منذ عشرة أيام فُتِحَت «مغارة النافعة». حصيلة المتورطين في قبض رشى وتزوير دفاتر سواقة وتسجيل سيارات ودراجات نارية بلغت أحد عشر موقوفاً حتى اللحظة، بينهم رئيس مصلحة تسجيل السيارات في الأوزاعي وموظفون ومعقبو معاملات وسماسرة، مع معلومات عن تورط عناصر من أحد الأجهزة الأمنية.
طرفُ الخيط كان «تحقيقٌ مسلكي» أجراه كل من رئيسة هيئة إدارة السير والآليات والمركبات هدى سلّوم ورئيس مصلحة تسجيل السيارات أيمن عبد الغفور في ملف يتعلق بتزوير 132 دفتر قيادة. انتهى التحقيق في السادس من الشهر الجاري، لتخلُص سلّوم إلى توقيف المتورطين إدارياً، وتوجيه كتاب إلى مدعي عام التمييز غسان عويدات طلبت فيه إجراء تحقيق. هذه المستجدات أعقبها تغريدة نشرها الزميل في قناة «الجديد» هادي الأمين بشأن دفاتر القيادة المزوّرة. التغريدة تلقّفها جهاز أمن الدولة الذي حرّر مديره العام اللواء طوني صليبا «كتاب معلومات» بفحوى التغريدة ليبدأ الجهاز التحقيقات في 12 من الشهر الجاري، بإشارة من المحامية العامة في جبل لبنان القاضية نازك الخطيب. في المرحلة الأولى من التحقيق، لم يعترف أحد من الموظفين بما يجري. لكن «شاهداً» واحداً يدعى ح. بيضون، وهو صاحب مكتب سواقة، كانت شهادته الركيزة الأولى التي انطلق منها المحققون، بعد منحه حماية كاشفي الفساد بموجب القانون مؤقتاً. ولكن، سرعان ما تبين أنّ الشاهد المزعوم هو نفسه من بين المتورطين. إذ اعترف بأن رئيس النافعة ب. عياد قبض رشى لقاء تمرير دفاتر سواقة مزورة قبل أن يتبين أنّه كان شريكه. «تجمّد» التحقيق هنا من دون أي تقدم يُذكر، فيما اشتُمّت رائحة تورط عناصر أحد الأجهزة الأمنية في الأمر، فأشارت القاضية الخطيب بختم التحقيق لتحيله إلى فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي للتوسع في الاستجواب وإجراء التحليلات التقنية على الأجهزة الإلكترونية وهواتف الموظفين.
أول الموقوفين كانوا أربعة هم رئيس النافعة في الأوزاعي ب. عياد و«معاونه» م. الزعتري والشاهد بيضون والموظفة المسؤولة عن إدخال الداتا على الكمبيوتر س. عودة التي تبين أنّها أدخلت داتا دفاتر القيادة المزوّرة، قبل أن يُخلى سبيلها لاحقاً رهن التحقيق إذ لم يثبت علمها بأنّها مزوّرة، كما لم يثبت أنّها تقاضت أي مبلغ مالي لقاء ذلك، فيما أُحيل إلى وزير الداخلية بسام المولوي طلب لملاحقتها بجرم الإهمال الوظيفي. أما الثلاثة الآخرون فقد تبين وجود شبهات عليهم بجرائم تزوير مستندات رسمية وتقاضي رشى والقيام بأعمال غير مشروعة والتزوير واستعمال مزوّر. وعلمت «الأخبار» أنّ رئيس النافعة أنكر بداية علاقته بالتزوير مدّعياً أنّ التوقيع الموجود على الدفاتر مزوّر. غير أنّ المحققين توصّلوا إلى أدلة تُعزز شبهة تورطه فتقرر توقيفه.
واستدعى المحققون أصحاب مكاتب سواقة وموظفين ومعقبي معاملات وعدداً ممن حصلوا على دفاتر السواقة المشتبه فيها. وبعد الاستماع إلى إفاداتهم، أصدرت القاضية الخطيب قراراً بمنع سفر 8 منهم، فيما تبين أنّ عدداً من المستدعين لم يكونوا على علم بأنّ البيانات المقدمة في المعاملة مزوّرة. وجرى تصنيف الموقوفين لتحديد مسؤولية كل منهم، كما جرت مقارنة الداتا بالداتا الموجودة لدى شركة inkript المتعهّدة لدفاتر القيادة لتحديد حجم التزوير الحاصل.
توسّع ضباط فرع المعلومات في التحقيق ليتفرّع عن محضر التحقيق في تزوير الدفاتر، 12 محضراً جزائياً في جرائم عدة تُرتكب يومياً في مصلحة تسجيل السيارات. إذ بيّنت التحقيقات أنّ عدداً كبير من الموظفين يفرضون على المواطنين دفع مبالغ مالية غير متوجبة عليهم من باب الرشوة تحت طائلة عرقلة المعاملة، ما يدفع أصحاب المعاملات، مكرهين، إلى الدفع لإنجازها في الوقت المطلوب. وعلمت «الأخبار» أنّ بين هذه المخالفات، تسجيل سيارات ودراجات نارية من دون وجود أصحابها ومن دون مراعاة الشروط المطلوبة، تمرير سيارات لمواطنين من دون الكشف عليها لقاء قبض مبالغ مالية، لجان فاحصة تزوّر النتائج ليتحوّل الراسب في امتحان القيادة إلى ناجح، فضلاً عن وجود عدد من معقبي المعاملات الذين يعملون من دون ترخيص. وكشفت التحقيقات أنّ المبالغ التي كانت تُدفع لقاء كل معاملة تتراوح بين 100 دولار و500 دولار.
سبحة التوقيفات كرّت. وإضافة إلى الموقوفين الأربعة، أصدرت القاضية الخطيب أمس قراراً جديداً بتوقيف سبعة موظفين آخرين تبين ضلوعهم في عمليات التزوير وقبض الرشى. كما تكشّف وجود إما إهمال كبير أو اشتراك في الفساد. وتوصّل المحققون إلى وجود إثراء غير مشروع بآلاف الدولارات التي يجنيها الموظفون جراء استغلال وظيفتهم من دون أي رقابة.
تسجيل سيارات ودراجات نارية في غياب أصحابها ومن دون الكشف عليها
بالتزامن مع التحقيقات الدائرة، تنشط الوساطات لوقف التحقيق أو حماية أحد المشتبه فيهم. وعلمت «الأخبار» أنّ عدداً من طلبات الملاحقة أرسلت إلى وزير الداخلية، لكن لم يُعرف مصيرها بعد. يتزامن ذلك مع تواري عدد من الموظفين. وفي هذا السياق، استُدعي أحد الموظفين في نافعة الأوزاعي غير أنه توارى عن الأنظار بعد إقفال هاتفه. كما عمدت إحدى الموظفات، وهي ابنة مسؤول حزبي، إلى التواري عن الأنظار بعد إقفال هاتفها من دون أن تلبي طلب استدعائها للتحقيق. وكشفت مصادر مطلعة أنّ ضباط وعناصر فرع المعلومات باتوا ينفذون الطلبات القضائية بالإحضار بحق المشتبه فيهم خشية فرارهم.
لم ينته التحقيق بعد، لكنه أدى إلى وقف العمل جزئياً في مصلحة تسجيل السيارات في الأوزاعي جراء توقيف عدد كبير من الموظفين. وقد أحيل القسم الأول من الملف إلى قاضي التحقيق في جبل لبنان نقولا منصور قبل أيام من دون أن تُعرف الوجهة التي سيسلكها. هل ستتدخل السياسة لتُعطّل عمل القضاء وتوقف التحقيق كما حصل سابقاً قبل سنتين؟ وهل سيتعامل قضاة التحقيق بالجدية التي تتعامل بها النيابة العامة أم سيكونون مساهمين في وأد هذا الملف بالتواطؤ مع أهل السياسة مجدداً؟