في لبنان حطّ مستشار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للطاقة، آموس هوكشتاين، في زيارة سريعة، وزّع فيها رسائله، فيما الإدارة التي يمثلها توزع بارجاتها العسكرية في البحر المتوسط، وتزيد من تغطيتها للجرائم الوحشية التي يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين المحتلة، وجنوب لبنان. لم يخجل هوكشتاين في القول إنه لا يريد لما يحصل في غزّة أن يتمدّد إلى لبنان، مُطالباً الالتزام بالقرار الأممي 1701. لكن ما فاته أن هذه الرسالة بالذات يجب أن توجّه بالدرجة الأولى إلى الاحتلال الإسرائيلي الممعن في الانتهاكات والاعتداءات على اللبنانيين المدنيين، وآخرها كان قصف سيارة وقتل ثلاثة أطفال وامرأة، وهنّ الضحايا اللواتي ودّعهن الجنوب أمس في مأتم حاشد سادت خلاله أجواء الحُزن والغضب.
لم يرشح المزيد عن لقاءات هوكشتاين، التي كانت مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، إلى جانب قائد الجيش جوزيف عون، لكن الزيارة تتزامن مع اتصالات دبلوماسية كثيفة تجري في المنطقة لتحييد لبنان عن الصراع ومُحاولة ضمان عدم توسّع الحرب وتحولها إلى اشتباك إقليمي.
إلى ذلك، عُقد في السرايا الحكومية اجتماع بين ميقاتي والهيئات الاقتصادية، حيث نقل بعد الاجتماع نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش عن أجواء ميقاتي معلومات مفادها أن الاجتماع مع هوكشتاين “كان إيجابياً، لكن الوضع في المنطقة حذر، وثمة قلق من تدحرج الأمور إلى الأسوأ في حال لم يتم وقف لإطلاق النار”.
بكداش أشار في حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية إلى أن “جمعية الصناعيين تعمل على خطّة طوارئ مع وزير الصناعة جورج بوكشيان، والدفاع المدني، وتتواصل مع نقابة الملاحة البحرية وشركات التأمين والشركات المستوردة للمحروقات لضمان استمرار عمل المصانع بالحد الأدنى وتأمين احتياجات السوق المحلي والخارجي في حال اندلاع الحرب لا سمح الله”.
وفي مجال آخر، لفت بكداش إلى أن “الهيئات الاقتصادية بحثت مع ميقاتي ملفات عدّة، أبرزها الموازنة والضرائب الموحّدة، وثمّة اعتراض لدى الهيئات على بعض النقاط والضرائب، وقد تم تشكيل لجنة برئاسة ميقاتي وعضوية نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي وممثلي الهيئات ليتم البحث في النقاط الخلافية”.
في هذا السياق، أضاف بكداش: “لا يُمكن فرض ضرائب على الهيئات الاقتصادية في ظل الوضع الاقتصادي المزري، خصوصاً وأن رفع الضرائب يؤدّي إلى انخفاض القدرة الشرائية، ونمو الاقتصاد غير الشرعي الذي بات يُشكّل 60 في المئة من السوق”.
وطالبت الهيئات، وفق بكداش، ميقاتي بخطط اقتصادية لا مالية، وبتأمين مداخيل الدولة من خلال المؤسسات الرسمية التي تُقفل أبوابها، كالنافعة والعقارية، بدل فرض المزيد من الضرائب على الناس، ووعد ميقاتي بمتابعة الموضوع.
هذا في لبنان، أما في غزّة، فإن الحرب الإسرائيلية التي دخلت شهرها الثاني تستعر أكثر فأكثر مع ارتفاع أعداد الشهداء الفلسطينيين واحتدام الاشتباك البرّي بين الجيش الإسرائيلي وكتائب “القسّام” في غزّة، في حين لا يزال المقاومون الفلسطينيون يُقاومون بشراسة ويُلحقون الخسائر الفادحة بقوّات العدو.
وما كان بارزاً أمس تصريح رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي ألمح إلى إمكانية عقد هدنة إنسانية، حينما قال إن “إسرائيل ستدرس هُدَن تكتيكية قصيرة في القتال في غزة لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية أو السماح بخروج الأشخاص الذين تحتجزهم حركة حماس”، إلّا أن تصريحاته تبقى محط شكوك إلى حين تنفيذها، خصوصاً وأن له كما لإسرائيل تاريخ طويل في نكس التعهدات والاتفاقات.
إذاً، فإن المُحاولات المحلية والدولية لتجنيب لبنان الحرب مستمرّة، ويبدو أن العمل انتقل إلى مستوى أعلى مع تدخّل الإدارة الأميركية مباشرةً، لكن يبقى على المجتمع الدولي، وبشكل خاص الولايات المتحدة، ضمان سلوك إسرائيل لجهة عدم الاعتداء على لبنان ومدنييه.