كما كان متوقعاً، انطلق العام الدراسي في المدارس والثانويات الرسمية وسط إرباك وتخبّط كبيرين نتيجة التعاميم الضبابية والمتأخرة لوزارة التربية، وعدم امتلاك المناطق التربوية الأجوبة عن كثير من تساؤلات المديرين والأساتذة.
فقد ترجم كل منهم التعاميم على هواه وبطريقته، فمنهم من تفرّد باجتهادات شخصية مثل اعتماد «واتساب» أو «زووم»، فيما لم يتسلّم الأساتذة حتى الآن أرقام الحسابات لولوج المنصات التعليمية في المدارس المقفلة والمدارس المعتمدة كمراكز لإيواء النازحين التي ستعتمد خيار التعليم عن بعد، علماً أن الأعمال الإدارية لم تكن قد أنجزت قبل أن تضع الحرب أوزارها، وضعف الإنترنت كشف عورة التعليم «أونلاين» منذ اليوم الأول.
وبحسب روابط الأساتذة، التزم معظم المعلمين بقرار عدم العودة الى التعليم ريثما ينجلي مصير بدل الإنتاجية وشكل التعليم «أونلاين»، نافية أن تكون نسبة الحضور التي تحدثت عنها الوزارة دقيقة. فمصادر رابطة أساتذة التعليم الثانوي قالت إن النسبة لا تتجاوز 20 في المئة في أحسن حالاتها. وبدا لافتاً كلام الروابط عن تهديدات تلقاها أساتذة من مديرين بتسطير استجوابات بحقهم إذا لم يلتحقوا بالتعليم، ما دفع رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي إلى إصدار موقف أكدت فيه أنه «لا التحاق ولا تعليم قبل إصدار جدول واضح ببدل الإنتاجية»، محذّرة من «التهويل على الأساتذة بالاستجوابات لأن هذا لا ينفع». وأكدت رابطة التعليم الأساسي، في بيان، «أننا على استعداد للمباشرة بالتدريس اليوم قبل الغد بعد صدور جدول بدل الإنتاجية»، رافضة أيّ نوع من أنواع التهديد أو الضغط الذي يمارسه المديرون من أجل ثني الأساتذة عن موقفهم.
البارز، أمس، كان إعلان الوزارة أن 50 في المئة من المدارس الرسمية بدأت تعلّم حضورياً وأن 185 ألف طالب تسجّلوا الآن، في محاولة متجددة لاستدراج أموال الجهات الدولية المانحة ليس إلا. وقد حضر، أمس، وزير التربية عباس الحلبي وأركان وزارته إلى مجلس النواب لنيل مباركة لجنة التربية النيابية على خطته التي قال إنها تحرز تقدماً على مستوى التطبيق، «فعدد التلامذة المسجلين بلغ حتى اليوم 185 ألفاً»، مشيراً إلى أن الوزارة حصلت على 200 ألف حساب لتوزيعها على الأساتذة لتسيير «التعليم أونلاين». إلا أن تسجيل التلامذة لا يعني أنهم يتعلمون فعلاً. مع ذلك، طمأن الوزير النواب بأنّ خطّته مرنة وقابلة لأيّ تعديل لدى حصول أيّ مستجد. وقال إنه لم يكن يتمنى أن تكون هناك حركة اعتراضية من روابط الأساتذة. أما المدير العام للتربية، عماد الأشقر، فعرض خطة الوزارة بسيناريواتها متوقفاً عند رقم الـ 50 في المئة من المدارس الملتزمة بالتعليم، واهتمام الوزارة برفع عدد التلامذة المسجلين وتأمين جودة التعليم والدعم النفسي لهم، مع إمكانية زيادة عدد المدارس المفتوحة وعددها اليوم 350 مدرسة. هنا اقترح بعض النواب، ومنهم النائب ناصر حيدر، إعادة توزيع النازحين على المدارس، فبدلاً من فتح 7 مدارس رسمية في جبل محسن يمكن وضعهم في 5 مدارس، والمدرستان الباقيتان تخصصان للتعليم، وأشار النائب أنطوان حبشي إلى اقتراح مماثل في دير الأحمر. وأيّد النائب ملحم خلف هذا التوجه.
اقترح نواب من لجنة التربية إعادة توزيع النازحين على المدارس
لكن الواقع على الأرض ليس زهرياً كما تصوّره الوزارة. فبعد دعوة البطريرك بشارة الراعي إلى «تحرير» المدارس الرسمية والخاصة من النازحين، تقود خطة الوزير إلى مواجهات كثيرة بين النازحين والمضيفين. وقد شهد يوم أمس إخلاء مدرسة في صوفر من النازحين بطلب من وزير التربية، إفساحاً لبدء العام الدراسي، رغم الوعود المتكررة للوزير بعدم إخلاء المدارس. كذلك، نظّمت حركات اعتراضية من أهالي التلامذة في بعض المناطق، إذ قطع عدد منهم طريق بلدة البيرة في قضاء عكار احتجاجاً على تعليم أبنائهم في فترة بعد الظهر، واضطرارهم للانتقال من منطقة إلى أخرى، ما يكبّدهم تكاليف نقل باهظة، فضلاً عن صعوبة عودة الصغار في وقت متأخر في منطقة جردية، ودعوا إلى إيجاد خطة بديلة. وفي بلدة خربة الجندي العكارية، حصلت مواجهة بين مدير المدرسة وأهالي البلدة الذين اعترضوا على التعليم بعد الظهر بعد إبلاغهم بأن المدرسة معتمدة كمركز لإيواء النازحين وأن أبناءهم سيدرسون في مدرسة أخرى بعد الظهر. وفي المنية ـ طرابلس، سيطالب أهالي مدرسة النبي كزبير، في وقفة ينظّمونها اليوم، بنقل النازحين إلى مكان آخر للافساح في المجال أمام التلامذة ببدء العام الدراسي، وعدم تشردهم إلى مكان آخر، وخصوصاً أن المدرسة تضم 1200 تلميذ.
وكان التيار النقابي المستقل قد أدان، في بيان، «العشوائية في قرارات وزارة التربية وغياب روابط التعليم عن القيام بالحد الأدنى من دورها المطلوب، ما يهدد باستمرار الفقدان التعلمي»، داعياً إلى تحويل قسم من 800 مليون دولار لتوفير مراكز إيواء لائقة للنازحين تسمح لهم بمساحة للتعلم والتعليم، وإعطاء الأساتذة حقوقهم المادية وصرف بدل مالي مؤقت للأساتذة النازحين لتغطية تكاليف النزوح، فضلاً عن توفير إنترنت واشتراك كهرباء مجاناً.