“الأنباء” الإلكترونية
أما وأن ضفّتي الانقسام السياسي يمعنان كل على طريقته في إقفال كل الأبواب أمام الحلول الممكنة لانتخاب رئيس للجمهورية، فإنه من الطبيعي جداً أن يعلن بصراحة الرئيس وليد جنبلاط للرأي العام الذي اعتاد عليه واضحاً في كل المحطات، وأن يحمّل المسؤولية للفريقين معاً. واحدٌ لتصلّبه على مرشح دون غيره، والثاني لتعنّته في رفض الحوار، أقله لإسقاط الذرائع من يد الفريق الآخر. صراحة جنبلاط تصف الواقع ليس إلا، صراحة قد تزعج البعض لكن لا ضير في ذلك طالما أن الحقيقة تقتضي الأمانة قولها، وعلى المتضررين من قول الحقيقة، أن يبادروا إلى تصحيح الأداء إذا ما أرادوا نفض مسؤولية التعطيل عنهم.
في هذا السياق تأتي دعوة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى القوى السياسية للتخلّي عن ارتباطاتهم السابقة واعتماد الخيار الثالث، وقد أعادت خلط الأوراق من جديد، بانتظار ما قد يكشف عنه الموفد القطري الذي يواصل لقاءاته مع رؤساء الكتل النيابية بعيداً عن الإعلام، وقد علمت “الأنباء” أنه التقى الرئيس وليد جنبلاط عصر أمس الاربعاء، في وقتٍ أطفأ رئيس مجلس النواب نبيه بري محركاته الحوارية مؤقتاً إفساحاً في المجال للموفد القطري أن يكمل مشاورته، والدفع باتجاه التوافق على شخصية تكون مقبولة من الجميع.
وفي جديد الاتصالات على خط الملف اللبناني، وفي إطار حراك اللجنة الخماسية، استقبل وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان أمس لودريان. حيث جرى استعراض العلاقات بين السعودية وفرنسا، وسبل تكثيف التنسيق في العديد من المجالات، بالإضافة إلى مناقشة تطورات الملف اللبناني، بحسب ما أعلنت وزارة الخارجية السعودية.
وفي السياق، توقّعت مصادر سياسية مواكبة عبر “الأنباء” الإلكترونية أن تكون أجواء الاتصالات التي يجريها الموفد القطري إيجابية لجهة البحث عن مخارج للأزمة الرئاسية، وأملت أن يكون الجانب القطري قادر على إقناع الثنائي “أمل” وحزب الله بالتخلّي عن دعمهم لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية”، لافتةً إلى أنَّ “العقدة تبقى في كيفية الجمع بين ما يرضي الكتل المسيحية الذين التقوا فقط على معارضة وصول فرنجية إلى سدة الرئاسة، ولا شيء يجمع بينهم خارج هذا الإطار، لأنَّ الاسم الذي قد يرضى عليه رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل لن توافق عليه القوات والكتائب”.
المصادر استبعدت أيضاً الوصول لانتخاب رئيس جمهورية من دون توافق أميركي إيراني وسعودي على إنهاء الشغور الرئاسي ووضع القوى السياسية أمام مسؤولياتها، فإمّا الذهاب إلى الانتخابات أو العقوبات، كما لوّح بذلك لودريان.
أمّا في المواقف، فقد أشار النائب عبد العزيز الصمد في حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية إلى أنَّه “إذا لم يتوصل الموفد القطري إلى تسوية ترضي الجميع، فلا حلّ للأزمة الرئاسية، لأن لبنان محكوم بالتوافق، وبذلك إذا لم تتوافق الكتل النيابية على الإسم، فلن يكون هناك رئيس في المدى المنظور”، لافتاً إلى أنَّ “لبنان بلد المفاجآت ويجب أن يتم التوافق رأفة بهذا الشعب المسكين، إذ إنَّ الوضع سيء للغاية”، داعياً لانتخاب الرئيس في أسرع وقت.
وعن دعوة لودريان لاعتماد مرشح ثالث، رأى الصمد أنَّ ذلك يعني أنَّ الوزيرين السابقين سليمان فرنجية وجهاد أزعور أصبحا خارج السياق إلى بعبدا، مستغرباً “تعنّت القوى السياسية بعدم التنازل لمصلحة الوطن والتركيز على مصالحهم الخاصة، وبالأخص القوى المعنية بالملف الرئاسي أكثر من غيرها، ما يعني إطالة أمد الأزمة”.
وإذ شدّد الصمد على أنَّ مجلس النواب هو المكان الدستوري لانتخاب الرئيس، قال: “فليحدّد الرئيس برّي موعداً لجلسة الانتخاب لنذهب وننتخب رئيساً”، متخوفاً “من استمرار النكد السياسي لدى بعض القوى، إذ إنّه الذي أوصل البلد إلى هذا الموقف الحرج”.
من جهته، علّق الوزير السابق فادي عبود على ما يجري بالقول إنَّ “ما يجري بين الموفدين الفرنسي والقطري كما المتفرج الأميركي لا يوحي بوجود حلّ للأزمة”، إذ إنَّ الحوار برأيه يجب أن يكون “في صندوق الاقتراع داخل مجلس النواب”.
وعن الخيار الثالث الذي دعا إليه لودريان، قال عبود “كانت لدينا تجارب مع رؤساء جمهورية عسكريين من أيام الرئيس فؤاد شهاب مروراً بكلّ الرؤساء العسكريين الذين أتوا بعده”، معتبراً أنَّ “هذه الفترة ليست للعسكر، فنحن في فترة حياة أو موت، لذلك نريد رئيس جمهورية يعيد بناء البلد والنهوض بالاقتصاد لإنقاذ لبنان من الانهيار”.
وعليه، لا رئيس في المدى القريب في ظلّ تعليق برّي لمبادرته الحوارية وغياب أي حلحلة قريبة على المستويين الداخلي والخارجي، وتعنّت بعض القوى المحلية وتعطيلها للتسوية برفضها لأي مساعي للحوار، لتبقى الآمال معلّقة على نتائج زيارة الموفد القطري، في وقت أحوج ما يكون فيه البلد إلى رئيس إصلاحي ينتشله عن حافة الهاوية.