء مغطّيين من قبل جهات نافذة وهي من تقوم بإفلاتهم على كل المكبات».
كيف يمكن إيقاف ظاهرة الـ «SCAVENGERS»؟
وعن كيفية إيقاف ظاهرة الـ «SCAVENGERS» قالت يعقوبيان انه «لا يمكن إيقاف هذه الظاهرة او النكّيشة، الا من خلال الفرز البيتي ككل دول العالم. والنفايات التي يمكن إعادة بيعها والطعام الذي يكون مفروزا من المصدر، يمكن تحويله الىCOMPOSE GRADE A، ونحن نقوم باستيراد هذا النوع، ويوجد لدينا أراض زراعية كبيرة، فبدلا من استيراد هذه المادة من الخارج يمكننا نحن صناعتها من خلال تسبيع نفاياتنا واستخدامها في الزراعة وإعادة البيئة الخضراء للبلد. ظاهرة SCAVENGERS ستبقى طالما المال سيبقى سائبا، والنفايات عبارة عن مال سائب، لذا تم تأليف عصابات تقوم بالنبش واخذ ما يمكن بيعه، وهذا عبارة عن «بيزنس» بحد ذاته ويتوقف عندما الدولة تقوم بتوظيف المصلحة العامة ومصلحة الناس قبل مصالح العصابات، ويصبح لدينا قطاعا مربحاً، وبيئة نظيفة، كما ان وجود المكبات والمطامر العشوائية تصبح غير قائمة. في بلد صغير كلبنان الفرز من الأولويات، ولا يمكن حل أي من هذه المشاكل سوى بالمعالجة من المصدر».
اضافت: «انا تقدمت بقانون للفرز الا ان بعض النواب الجهلاء استهزأوا به!! وأخبروني ان الفرز هو عبارة عن ثقافة؟ الا اننا بحاجة الى قانون وليس ثقافة «تكديس الاكياس» من خلال الاجبار والتوعية، وعندها تسير الأمور بالاتجاه الصحيح، وكنا قد عملنا مع عدة شوارع على موضوع الفرز والأمور صارت بشكل جيد ومنظم ومتقن».
وهل الـ SCAVENGERS يقومون بعمل جيد؟ تجيب يعقوبيان «بالتأكيد لا، هذا الكلام ليس بمقبول على الاطلاق، فهؤلاء يقومون بالنبش ويلوثون البيئة ويساهمون في نشر الأوبئة والقوارض والى ما هنالك. لأنهم يقومون بهذا العمل بطرق عشوائية ويؤخذون ما يريدون وما تبقى يبقى على الأرض، واليوم نحاول الاعتماد على السائحين القادمين الى لبنان لإنعاش الوضع الاقتصادي، وما نفع حملات «اهلا بهالطالة» ونحن اقله ليس لدينا بيئة نظيفة كيفما التفتت تجد المكبات يغزوها النكيشة وكيفما توجهت تجد بقايا النفايات مرماة على الأرض والروائح الكريهة منبعثة منها!! واين وزيري البيئة والسياحة وهل من تدابير خاصة في هذا الموضوع؟ ام نعتمد في السياحة على لوحات إعلانية فقط!! ماذا يقول وزير البيئة ناصر ياسين عن المكبات العشوائية التي أضحت ظاهرة شائعة بين البيوت السكنية»؟
وعليه، العمل المتكامل والمتقن يبدأ من الدولة وما تحتويه ونفاياتنا بمعظمها عضوية، والنكيشة لا يؤخذون «العضوي» بل يركزون على النفايات البلاستيكية وما يمكن إعادة تدويره. ومن المهم ان نؤخذ هذه النفايات العضوية ونقوم بتسبيغها للاستعمال في الأمور الزراعية والحديث عن ان هؤلاء النكيشة يقومون بعمل جيد هو ما يؤكد اننا محكومون من مافيات وليس من رجال دولة.