“يتقاضى سوبرماركت حرقوص في خلدة نسبة 8 في المئة إضافية من قيمة المشتريات اذا ما اشترى المستهلك عبر البطاقة المصرفية”، ما إن غرّد عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي صادق علوية بهذه العبارة على تويتر حتى توالت التعليقات من المواطنين “الطافح كيلهم” من ممارسات المحال التجارية والسوبر ماركت، ليتبيّن أن نسبة اقتطاع المتاجر من المواطنين الذين يسددون فواتيرهم ببطاقاتهم المصرفية تصل إلى 10 و12 في المئة لدى البعض، بما يشبه عمليات اختلاس أو سطو علني على حقوق المستهلكين.
فوضى البطاقات المصرفية
ليست سوبر ماركت حرقوص وحدها مَن يقتطع عمولات من حسابات المواطنين على فواتيرهم، فهذا حال معظم السوبر ماركت والمحال والمؤسسات التجارية التي تتيح للمستهلكين الدفع بالبطاقات الائتمانية. فمتجر City star في منطقة الجناح في بيروت يقتطع النسبة عينها و Minimall في النبطية، حتى محال الألبسة والعلامات التجارية والفرانشايز (الامتيازات) من بينها Mike Sport تقتطع نسبة 8 في المئة من الفواتير، ولا تستثني بعض المطاعم من العملية. فـ chopsticks يقتطع 10 في المئة من فواتير زبائنه، ومصففو الشعر والمزينين أيضاً لا يوفرون زبوناً إلا ويكبدونه نسبة مئوية من فاتورته.
أما الطامة الكبرى ففي رفض مئات وربما آلاف المؤسسات تحصيل فواتيرها عبر البطاقات الائتمانية أو التحاويل المصرفية، خصوصاً في مناطق الأطراف كالشمال والبقاع. وقلة قليلة من المؤسسات تتيح لحاملي البطاقات التسوق عبرها مع اقتطاع نسبة مئوية من حساباتهم، حتى الجامعات لم تتأخر عن ركوب موجة التجار. فبعضها يفرض عمولة تصل إلى 12 في المئة على الطلاب الذين يسدّدون أقساطهم بالبطاقات المصرفية أو التحويلات.
باختصار بلغت الفوضى مداها في كافة القطاعات حتى باتت أسعار الليرة اللبنانية متعدّدة كما الدولار. ليس هذا فحسب بل بات تسعير الليرة يخضع لمزاج صاحب المتجر أو المؤسسة، وكما الدولار الفريش (النقدي) والدولار المصرفي (اللولار) وصلت البدع المصرفية إلى تسعير الليرة الفريش باختلاف عن الليرة المصرفية (البيرة)، وهي تسميات وإن كانت غير علمية ولا قانونية إنما باتت واقعاً يتغاضى عنه القضاء ويغذيه مصرف لبنان وجمعية المصارف.
ممارسات “متخلفة“
لا يمكن أن تستعيد الأسواق نشاطها والليرة عافيتها ما لم يُحسن استخدام البطاقات المصرفية أو البطاقات الائتمانية أوdebit card، يقول الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود في حديثه إلى “المدن”. فنسب العمولة في نقاط البيع بين 8 و10 و12 في المئة لم تحصل في العالم. وعندما بدأ العالم باستخدام البطاقات كان يضع عليها عمولة بنسب قليلة جداً تتراوح بين 1 و2 في المئة، لكن في المقابل كان صاحب البطاقة يتلقى حوافز مقابل نسبة استعماله البطاقات. أما النسب العالية فلا تجوز وهي غير مقبولة ولا يمكن استمرار الأسواق بهذا التخلف من الاستعمال.
ويستغرب حمّود هذه الممارسات في حين أن كل المساعي حالياً تتجه نحو الأسواق الرقمية، بحيث تكون كافة العمليات المصرفية مجانية ومن دون تكلفة. وحتى البنوك العادية في العالم بدأت تحل مكانها البنوك الرقمية بهدف تخفيف العمليات المصرفية. أما نحن في لبنان فنرسخ التخلف بعمليات غير منطقية وبعمولات هائلة تخفف من الاستخدامات الرقمية. ويدعو قسم الـ customer protect أو حماية العملاء التابع للجنة الرقابة على المصارف إلى التحرك ومعه حاكمية مصرف لبنان التي يجب أن تصدر التعاميم والتوضيحات والتعليمات لوقف العمل بهذه العمولات فوراً، “فلا يجوز فرض عمولات من دون توضيح ووضع آلية لكيفية استخدام البطاقات المصرفية ولا تحفيز نقاط البيع لقبول بطاقات الائتمان”.
غير قانونية
وبصرف النظر عن خلفيات التجار لاقتطاع عمولات مرتفعة جراء استعمال البطاقات المصرفية، فما مدى قانونيتها؟ يوضح علوية، وهو باحث قانوني، في حديثه إلى “المدن” أن ممارسات التجار تلك مخالفة لقانون حماية المستهلك ولأصول بيع الحاصلات والسلع، ويستغرب كيف يمكن للمصارف منع الموظفين الموطنة رواتبهم من سحبها شهرياً بهدف تشجيعهم على إنفاقها عبر البطاقات المصرفية في نقاط البيع، في حين أن البطاقات تخضع لعمولات مرتفعة جداً. فكيف يمكن وضع المواطنين بين خيارات جميعها تنتقص من حقوقهم. وحتى مصرف لبنان يعمل على تحويل جزء من ودائع الناس الى حسابات لاستعمالها عبر البطاقات المصرفية بموجب التعميم 158.
لم تعد ممارسات المصارف مقبولة، ومنها تمنعها عن سداد رواتب العاملين في المؤسسات التجارية والطلب إليها تأمين السيولة، يقول علويّة، مطالباً وزير الاقتصاد بحسم هذه المسألة ووضع حد لهذه المؤسسات بعدم جواز تقاضي أية نسبة إضافية من قيمة المشتريات، اذا ما اشترى المستهلك عبر البطاقة المصرفية، وإلزامهم بالتالي بقبول البطاقات المصرفية وعدم فرض أي مؤسسة على المواطن الدفع نقداً.
لتحفيز نقاط البيع
ويختصر حمود تداعيات تلك الممارسات المتمثلة باقتطاع نسبة مئوية من الحسابات المصرفية بالليرة في حال استخدام البطاقات المصرفية، لأنه “ما لم يتم تحفيز نقاط البيع فلن تتمكن الأسواق من التعافي ولن تستمر المحال بقبول البطاقات المصرفية، وهذا الأمر أساسي جداً في رحلة النهوض” يقول حمّود، ولا يمكن استخدام الودائع وتدويرها بالأسواق من دون حل هذه الازمة.
ويتجه مصرف لبنان والمصارف إلى تشجيع العملاء أو إلزامهم استخدام البطاقات المصرفية في إطار إعادة جزء من الكتلة النقدية بالليرة المتوفرة بالسوق إلى القطاع المصرفي تجنباً لدولرتها. وعادة ما تتم إعادة الليرة إلى القطاع المصرفي عبر أحد اتجاهين: إما عبر البطاقات المصرفية أو عبر الشيكات المصرفية، ونظراً لكون الشيكات تستلزم وقتاً لإتمام عملية تحصيلها في حين أن البطاقات يمكن تحصيلها مباشرة أونلاين، يتجه الجميع الى البطاقات وليس الشيكات. من هنا يجب أن يتركز الاهتمام بكيفية استعمال تلك البطاقات تفادياً لتوجه الليرة النقدية إلى الصرافين. وما يحصل أن البنك المركزي يحاول سحب الكتلة النقدية الورقية من السوق ومن غير المقبول أن يمنع الناس من استعمال ودائعهم في معيشتهم. فلا خطة لدى المركزي كما يبدو لتنظيم كيفية استخدام البطاقات المصرفية.
وإذ يرى حمّود أنه يجب على البنك المركزي أن يكون على اطلاع على كيفية استخدام تلك الأموال بموجب البطاقات المصرفية، يوضح أنه لتفعيل الإقبال على استعمال البطاقات يجب أن يتم تحفيز نقاط البيع وذلك عبر آليات واضحة ترتبط بتنظيم المركزي آلية بيع الدولار للتجار. بمعنى آخر حين يبيع البنك المركزي الدولار للتجار على سعر منصة صيرفة بنحو 14000 أو 15000 ليرة أو غيرها، يجب حينها أن يستحضر التاجر الليرة نقداً. من هنا يفرض التاجر على الزبون في حال استعمال البطاقة عمولة عالية لأنه يضطر إلى استبدالها بالنقدي، وهذا ما يحصل بالشيكات. فهي تباع بنسب أقل كثيراً من قيمتها الحقيقية والسبب أن الجميع يحتاج الى النقد للشراء من المنصة، أين يبدأ الحل؟
يبدأ الحل بحسب حمود في فتح مصرف لبنان المجال أمام التجار وعموم الزبائن لشراء الدولارات عبر المنصة بنسبة 50 في المئة كاش والباقي عبر تحاويل من حسابات مصرفية أو عبر حسابات تُفتح خصيصاً لتبين مدى تحصيله من البطاقات الائتمانية في نقاط البيع. وهكذا يمكن تحفيز نقاط البيع وبالتالي تشجيع استخدام البطاقات المصرفية.