واضح كقرص الشمس كان كلام أمين عام حزب الله حسن نصرالله… منذ البداية أراد إيصال رسالتين مفادهما: رأس القوات وتسطير مضبطة اتهام وجاهية بحق “القواتيين” وإيكال أمر تنفيذها إلى “الدولة والمرجعيات الروحية المسيحية والمسيحيين عموماً”، لينتهي بـ”نصيحة”: “اقعدوا عاقلين وتأدبوا وخذوا العبرة من حروبنا وحروبكم”. حتى أنه ذهب إلى محاولة احتضان المسيحيين تحت سقف أمنه فكان أن طالبهم “بالوقوف في وجه جعجع” إذا أرادوا المحافظة على أمنهم الوجودي وسلمهم الداخلي”.
اما الرسالة الثانية فوجهها إلى قاضي التحقيق العدلي في جريمة تفجير المرفأ طارق البيطار حيث جدد موقف “حزب الله” المطالب بتنحية “الديكتاتور” بحسب توصيفه لأنه يعتبر أنّ “العالم كله معه والرأي العام معه” وليختم بتهديد مباشر”: “الوقت انتهى شوفوا شو بدكم تعملوا لأنّ الاستمرار على هذا الحال لا يخدم البلد واستقراره”.
تحت هذا السقف فجر نصرالله ما كان يفترض أن يترجمه الثنائي الشيعي يوم الخميس الأسود والذي تحول إلى “مجزرة الخميس” في أجندة الحزب. فهل أراد من خلال نبش القبور التأكيد على كون “حزب الله” هو ضمانة الوجود المسيحي في لبنان والمنطقة، مستذكرا “تفاهم مار مخايل” مع “التيار الوطني الحر” لكونه يحمي المناطق المسيحية ويحصّل الحقوق للمسيحيين رئاسياً ونيابياً وحكومياً؟ وما هو موقف التيار الوطني الحر من خطاب نصرالله الذي وضع الأمور على حافة الإنفجار من خلال التجييش والتحريض وبعدها “لكل حادث حديث”؟
قبل كلام نصرالله قالها النائب في تكتل لبنان القوي أسعد درغام “لو أردنا أن نقلب الموضوع ماذا لو دخل أبناء عين الرمانة إلى الضاحية، هل كانوا سيخرجون أحياء؟”. فهل لا يزال لسان حاله نفسه؟ “أنا كنت واضحا وشفافا وأكرر أننا لا نرضى بلغة الإستفزار في الشارع والتهديد أيا يكن مصدره” يقول اليوم. وبلسان كتلته النيابية يعلق على خطاب الأمس لـ”المركزية” بالقول: “كلام نصرالله لا يندرج في إطار المواقف السياسية إنما استعراض واقعي ومنطقي لما جرى على الأرض”.
فهل يجوز ذلك قبل صدور نتائج التحقيقات؟ “الوقائع ارتكزت على محاولة القوات اللبنانية استغلال الحادثة وكأنهم يدافعون عن حقوق المسيحيين”. وجال درغام على محطات من دفاتر الحروب التي خاضتها القوات “من معركة شرق صيدا وحرب الجبل ومساندة المعارضة السورية. كل هذه التحالفات والحروب أدت إلى هجرة المسيحيين فهل يكون أخطأ نصرالله في كلامه؟”.
ويضيف: “في كل الأحوال التحقيق في عهدة جهاز المخابرات ولنا ملء الثقة به. لكن في الإنتظار نوجه أصابع الإتهام إلى القوات على خلفية التصريحات وما حصل بالتالي على الأرض”. ويجدد قوله “نحن لا ننبش القبور إنما نريد أن يتعلم الآخرون من تجارب الماضي”.
من تجارب الماضي غير البعيد واقعة 7 أيار وهجمة القمصان السود على المتظاهرين في ساحة الشهداء وأحداث خلدة وشويا ، فهل تكون صيفا تحت هذه العناوين وشتاء عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن النفس كما حصل مع أبناء عين الرمانة؟ “ما حصل أمر مستفز وغير مقبول. لكنه لم يكن يستدعي ارتكاب مجزرة بحق مدنيين وهذا ما أراد أن يقوله السيد نصرالله، يضيف درغام، في الأمس قلتها وأكرر لو نزل شبابنا إلى الخندق الغميق لكانت المواجهة بنفس الشراسة. الإستفزاز مرفوض من الطرفين وأؤكد رفضنا النزول إلى الشارع مع أحقية التظاهر سلميا”.
وفي إشارة واضحة إلى أنّ “حزب الله” هو من سيتولى تنفيذ مهمة “محاكمة القوات” لأنه “لا يترك دماء شهدائه على الأرض” كانت النصيحة: “كتوب عندك، لتعمل حساباتك صح إذا بدك تعمل حرب أهلية، نحن لدينا فقط في الهيكل العسكري من دون الأنصار والمؤيدين والكشاف والهيئات، 100 ألف مقاتل مدربين ومنظّمين ومسلّحين من أصحاب التجربة لو أشير لهم بأن يحملوا على الجبال لأزالوها (…)”. فكيف يفسر النائب درغام عملية تمزيق صورة الرئيس الشهيد بشير الجميل عند مدخل الحدث؟ رد فعل طبيعي أو استفزاز لإشعال الشارع؟ ويجيب: “هذه الحادثة مرفوضة. بشير الجميل ليس ملك القوات إنما هو رمز لكل من آمن ولا يزال بالسيادة والحرية والإستقلال وتاريخه يشرفنا”. ويختم مطمئنا المسيحيين “كلام نصرالله ليس تهديدا للمسيحيين. على العكس عليهم أن يطمئنوا لأنه أراد من خلال عرض الوقائع أن يثبت وجودهم وترسخهم في الأرض فلا يكونوا مشروع تهجير جديد على غرار مسيحيي فلسطين والعراق وسوريا. والضمانة الوحيدة لبقاء المسيحيين هو الإستقرار وليس الإستفزاز والخطابات التحريضية وغزوات على غرار ما جرى في الطيونة –عين الرمانة”.