رئيس وزراء أردني أسبق ينتقد إتفاقية وادي عربة، وقوانين الإصلاح الجديدة، ويتحدث عن ربيع عربي جديد

Share to:

يدهشك الرئيس الدكتور عبد الرؤوف الروابدة في أنه يعرف تماماً حدوده والمساحة الواسعة التي يمتلك أهلية الخوض فيها، بقدر ما يعرف حدوده وأحجام الآخرين والمساحة التي يمكنهم خوضها دون حرج.

ولذلك يعترف أبو عصام بأنه تجاوز المرحلة العمرية التي تمنحه قابلية أن ينشئ حزباً جديداً، فهو في ثمانينيات الرضا والعافية.
لكنه لا يقبل من الآخرين أن يتهموه، مثلاً، بأنه من قوى الشدّ العكسي التي تريد تفصيل إصلاح منظومة الإصلاح على مقاس إدامة الراهن.

ويفاجئك بأن مهاراته في الذود عن إدارته المعنوية كرجل دولة ذي بصمة ناطقة بصوت مسموع، ما زالت كما هي قبل خمسين سنة، إن لم تكن أضحت أكثر قسوة وأقل إثارة للنكتة،فهو يستخدم في توصيف المسيئين له كل ملكاته الأدبية وهي فائضة ومدبّبة.

يتميّز الرئيس الروابدة أنه، ربما، الوحيد من رجالات الدولة الذين يمتلكون رصيداً متراكماً على مدى خمسين عاماً في البيروقراطية الأردنية، لكونه بدأ صيدلانياً وانتهى الآن ببيت خبرة في وصف العلاجات التي يمكن أن تداوي الإدارة العامة للدولة، ما صغر منها وما كبر. امس وفي صالون السبت الثقافي، فتح ابو عصام قلبه للوطن، فتحدث واسبغ الحديث، وانتقد وفجر العديد من المفاجآت، فقال ما لم يقله غيره من الرؤوساء.

نضال العضايلة اعتبر رئيس الوزراء الاسبق الدكتور عبد الرؤوف الروابدة ان تمثيل المواطنين الاردنيين في البرلمان “مشوه”، موضحا ان التمثيل الي لا يقوم على التعددية الحزبية والاحزاب هو “تمثيل مشوه”.

وبين الروابدة ان الديمقراطية “التي ما تزال افضل ما اخترعه الانسان للحياة على الرغم من بعض سيئاتها” تقوم على التعددية.. وقال: “اذا ما في تعددية سيشوه تمثيل الناس.. الاف القوى تشوه تمثيل الناس. عندما لا يكون لدي احزاب حقيقية يتشوه تمثيل الناس ويتم اللجوء الى العلاقات الانسانية التقليدية .. العشائرية والمناطقية والجهوية والطائفية والدينية والموقعية.. هذه مؤثرة على التمثيل. وايضا فقوة الادارة واجهزة الدولة جزء من النظام الضاغط . وايضا قوى المال جزء من النظام الضاغط”.

وخلص الى ان “تمثيل الشعب لم يعد تمثيلا مثاليا مع سيادة الابعاد المذكورة.. لا يوجد دولة بالعالم تنجح فيها الديمقراطية دون تعددية واحزاب حقيقية وقوية”.

وفسر الروابدة رؤيته بالقول “الديمقراطية هي جزء من نظامنا الدستوري؛ فنظام الحكم الاردني نظام نيابي ملكي، اذا هو يتكون من مؤسسة العرش ومن الشعب الاردني، والشعب يعبر عن نفسه بان يكون له ممثلين”. لكنه استدرك ان المشكلة في غياب التعددية والحزبية الحقيقية.

واستعرض الروابدة، خلال ندوة نظمها “صالون السبت الثقافي: القراءة حياة” مساء اول من امس السبت في مركز الحسين الثقافي براس العين حول كتابع “هكذا افكر: اراء ومواقف” بتنظيم من دائرة المرافق والبرامج الثقافية بامانة عمان، تجارب الاحزاب الاردنية منذ عودة الديمقراطية، معبرا عن عدم تفاؤله بالعمل الحزبي “في ظل تشتته وغياب البرامجية”.

ورغم تاكيده على انه دائما “متفائل ويتمنى النجاح للتجربة الحزبية والتعددية مع القوانين الجديدة”، فانه بقي مترددا بالتفاؤل قائلا “والله لو بدها تشتي كانت غيمت”.

واوضح “الاحزاب لدينا كل منها يمثل اتجاها؛ منها الديني ومنها القومي واليساري وغير ذلك، لكن لا يوجد احزاب برامجية”.

بل وذهب الى ان القوانين الجديدة الموجودة (الاحزاب والانتخاب المعدلين) “اسست لإنفلات حزبي.. وهو انفلات سيستمر.. ومن يعتقد ان الاحزاب التي قامت حديثا ستكون بديلة فاقول “إن شاء الله.. أملي بذلك”!

وتساءل مستنكرا ان كان هناك حاليا حزب اردني لديه برنامج يحل مشاكل الأردن.. “ومشاكلنا معروفة وهي الفقر والبطالة والطاقة والمياه والتعليم والصحة… الخ”.

ورغم تاكيده على اهمية الاحزاب في العملية الديمقراطية فانه لا يرى ان الاحزاب الحقيقية موجودة حتى الان، وثمة عشرات الاحزاب الصغيرة والمتقاربة بالفكر والسياسة ودون برامج او توحيد. لم تنشا في الاردن احزاب سياسية.. ما عندنا احزاب اشخاص.. او اخرى قائمة على ايديولجيات.

بل واقترح ان يكون هناك هيئة مستقلة للاحزاب، لا تقبل ترخيص حزب جديد ان كان هناك حزب قائم يتفق مع المتقدم ببرنامجه، ولتطلب منه الهاب للانضمام للقائم. وقال: “اما ان تكثر عدد الامناء العامين ورؤساء الاحزاب فلن يعمل ذلك عملا حزبيا”.

كما راى ان الحزب الي لا يستطيع ايصال نائب للبرلمان “عليه أن يروِّح”، واوضح ان قانون الانتخاب نص على “عتبة” لتفوز القائمة، “فلو صوت مليونا ناخب مثلا فالعتبة هنا 50 الف صوت يحتاجها الحزب ليوصل نائبا. منْ من احزابنا القائمة يمكن ان يحصل على هذه الارقام؟ الحزب الذي لا يستطيع ان يوصل نائبا للبرلمان عليه ان “يروّح”.. “مش يشتري نائبا بعد ان يفوز الاخير”، وهذا قد حصل سابقا ان احزابا اشترت نوابا بعد نجاحهم.. ليس هذا الهدف . نحن نتحدث عن قدرات الحزب على الارض.. ان يكون قادرا على انجاج نائب.

وردا على سؤال حول ان كان اتخذ قرارا في حكومته وندم عليه، ورأيه في الحكومات والمسؤولين اليوم، قال الروابدة: “لم اخذ قرارا واندم عليه.. قد لا يكون صحيحا من وجهة نظر اخرين لكنني كنت مقتنعا به.. الزلم (الرجال) الذين يأخذون قرارات بناء على ايحاءات انا لست منهم.. القرار الذي لا يعجبني لا اضع توقيعي عليه. اذا وقعت فانا مقتنع فيه وادافع عنه بشراسة”.

ونبه الروابدة متنبئا بان ما حصل عام 2011 (الربيع العربي) “اقترب أن يحصل مثله على مستوى الوطن العربي ككل.. الفارق هو في حجم الانفجار وشكله ووقته”.

واوضح ان “العالم العربي محتقن، لديه حجم كبير من الاحباطات: اولا القضية الفلسطينية احباط كبير بذاته لكل عربي صادق. وصل الاحباط اننا بدانا نعد كم عدد من مات واستشهد.. لم نعد نتحدث عن الامر الاساسي في القضية والاحتلال”.

كذلك عد من الاحباطات المنذرة بالانفجار المقبل “الاحباطات من الفقر والبطالة، فقدان الكرامة الانسانية.. المواطن الذي لا يشعر بكرامته في وطنه لا يدافع عنه، غياب التنمية، غياب الاستراتيجية والفلسفة التي يفهمها المواطن ويصبح جزءا منها ومن دولابها”.

واضاف ايضا ان منها “تغيير القيادات بتسارع خيالي، عدم وجود قيادات الدرجة الثانية والثالثة والرابعة حتى تتولى المسؤولية. انهيار الادارة العامة العربية، وعلى راسها الادارة الاردنية. لم تعد الادارة الاردنية قائمة ولا موجودة. الادارة هي الناقل الحقيقي لفلسفة الدولة وسياساتها الى المواطن. لا يوجد ناقل الان. تحولت القيادات الى موظفين ينتظرون انتهاء الدوام ليعودوا لبيوتهم ويرتاحوا، دخلنا ايضا مرحلة الادارة المرعوبة التي لا تستطيع اتخاذ القرار”.

وزاد “ايضا لم يعد يستطيع العربي ان يقول رايه لان من يتحدث عن رايه ونصيحته يطخون عليه”.

وردا على سؤال حول الموقف الاردني من حركة حماس، التي عملت حكومة الروابدة على اخراج مكاتبها وقياداتها من الاردن قبل عقدين، وان كان يؤيد العودة لفتح لقاءات وحوارات مع الحركة، جدد الروابدة تاكيده بان حماس “حركة جهادية، نقدرها ونقف الى جانبها في صراعها مع اسرائيل.. كلنا الى جانبها. لكن نحن لدينا قرار وطني انه لا يجوز ان يقوم على الارض الاردنية تنظيم غير اردني يقوده اردنيون. ليس هناك دولة في العالم تسمح لحزب ينتسب لدولة اخرى ويقوده مواطنون من تلك الدولة”.

واوضح “كان نقاشنا عند قرار حكومتي انه لا يجوز ان يكون اردني عضوا في تنظيم غير اردني على الارض الاردنية. ان يكون على راس التنظيم في فلسطين او في سوريا او غيرها فهذا حقه”.

وزاد موضحا ان للاردن علاقات طبيعية مع باقي الفصائل الفلسطينية، “كان بيننا مع فتح والجبهتين الشعبية والديمقراطية وغيرها دم ثم اصطلحنا على قاعدة المصير المشترك، فلماذا انا وحماس لا نصل الى ذلك؟!”.

واضاف “ان كل ما قررناه هو اننا لا نسمح بوجود تنظيم غير اردني على الارض الاردنية يقوده اردنيون.. وان سالتني عن سبب ذلك، فاقول لان لهم ارضية.. حزب على الارض الاردنية.. اذا تعاملي يجب ان يكون مع الحزب وليس معك انت كاردني تقود تنظيما غير اردني”.

وشدد الروابدة انه يدعو للتعاون ولعلاقات طبيعية مع حماس “شريطة الحفاظ على الارض الاردنية بان لا يتم اختراقها”. مشيرا الى انه سبق ان وقال امام رجال الدولة انه “اذا اراد قادة حماس ان يعودوا الى الاردن فساخرج لاستقبلهم في المطار لكن على شريطة ان لا يكونوا اردنيين بل فلسطينيين لهم كل التكريم والاحترام والمشاركة بالجهاد.. هذا ما يجب ان نفهمه على بعضنا”.

ودعا للقاءات مع حماس “تكون فيها الصورة واضحة. مثل هذه اللقاءات تتم مع الجبهة الشعبية والديمقراطية وفتح .. ياتون الى عمان، نستقبلهم، يناقشون في كل امورهم وسياساتهم.. اما ان ينزلوا الى مستويات جماهيرية.. في جبل التاج او الصريح او دير السعنة فهذا مرفوض من منطلق سيادي.. لا يجوز لهم خرقه. وقضية فلسطين ليست لهم وحدهم، هي لنا ولهم ولكل الامة العربية والاسلامية، انا شريك في هذه القضية أكسب عندما تكسب واخسر عندما تخسر”.

وزاد “لكن ننسق بطريقة بحيث ان لا ارجع اقسم شعبي الى شعبين.. الوحدات يمثل الفلسطيني والفيصلي يمثل الاردني.. ليس هذا الاردن. الفيصلي للطرفين والوحدات للطرفين”.

واوضح ان هذا المنطق هو الذي نريد التحدث به وبوضوح. وقال “اما من يقول لي انه فلسطيني في الاردن بزعل منه، لكن ان قال انا اردني من اصل فلسطيني اكون مبسوطا منه، عندما تصبح هويتنا واحدة.. وليس هويتين “نتهاوش” عليهما.. لانه حينها سندفع الثمن ايلولا اخر لا سمح الله”.

وخلص الى ان “هذا ما يجب ان نكون واضحين فيه مع شبابنا والاجيال الصاعدة. الهوية الاردنية ارضها الاردن والهوية الفلسطينية ارضها فلسطين”.

وتطرق الروابدة في حديثه الى توقيع اتفاق السلام بين الاردن واسرائيل عام 1994، وكشف انه لم يكن مقتنعا بالاتفاقية، وقال “هل تعتقدوا انني كنت مقتنعا باتفاق وادي عربة؟ لقد وقعته لانه كان ضرورة، لان مصلحة الاوطان ضرورة، والحفاظ على مستقبلها ضرورة، وهذا من مستقرات الشعوب. كما وقعتها لان اخي الفلسطيني وقع قبل ذلك على اتفاقه. نعم لم اكن مقتنعا وزعلانا لكني وقعت لمصلحة الوطن”.

وخلص “هكذا يجب ان نتحدث مع شعبنا ونصدقه القول”.

وكان الروابدة استهل حديثه في الأمسية ما عكسه كتابه “هكا افكر: اراء ومواقف” من تراكم تجربته وتعدد ميادينها, واختمارها خلال ستين عاماً, تغذيها القراءة الواسعة المعمقة. تفصح عن نفسها بدراسات ومحاضرات وخطابات ومواقف برلمانية وعلاقات عربية ودولية. فيها تعبير صريح عن الأردن والأردنيين. يتسع مداها ليشمل التاريخ والجغرافيا والدولة الحديثة والهوية الوطنية والمواطنة والتحديات والإصلاح والديموقراطية والانتخابات والتربية والصحة والإدارة والعمل البلدي, والتاريخ المعاش مع فلسطين, قضية الأردن المركزية, وجرح الأمة النازف.

Exit mobile version