يرتفع منسوب الحركة السياسية المرتبطة بالاستحقاق الرئاسي. فيما تبقى التفاصيل الحكومية والخلافات المستجدة أو المتجددة، في إطار التجاذب الذي يحصل في الربع الساعة الأخيرة قبل تشكيل الحكومة، خصوصاً أن هناك قراراً خارجياً وداخلياً يقضي بوجوب تشكيلها، لتكون أصيلة وقادرة على تسلّم صلاحيات الرئيس. بينما كل المطالب أو الشروط تندرج في سياق تحسين كل طرف لموقعه ولمكاسبه. وعلى وقع هذه المساعي المبذولة، جاءت دعوة رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى جلسة انتخاب الرئيس يوم غد الخميس.
اعتبارات برّي
أراد برّي بهذه الخطوة ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. أولاً، إزاحة مسؤولية تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية عن كاهله، وتوجيه الدعوة في ظل عدم حصول أي توافق. فبذلك يكون قد أرضى القوى المسيحية، وخصوصاً البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي كان قد أعلن يوم الأحد في عظته أن تأجيل انتخاب الرئيس بانتظار التوافق يؤدي إلى تقويض دور المسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً، وتقويض موقع ودور رئيس الجمهورية. ثانياً، يثبت برّي للجميع أن إنجاز الاستحقاق الرئاسي يرتبط بحصول التوافق بين أكبر عدد من الكتل النيابية، لأن لا أحد سيكون قادراً على فرض مرشحه، ولا قدرة لتكرار تجربة الخمسة وستين نائباً كما حصل في انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه، خصوصاً أن انتخاب الرئيس يحتاج إلى حضور ثلثي أعضاء المجلس، وبالتالي من يمتلك الثلث بإمكانه التعطيل.
ثالثاً، تأتي دعوة برّي على وقع الشروط المتبادلة التي يتم فرضها حول تشكيل الحكومة، وهو بذلك يمسك بالأوراق المختلفة: تشكيل الحكومة وجعل المجلس النيابي هيئة تشريعية بالتزامن مع فتح الدورة الانتخابية. لا سيما أنه في موقفه بذكرى الإمام موسى الصدر كان واضحاً بأن المجلس سيد نفسه، وهو صاحب الصلاحية في تفسير الدستور، كردّ على كل محاولات خلق صراع دستوري حول الصلاحيات.
مسار مفتوح
عملياً، شكل الدفع الخارجي عنصراً أساسياً من عناصر إقرار الموازنة. وهذا الدفع هو الذي جعل النواب الذين أفقدوا نصاب الجلسة السابقة اعتراضاً على الموازنة، أن يحضروا جلسة الإثنين لإقرارها. هذا الدفع له ما يرتبط به خارجياً أيضاً بمسار تشكيل الحكومة، ووفق معايير رئاسية لا تزال غير واضحة أو غير ناضجة حتى الآن. لكن يمكن الحديث عن مسار أصبح مفتوحاً، سواء بعد البيان السعودي الفرنسي الأميركي المشترك، والذي حدد مواصفات المرحلة ومقتضياتها، أو بكلام وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، حول انتخاب شخصية تكون مقبولة وقادرة على استعادة الثقة، وصولاً إلى الحركة التي سيستمر بها السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، والذي سيلتقي بحزب الكتائب والنواب المستقلين وسمير جعجع تباعاً، بعدما كان قد التقى وليد جنبلاط والنواب السنّة. وهذا مسار سيستكمل أيضاً في المرحلة المقبلة تمهيداً لعقد لقاء جامع لهؤلاء، بغية الاتفاق على إسم أو على مواصفات.
على الخطّ الرئاسي أيضاً، تبرز زيارة وليد جنبلاط إلى فرنسا، حيث من المفترض أن يلتقي بعدد من المسؤولين الفرنسيين المهتمين بالملف اللبناني، وذلك للبحث في ما يمكن القيام به على خط إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وكيفية توفير ظروف التوافق في الداخل على شخصية تكون قادرة على الجمع وعلى تحصيل أصوات من مختلف القوى، ولا تكون مستفزة لأحد.