لم يعد النزوح السوري في لبنان موضوع خلاف في وجهات النظر بين القوى السياسية، بل بات ازمة وجودية، ويشكل تحديا على كل المستويات الديمغرافية والمالية والاقتصادية والاجتماعية، وارتباطه حتى بالصراع السياسي الداخلي، بين مؤيد لعودتهم آمنة او طواعية، كما في رفض البعض عودتهم كي لا يقتلهم النظام السوري، وفق مواقف قوى سياسية في لبنان ظنت ودول عربية واوروبية واميركا، بان الرئيس السوري بشار الاسد سيسقط حكمه خلال فترة وجيزة.
فالازمة السورية دخلت عامها الثالث عشر، ولم تقم تسوية لحلها، بالرغم من الاجتماعات واللقاءات بين النظام السوري ومعارضيه، وحصول وساطات عربية واقليمية ودولية، لانه تبين بان ما جرى في سوريا، ليست اسبابه داخلية، تعنى بالاصلاح بل موقع سوريا في محور المقاومة، اذ تزامن وقوع الاحداث في منتصف اذار 2011، مع اندلاع ما سُمي “ربيع عربي”، والذي بدأ من تونس تحت شعار”الشعب يريد اسقاط النظام”، فلم يأت من هذا “الحراك الشعبي”، سوى محاولة اميركية ليحكم “الاخوان المسلمون” في بعض الدول العربية باسقاط انظمتها، واعترفت بذلك وزيرة الخارجية الاميركية السابقة هيلاري كلينتون، تماشيا مع سياسة اميركا في المنطقة، انتاج تحركات شعبية لمطالب محقة تتعلق بالحرية والديموقراطية وحقوق الانسان ومحاربة الفساد وتأمين العدالة الاجتماعية، حيث تلقى هذه العناوين “التفافا شعبيا”، يؤججه حدث امني كبير كمثل اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لبنان، او احراق “ابو عزيزي” نفسه في تونس، او ان اطفالاً تم قلع اظافرهم في درعا جنوب سوريا، وكل ذلك لاحداث فوضى سياسية ودستورية واجتماعية، ينتج عنها اعادة تركيب انظمة سياسية تتماشى مع مشروع “المحافظون الجدد” في الادارة الاميركية، “لشرق اوسط كبير” ترسم من خلال خارطة جديدة للمنطقة، لا سيم في مشرقها العربي، بتقسيم المقسم، وخلق “سايكس – بيكو” جديد.
وهذا المشروع ما زال قائما، وان تعثر في مكان، وان نجح في مكان آخر، وفشل في لبنان اثناء العدوان الاسرائيلي عليه صيف 2006، فانه لم ينته بعد وهو مطروح دائما، وما قالته نائبة وزير الخارجية الاميركي بربارا ليف عن انه سيعاد تكوين لبنان، يدخل في هذا الاطار، وفق ما يؤكد مرجع سياسي مطلع على ما ترسمه واشنطن في مواقع القرار فيها.
من هنا فان النزوح السوري سيكون الورقة التي ستلعبها الدول في لبنان، وكل من زاوية مصلحته، حيث اصبح عدد النازحين السوريين في احصاء رسمي للامن العام، هو مليونين ومئة الف، وهؤلاء مسجلون، في حين ان مئات الالاف دخلوا الى لبنان خلسة ودون اوراق ثبوتية ويبلغون نحو 400 الف ليرتفع العدد الى نحو 2،5 مليون نازح سوري يشكلون 46% من عدد اللبنانيين، وان الرقم قد يصل الى 65% في العام القادم مع تكاثر الولادات، واستمرار تدفق النازحين، وهو ما كشف عنه محافظ بعلبك – الهرمل بشير خضر في سلسلة تصريحات له، بان في قرية واحدة توجد 780 امرأة حامل، وان عدد المخيمات للنازحين في عرسال هو 174 الفا عدا عن المنازل والشقق المستأجرة، ويفوق عددهم الـ 200 الف اضافة الى وجود حوالى 250 محلا غير شرعي، محذرا من ان ازمة اللاجئين ستفجر لبنان اجتماعياً وديمغرافياً واقتصادياً، وايضا ان حوالى 40 عائلة سورية تدخل الى لبنان يومياً، وتتوزع على 3 الاف مخيم في كل لبنان.
وما قاله المحافظ خضر، سبق التحذير منه من جهات رسمية وسياسية، ووضعت خطط للعودة الآمنة والطوعية، حيث كلف بالملف المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، وتمكن من اعادة الاف النازحين طوعيا الى اماكن هم اختاروها، وتجاوبت القيادة السورية مع الطلب اللبناني، اذ كانت عودة النازحين السوريين تسير ولو ببطئ، لكنها خطت خطوات متقدمة، لا سيما في مسألة دقيقة، وهي ان وجودهم ليس دائما، ولن يكون توطينا لهم.
كما ان عودة النازحين السوريين، اهتم فيها وزراء الحزب الديموقراطي اللبناني الذين كلفوا حكوميا بهذا الملف، وفتح قنوات الاتصال مع القيادة السورية، للعلاقة الايجابية وكذلك الاخوية بين رئيس الحزب طلال ارسلان والرئيس بشار الاسد، وكذلك عمل “حزب الله” على ملف النازحين وكلف النائب السابق نوار الساحلي به، وبوشر باعداد لوائح، كما ان”التيار الوطني الحر” كلف الوزير السابق بيار رفول بالملف، وهو الذي عُين منسق العلاقات مع سوريا.
فالاهتمام اللبناني الداخلي بملف النازحين السوريين، اقتصر على حلفاء سوريا، حتى ان الحكومة برئاسة سعد الحريري او نجيب ميقاتي، لم تضع النزوح السوري في اولوياتها، لان كلا منهما قطع علاقته مع سوريا، لا بل ساهم الحريري في تقديم الدعم لما سمي “ثورة”، وميقاتي ساير الجو العربي، ولم يخاصم الاوروبيين في هذا الملف والذي اعترف بان النزوح السوري يشكل عبئا على لبنان، وصارح سفراء بذلك، لكن كانت خطواته بطيئة، وفق مصدر وزاي يتابع الملف.
ومع انشغال اللبنانيين في الاستحقاق الرئاسي، وتطلع الدول المعنية بلبنان، نحو انتخابات رئاسة الجمهورية، فان حدثاً خطيراً وكبيراً ينتظر لبنان، وهو النزوح السوري، الذي يرفض الاتحاد الاوروبي عودتهم، ومعه الامم المتحدة، وبموافقة اميركا وبعض الانظمة العربية، حيث اكد مفوض الاتحاد الاوروبي لادارة الازمات يانير لينار تشيتش، ان النزوح السوري يشكل تحديا للبنان، ولكن ليس هو سبب ازمته المالية وعدم انتخاب رئيس للجمهورية واجراء اصلاحات، وهذه مسؤولية تقع على من هم في السلطة، حيث تنظر المفوضية الى موضوع النازحين من خارج الصراع السياسي، لذلك هي مستمرة في دعم النازحين السوريين، واقرت 60 مليون يورو للعام الحالي لمساعدتهم ويستفيد من المبلغ اللبنانيون الاكثر هشاشة، حيث الاولوية للنازح السوري، الذي تقرر الدفع له بالدولار، وهو ما رفضه وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار، اذ سيتم دفع 45 دولارا للعائلة و20 دولارا للفرد على ان لا يتعدى عدد الافراد الخمسة، وهذا ما ستعمل به مفوضية اللاجئين “بدولرة” المساعدات، بعد ان كانت تدفع مليونين وخمسماية الف ليرة للعائلة ومليون و100 الف ليرة للشخص بالعملة اللبنانية.
وسعى مسؤولون لبنانيون، ان تكون هذه المساعدة في سوريا، فتسهل انتقال النازحين اليها، الا ان رفضا كبيراً جاء من الاتحاد الاوروبي، وتأييدا اميركيا، مع تخاذل لبناني من بعض الاطراف في السلطة وخارجها، وفق تأكيد مصدر وزاري، الذي يشير الى ان المخطط الاميركي – الاوروبي بشأن النازحين السوريين هو رفض عودتهم والسعي الى دمجهم في المجتمع اللبناني، واحداث تغيير ديموغرافي فيه، سيرفع عدد الطائفة السنية على حساب طوائف اخرى، بما يؤثر على الديمغرافيا البشرية، كما على الجغرافيا السياسية، ويتقاطع ذلك مع الدعوة “للفدرالية” الطائفية او الجغرافية.
وخارج الاطار الديمغرافي، فان من بين النازحين احتياطا عسكريا يصل الى نحو 200 الف مقاتل، وبعضه مسلح، وهو ما يطرح ايضا المسألة الامنية، اذ تكاثرت الاحداث المختلفة التي يرتكبها سوريون.