لم يكن في الحسبان ان يصبح التحصيل العلمي في لبنان على المحك، بعد الصفعة التي وجهتها الجامعة اللبنانية لطلابها جراء قرار مباغت، يقضي بزيادة رسوم التسجيل بنحو عشرة اضعاف، في حين ان الأوضاع المعيشية متقهقرة لذوي مئات عشرات الطلاب. كما ان الشريحة الكبرى من المواطنين وفقا للتقارير الصادرة عن البنك الدولي، باتت ترزح تحت خط الفقر.
بالمقابل، تعتبر الزيادات المفروضة على الطلاب، سواء في التعليم الثانوي الرسمي والمهني الرسمي والجامعة اللبنانية، كضرائب إضافية دون حجّة قانونية، وبالتالي لا تذهب لدعم صناديق المعاهد والمدارس والجامعات، بل تنتهي في إطار المنافع الشخصية.
فالأقساط الجديدة لا تتلاءم مع ظروف زمرة واسعة من الطلاب، الذين كانوا يعتبرون ان الجامعة اللبنانية ستبقى متنفسهم الوحيد، وبخاصة أنها أحد اهم الصروح المعروفة بصواب تعليمها وشهاداتها الموثوق بها والمعترف بها عالميا، الى جانب رسومها المقبولة مقارنة بكلفة التعليم في الجامعات الخاصة.
الجدير ذكره في هذا السياق ان الجامعة اللبنانية هي واحدة من أفضل الجامعات العالمية بحسب تصنيف مؤسسة “QS” البريطانية العالمية المتخصصة في التعليم العالي. وقد احتلت 6 جامعات لبنانية من أصل 8 بين 20 جامعة في المنطقة العربية، المركز الأعلى تصنيفا.
قرار جائر
اعتبر عدد كبير من طلاب الجامعة اللبنانية، ان قرار رفع الرسوم ظالم، خاصة ان هناك فئة تناضل لمتابعة تخصصها الجامعي، كما يوجد قسم كبير من الطلبة يعمل في المقاهي و”السوبرماركات” والمطاعم لتوفير المستلزمات الدراسية وبدل التنقل، وبات من العسير على هؤلاء اليوم دفع الرسوم، في ظل الازمة الاقتصادية الراهنة ودولرة معظم القطاعات الحيوية في البلد.
بالموازاة، رأى البعض ان هذا القرار يأتي من بين المحاولات المتواصلة لضرب القطاع الرسمي بأكمله، وجعل التعليم محصورا بفئة من الارستقراطيين واولاد السياسيين والنافذين دون سواهم.
هكذا ستصبح الرسوم!
في سياق متصل، حدد القرار الجديد رسوم التسجيل في مرحلة الاجازة، للطلاب اللبنانيين بـ 13.5 مليون ليرة لبنانية اي حوالى 150 دولارا اميركيا، و60 مليون ليرة لبنانية أي نحو 670 دولارا للأجانب، فيما أصبحت رسوم مرحلة الماجيستير 18 مليون ليرة أي ما يوازي نحو 200 دولار، اما رسوم مرحلة الدكتوراه فبلغت بالليرة للبنانيين حوالى 22 مليون أي (نحو 245 دولارا)، اما للطلاب الأجانب فحددت بـ 600 مليون ليرة أي (نحو 6.700 دولار).
زيادة عشوائية
على خطٍ موازٍ، رفض عشرات الجامعيين قرار مضاعفة رسوم التسجيل معتبرين “ان الارتفاع المفاجئ سيؤثر في سير انتظام عملية التعلم، كما سيقلّص من اعداد الطلاب بسبب الشظف والضرّاء جراء، الاضطراب الاقتصادي الحالي وغلاء الأسعار وانعدام قيمة العملة الوطنية مقابل سعر صرف الدولار في السوق الموازية. فقد أتت هذه الزيادة نتيجة غياب طرح خطة مالية شاملة تكون إنقاذيه ومدروسة، لذلك تم توزيع الرسوم والضرائب على المواطنين بأسلوب عشوائي، فكانت هذه المرة من نصيب الجامعة الوطنية”.
غضب طالبي واسع!
وفي الإطار، شددت ريهام بحمد وهي طالبة في قسم الهندسة “على ان الزيادة المباغتة على الرسوم ليست الا حلا ترقيعيا”، وسألت: “اين مستحقات الجامعة اللبنانية بملف الفحوص الخاصة بكورونا؟ وماذا فعلوا لتفعيل الإنتاجية في الجامعة اللبنانية من اجل تحقيق موارد مادية إضافية مستقلة، وبالتالي تعزيز الإدارة المالية وترشيد الانفاق”؟ وقالت “لو كان المسؤولون يحرصون على استمرارية وديمومة الجامعة الوطنية كما يدّعون، لرسّخوا من دورها عوضا عن نسفها”.
في السياق نفسه، اكدت ميراي نعمة طالبة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية “ان القرار تعسفي وعشوائي، ولا يصبّ في مصلحة التعليم الرسمي أولا، والشباب اللبناني ثانيا، والمصلحة العامة ثالثا، انما هو من ضمن سلسلة قرارات ممنهجة من قبل وزارة التربية ورئيس الجامعة اللبنانية لتدمير ما تبقى من هذا الصرح”.
ولفتت سما الدهيبي طالبة في قسم الادب الإنجليزي سنة ثالثة “الى ان الجامعة اللبنانية تأسست لتكون شبه مجانية، ولتراعي أوضاع الطلاب من الطبقات غير الميسورة من اجل ضمان حق التعليم للجميع، والذي هو حق شرعي واساسي”. وقالت لـ “الديار”: “الى أي أساس او دراسة او قانون استند المعنيون عندما قرروا رفع رسوم التسجيل؟ فحتى بعد التعديلات التي طرأت على قيمة الرواتب والأجور لا يمكن لرب عائلة يتقاضى 9 ملايين شهريا، ان يسدد فاتورة الكهرباء والماء واقساط أولاده بهذا المبلغ الزهيد، هذا عدا المأكل والمشرب وبدل التنقل”.
وختمت “هذا يدل على ان قرارات الدولة تعسفية والطالب يدفع ثمن سرقتهم وهدرهم وسياساتهم غير المسؤولة منذ سنوات طويلة… والآتي أعظم. فمن المعيب ان تُغطّى خسائر الجامعة على حساب الطلاب، والأولى تحصيل أموال الجامعة اللبنانية المستحقة من شركة طيران الميدل ايست التي تفوق أكثر من 52 مليون دولار، لان هذا المبلغ المنهوب والمهدور يسد عجز الدولة والجامعة اللبنانية معا”.
اما ميرنا نعيمي من قسم علم النفس فأوضحت لـ “الديار” ان هناك طلابا “لن يتمكنوا من التسجيل للعام الدراسي 2023 – 2024، اذ ان شريحة واسعة من هؤلاء يعملون بعد الدوام الجامعي لتأمين مصاريفهم، وأيضا يساندون اهاليهم بالتوازي مع متابعة دراستهم. كما ان 90 في المئة من الطلاب في الأصل يعانون من ظروف مادية خانقة، ورفع الرسوم قد يحول دون مواصلة هؤلاء لتحصيلهم الجامعي”.
في الخلاصة، هذه الرسوم الجديدة الى جانب انها قوّضت المتنفس الأخير للطلاب، تعتبر مجحفة بحق طائفة واسعة من العائلات اللبنانية، التي تتقاضى رواتبها بالعملة الوطنية. فمن حق الطالب اللبناني الحصول على العلم في المدارس والجامعات الرسمية، دون ان يفكر في كيفية تأمين الرسوم، لكن للأسف اهم قطاع في البلد على شفير السقوط، والانذار الأخير سيكون من جهنم التي اوصلنا اليها ساسة هذا البلد وزعماؤه.