يمكن للقاء النواب السنّة في دار الفتوى يوم السبت الماضي، وما تلاه من اجتماع لعدد منهم في دارة السفير السعودي، أن يشكل منطلقاً لحركة سياسية جديدة تقارب غالبية الاستحقاقات المقبلة بدءاً من انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
مضمون البيان الصادر عن لقاء دار الفتوى يحدد العناوين العريضة لهذه الحركة. إذ ارتكز على مقومات الجمع لا التفريق، لا سيما أن المُراد من البيان كان الحصول على إجماع النواب السنّة المشاركين في اللقاء. أما في دارة السفير السعودي، حيث حضر 20 نائباً سنياً من أصل 27، فلا بد له أن يطلق مساراً سياسياً غايته استعادة التوازن السياسي.
مظلّة جديدة
هناك من يعتبر أن اللقاء جيد بمجرد اجتماع 24 نائباً في دار الفتوى، بغض النظر عن الاختلاف في تصوراتهم السياسية، فالغاية منه إعادة إحياء الوزن السياسي للطائفة. كما هو الحال بالنسبة إلى الاجتماعات التي تعقدها بكركي للقوى السياسية المسيحية المختلفة. هي محاولة لصنع موقف يتمسك بالطائف والدستور، وليس الهدف استفزاز الآخرين وإن كانوا خصوماً. بذلك يسعى السنّة إلى صناعة مظلّة جديدة ذات سقف سياسي واضح، بدلاً من البقاء في حالة تشتت أو غياب عن التأثير. ومن هذا اللقاء قد تتفرع لقاءات أخرى لنواب يلتقون مع بعضهم البعض على العناوين السياسية. بذلك تصبح الدار مقصداً لكتل نيابية متفرقة أو مختلفة في طروحاتها، كما هو الحال بالنسبة إلى الدور الذي تضطلع به بكركي. وتسعى كل كتلة أو مجموعة نواب إلى تحصيل غطاء الدار. يبقى الشرط الأساسي مرهوناً بنقطتين، استمرارية مثل هذه اللقاءات بالنسبة إلى المشاركين فيها، وثانياً التأسيس لحركات سياسية جديدة أو تنظيمات خارج النطاق الديني، وهو ما يحاول طرحه عدد من نواب التغيير.
بين الدار والسفارة
نجحت دار الفتوى في إصدار بيان ينطوي على موافقة ضمنية من جميع النواب من مختلف التوجهات السياسية، وإن حصل تحفظ من قبل البعض كنائبي حزب الله ملحم الحجيري وينال الصلح حول البند رقم 5 من المقررات، الذي يتحدث عن عدم التعرض للدول العربية بأي إساءة، فيما الشائبة الأخرى ترتبط بعدم التبني الواضح من قبل بيان الدار للقرارات الدولية والإلتزام بها، أي القرارات 1559 و1680 و1701، فيما تمت الإشارة فقط إلى القرارات الدولية التي تدين الإحتلال الإسرائيلي. هذا أضعف قوة البيان بالنسبة إلى البعض من معارضي حزب الله. إلا ان هدف دار الفتوى كان حصول إجماع بدلاً من استفزاز طرف معين.
شيء من التعويض السياسي لتلك المقررات جاء من الاجتماع الذي عقد في دارة السفير السعودي، والذي لم يخرج ببيان واضح، إنما كانت فيه المداولات بغاية الوضوح، لا سيما بالسقف السياسي المرفوع والمداولات التي حصلت، على الرغم من حضور عدد من نواب قوى الثامن من آذار، كنائبي الأحباش، وحسن مراد وقاسم هاشم. في المداولات شن بعض النواب هجوماً على إيران وحزب الله، فيما كان موقف السفير السعودي واضحاً بأنه لا يمكن للبنانيين إلا أن يساعدوا أنفسهم، كي تتمكن الدول من مساعدتهم، وأن السعودية ملتزمة بمواقفها وثوابتها حيال لبنان، والدليل البيان الصادر عن اللقاء الثلاثي الأميركي الفرنسي السعودي. كما شدد على أن السعودية لديها استراتيجية واضحة، وكانت قد وضعت برنامجاً لأكثر من عشرين اتفاقية تعاون واستثمار، إلا أن الحكومة هي التي أعاقتها. وإعادة احيائها تتطلب استراتيجية سياسية واضحة.
الحركة السعودية
تعتبر مصادر متابعة أن حركة البخاري في هذه المرحلة، ستحوِّل السعودية إلى لولب الحركة في لبنان وليس الفرنسيين. وهذا قد حصل بعد انتزاع السعودية لموقف دولي واضح تجلى في البيان الثلاثي الذي صدر عن أميركا، فرنسا، والسعودية. وبهذه المعادلة تريد السعودية أن تكون هي الطرف الأكثر تأثيراً. يأتي ذلك لتجنّب سابقة انعدام التنسيق الديبلوماسي للدول المهتمة بالساحة اللبنانية في العام 2016، ما أدى إلى انتاج تلك التسوية الرئاسية.
هذ المسار الذي انطلق لا يبدو أنه سيتوقف عند هذه النقطة، لا بل يقتضي أيضاً -وفق ما تقول مصادر متابعة- أن يتم عقد لقاء سياسي موسع لعدد من الكتل والأحزاب إلى جانب عدد من النواب السنة، كالحزب التقدمي الإشتراكي، القوات اللبنانية، حزب الكتائب، ونواب مستقلين. وذلك للبحث عن فرص التوافق فيما بينهم على مرشح معين لرئاسة الجمهورية.