إستهل الموفد الأميركي «توم باراك» لقاءاته في لبنان يوم أمس كالمعتاد بزيارة القصر الجمهوري حيث تسلّم من رئيس الجمهوريّة جوزاف عون مشروع المذكرة الشاملة لتطبيق ما تعهّد به لبنان منذ إعلان 27 تشرين الثاني 2024، وفقاً لبيان الرئاسة اللبنانية. إنتقل باراك بعدها الى السراي الحكومي للقاء رئيس الحكومة نواف سلام خلافاً للبروتوكول بعد تأجيل لقائه برئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى اليوم نظراً لكثافة المواعيد في عين التينة. الملفت للنظر أنّ التمايز الذي شاءه بري من خلال تأجيل الإجتماع ترافق مع تمايز آخر وهو إعلان بري عن رد خاص على الموفد الأميركي من خارج المذكرة التي تسلمها من الرئاسة اللبنانية.يلاقي إعلان بري عن رد خاص بعد تسليم المذكرة لباراك الموقف الذي أعلنه الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم ـــــ قبل وصول باراك إلى بيروت ــــ والذي اعتبر أن تسليم السلاح مسألة لا تعنيه وهو غير ملتزم بها. فإذا كانت الدولة اللبنانية قد تعهدت بحصرية السلاح دون القدرة على الإلتزام بجدول زمني نتيجة رضوخها لشروط حزب الله، فإن ما سيضيفه بري سيؤدي إلى إفراغ المذكرة من مضمونها بل سيأخذ الإدارة الأميركية الى الإستنتاج التلقائي بأن ما سبق الورقة الرئاسية وما تلاها أهم بكثير من مضمونها، مما يفقد الدولة اللبنانية توازنها أمام المجتمع الدولي. وإذا كان لموقف حزب الله دلالاته المعروفة على المستوى الإقليمي أو على المستوى الداخلي لجهة الإستمرار في القبض على الحياة السياسية، فهل يسعى الرئيس بري من خلال رده المنتظر إلى افتتاح مسار تفاوضي جديد يفضي الى تطبيق القرار الدولي لقاء تنازلات يقدمها الحزب مباشرة لواشنطن، وهل تأخر بري ومعه حزب الله في البحث عن دور جديد للحزب لقاء تسليم السلاح؟
لقد ربط باراك في مستهل المؤتمر الصحفي الذي عقده في السرايا بعد لقائه الرئيس سلام بين عودته الى لبنان وبين ما أسماه عدم استقرار إقليمي في سوريا عبر تأكيده على إهتمام الرئيس ترامب بالتوصل الى استقرار إقليمي وبلبنان كجزء أساس من هذا الإستقرار. وقد يكون في الدور الذي لعبه باراك في إلزام الحكومة السورية بقبول وقف إطلاق النار شامل في السويداء وانسحاب الوحدات العسكرية السورية من المحافظة وتحميل الحكومة السورية مسؤولية ما جرى، ودعوتها لحوار في الجنوب تشارك فيه سوريا واسرائيل وسكان السويداء بالإضافة الى قبائل الغجر، إجابات كافية على العديد من التساؤلات ومحاولات الإستثمار في ما حصل في السويداء ونقل الإضطرابات الى الداخل اللبناني، بما يوفر الفرصة للإلتفاف على التزامات لبنان حيال القرار الدولي 1701 واتّفاق وقف إطلاق النار.
لقد قدّمت العناوين المقتضبة التي أوردها باراك من السراي الحكومي ما يؤكد على خيبة الأمل الأميركية من تهرب الدولة اللبنانية من التزاماتها، وما يدعو للتفكير مليّاً في ما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة من تداعيات. إن اعتبار الموفد الأميركي أن مسألة نزع سلاح الحزب هي مسألة داخلية تجد تفسيرها في تحميل الدولة مسؤولية عدم المبادرة الى ذلك وبالسرعة القصوى، وتقطع الطريق على أي تفاوض يتعلق بالسلاح بشكل مباشر أو غير مباشر مع واشنطن . ويبقى الوجه الخطر لتصنيف السلاح كمسألة داخلية لبنانية في تأكيد باراك أن حزب الله بالنسبة لواشنطن هو منظمة إرهابية لا يمكن التفاوض معها، وذلك من قبيل عدم مناقشة أي شأن لا ينبغي على الحكومة اللبنانية مناقشته. أما التحدي المبطن الذي أطلقه باراك فيكمن في إعلانه أنه لا يمكن لواشنطن إرغام إسرائيل على فعل أي شيء، نافياً أن يكون هناك أي نوع من الضمانات.إن ما يمكن أن يحمله رد بري من اقتراحات بإدخال بعض المهل الى مراحل التنفيذ، وفقاً لبعض المصادر الإعلامية، يراد منها إدخال حزب الله بشكل غير مباشر الى ميدان التفاوض لدى واشنطن بعد الفشل في تسويق الحوار المزعوم كوسيلة لنزع السلاح. إن التفاوض الثلاثي المرجعية الذي تتمسك به الرئاسات الثلاث خلافاً للدستور أفضى إلى فقدانها المصداقية المطلوبة وإلى تفاوض مفتوح متعدد الأطراف يعقده الموفد الأميركي بشكل روتيني مع عدد كبير من المرجعيات السياسية والقادة الروحيين سواء في السفارة الأميركية أو في الصالونات السياسية المفتوحة على مصراعيها.
أجل يأتي رد الرئيس بري على الموفد الأميركي متأخراً، خلافاً للمثل الشائع «أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً» وذلك بعد أن فشل حزب الله مراراً في استدراك اللحظة المناسبة للتفاوض على السلاح. ومما لا شك فيه إن الرد الأميركية على ما سيقترحه الرئيس بري سيكون الطبق الرئيس على موائد الطعام التي ستجمع الموفد الأميركي بأصدقائه اللبنانيين في أكثر من مكان.
العميد الركن خالد حماده – اللواء