أشارت “الراي الكويتية” الى ان لم تكن عابرةً الإحاطةُ المتقاطعة، الدولية والأوروبية والأميركية، للواقع اللبناني الذي دَخَلَ مرحلةً اختباريةً جديدةً في ضوء معاودة التعويم، ولو المشروط لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي بعد ما بدا «تنويماً» لملف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت ومَهمة المحقق العدلي القاضي طارق بيطار… حتى «إشعارٍ سياسي» آخَر.
ففي الطريق لاستنئاف الحكومة جلساتها مطلع الأسبوع المقبل، ومن خلف انشداد اللبنانيين إلى العاصفة «هِبة» التي تحوّلت معها البلادُ «جمهوريةَ صقيعٍ» غزت صورُها وسائل الإعلام، مفجّرة أسئلة مخيفة عن كيفية مقارعة المقيمين تحت خطوط الفقر وعلى تخومها (باتوا الغالبية) الموجة القطبية، وهم المتروكون لبؤسهم وأوجاعهم خلف الجدران، ارتسمت محاولةٌ دولية لتأطير «العودة» الحكومية بجدولِ أولوياتٍ ثلاثي البُعد يشكّل في الوقت نفسه «دفتر شروط» للحصول على دعمٍ لمسار الإنقاذ من الانهيار و«جرسَ إنذارٍ» حيال أيّ تلكؤ عن التزام موجباته.
وفي هذا الإطار أعلنت مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان أنها «إذ تأخذ علماً بالخطوات الرامية لعودة مجلس الوزراء اللبناني تحضّ الحكومة على اتخاذ قرارات عاجلة وفعّالة لتدشين الإصلاحات والإجراءات الملحة بما في ذلك سرعة إقرار موازنة 2022 التي من شأنها أن تمهد الطريق للتوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، الأمر الذي يكفل الدعم المطلوب لتجاوز الأزمات على مستوى الاقتصاد الكلي والمالية العامة».
وإذ دعت المجموعة الحكومةَ اللبنانية «إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان إجراء انتخابات نزيهة وشفافة وشاملة في مايو 2022 كما هو مقرَّر، بما في ذلك من طريق تمكين هيئة الإشراف على الانتخابات من تنفيذ ولايتها»، جدّدت «دعوتها لتحقيق العدالة والمساءلة من خلال تحقيق شفاف ومستقل في انفجار مرفأ بيروت»، مطالبة بـ«ضمان احترام استقلالية القضاء».
وسبق ذلك بيان عن بعثة الاتحاد الاوروبي (الاتحاد عضو في مجموعة الدعم الدولية) تضمّن الثوابت نفسها مع تشديد على ضرورة «استئناف الاجتماعات المنتظمة لمجلس الوزراء، من أجل التصدي للأزمات الدراماتيكية التي يواجهها لبنان».
وجاء هذا الدخول الدولي – الأوروبي على الملف اللبناني من بوابة «تحفيزية وتحذيرية» والذي ترافق مع تقارير عن رزمة عقوبات أميركية – فرنسية – أوروبية تم «تذخيرها» وباتت جاهزة لتُفرض على مَنْ يعرقلون إجراء انتخابات 15 مايو المقبل النيابية، غداة إحياء واشنطن العقوبات على «حزب الله» مستهدفة 3 أفراد وكياناً على صلة به، وسط حرص وزير الخارجية أنطوني بلينكن على إعطاء هذا الأمر الذي وضعه في سياق «التضامن مع الشعب اللبناني» بُعداً سياسياً عبر تأكيده أنه بينما يُعاني هذا الشعب «أزمةً اقتصادية تاريخية يواصل حزب الله الانخراط بنشاط غير مشروع وجمْع الثروات على حسابه»، ومعلناً «من الواضح أن حزب الله وشركاءه مهتمّون أكثر بتعزيز مصالحهم الخاصة ومصالح راعيتهم إيران أكثر من اهتمامهم بمصالح الشعب اللبناني».
وربطتْ أوساطٌ سياسية بين الدينامية الخارجية المتجددة المتصلة بالوضع اللبناني وبين المناخاتِ التي عكستْ أن إنهاء الثنائي الشيعي «حزب الله» وحركة «أمل» تعطيل جلسات الحكومة على خلفية التحقيقات في قضية «بيروتشيما»، أتت في سياقٍ يحتمل الطابع «المناوراتي» الذي يجعل انتظام عمل مجلس الوزراء رهْن: أولاً التزام رئيس الجمهورية ميشال عون وميقاتي بجدول الأعمال الذي حدّده هذا الثنائي كشرط للمضيّ بالمشاركة في الجلسات، وهو الموازنة العامة وخطة النهوض وقضايا معيشية.
وثانياً عدم تحوّل حتى هذه البنود فتائل اشتباكات سياسية تتغذّى من تَضارُب الأجندات بين مكوّنات الحكومة ومن «موروثات» الحروب الرئاسية التي لم يعُد بعد جمْرها الى تحت الرماد، وسط خشية دائمة من «عمليات مضاربة» سياسية في لحظةِ تَحَوُّل الانتخابات النيابية الناظمَ لمجمل الواقع الداخلي ولكل خطوة يقوم بها الأفرقاء السياسيون.
واعتبرتْ دوائرُ مُتابِعة أن رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل أعطى، أول من أمس، إشاراتٍ متعاكِسة، أوحى في جانب منها بالأرضية غير الصلبة التي أُخرجت عليها الحكومة من دائرة التعطيل موحياً بتكريس «ربْط النزاع» مع رئيس البرلمان نبيه بري، قبل أن يمهّد في الطريق، للانتخابات النيابية، لـ «خطوط رجعة» مع الثنائي الشيعي في ملف التحقيق بانفجار المرفأ.
فباسيل اعتبر «أن قرار وقف مقاطعة الحكومة خطوة إيجابية ولكن بالتأكيد غير كافية والدستور يعطي صلاحية وضع جدول أعمال مجلس الوزراء لرئيس الحكومة ويتفاهم عليه مع رئيس الجمهورية»، قبل أن يعطي إشارات إلى أن جدول أعمال مجلس الوزراء «غير محصور» وهو ضمَّ إليه «عشرات القرارات المعروفة أنها ملزمة ولازمة لقطاعي الكهرباء والاتصالات وصولاً الى السياسة النقدية واستقرار سعر صرف الدولار».
على أن أوساطاً واسعة الاطلاع استوقفها، في موازاة هذا الكلام واستمرار الهجوم على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة و«السعدنات في تعاميمه العشوائية»، تَطوُّر بارز شكّلتْه أقوى سهامٍ وجّهها باسيل لأداء المحقق العدلي بانفجار بيروت، رغم محاولته الموازنة في انتقاد «المراوحة القاتلة» في هذا الملف بين «التعمد الواضح بمحاولات وقف التحقيقات لجهة إستمرار تقديم طلبات الرد التي لا تتوقف بموضوع كف يد المحقق العدلي»، وبين «عدم الإنتاجية في هذا الملف من قبل التحقيق العدلي حيث هناك شعور بأنه لا يبت بأيّ شيء، وليس هناك تقدم بالتحقيقات».
والأهمّ وفق هذه الأوساط، نقطتان أثارهما رئيس «التيار الوطني»: الأولى طالب فيها «بإصدار التقرير (الفني حول كيفية حصول الانفجار) الذي يسمح لشركات التمويل بأن تدفع التعويضات التي تُقدر بـ 1.2 مليار دولار لأصحاب الحقوق المتضررين في العاصمة بيروت، وبإصدار القرار الظني وإطلاق سراح الموقوفين ظلماً».
والثانية دعوته بإزاء هذه «الاستنسابية» إلى تشكيل «هيئة اتهامية تتابع قرارات كل محقق عدلي حيث تراجع القرارات وتستأنف عندها إذا أخطأ مثله مثل أي محقق آخر، وهذا الأمر يجب أن لا يبقى من دون ضوابط. وهذا الجمود القاتل لا يمكن الإستمرار به ويجب تحريك الملف بأي وسيلة».
واعتبرت الأوساط نفسها أن باسيل لاقى موقف «حزب الله» وأمينه العام السيد حسن نصرالله، الذي سبق أن أصرّ قبل أشهر على كشف مضمون التقرير الفني، مشيراً إلى أن خلاصته أن ما حصل «ليس عملاً ارهابياً»، وهو ما فسره خصومه على أنه استعجال نفي أي مسؤولية لحزبه عما جرى في 4 اغسطس 2020 وإسقاط سيناريو ضربة اسرائيلية لمخازن سلاح له في المرفأ.
وبحسب الأوساط، فإن موضوع الهيئة الاتهامية سبق أن طُرح بعد تعطيل الثنائي الشيعي جلسات الحكومة في 12 اكتوبر الماضي، باعتبار أنه قد يحمل مخرجاً لكف يد بيطار عن ملاحقة السياسيين، ولكن هذا الاقتراح لم يتحمّس له حينها بري أولاً لأنه يحتاج وقتاً، وثانياً لأن العديد من الأطراف والخبراء اعتبروه نوعاً من «الهرطقة» وينطوي على تعقيدات دستورية وقانونية وقضائية.
وتساءلت الأوساط، هل ان باسيل الذي بات «يحسب» كل شيء انتخابياً والذي يحتاج لحلفاء لخوض استحقاق 15 مايو الذي «تُلعب» فيه أيضاً الانتخابات الرئاسية (خريف 2022)، بدأ «يوسّع الكوع» في إطار تسهيل مهمة «حزب الله» لتطبيع العلاقة بينه وبين بري؟
واستحضرتْ الأوساط ما نُقل قبل أيام عن باسيل من إشارات إيجابية برسم الوزير السابق علي حسن خليل (المعاون السياسي لبري والصادرة بحقه مذكرة توقيف عن بيطار) «فهو عامل شغلو في ملف المرفأ»، رابطةً مجمل هذه «الرسائل» بما كان تبلّغه من قيادة «حزب الله» بأن «التحالف مع التيار استراتيجي لكن التحالف مع الرئيس بري وجوديّ».