يصرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على وضع مختلف القوى الإقليمية والدولية تحت الأمر الواقع، واستدراجهم إلى حرب واسعة في لبنان أو المنطقة. يسعى الرجل إلى تجاوز كل الضغوط التي تُمارس عليه للجمه عن الإقدام. يحاول الالتفاف على كل التحركات السياسية والديبلوماسية. اختار تأجيل جلسة الحكومة الإسرائيلية لمناقشة وضع الجبهة مع لبنان من يوم الأحد إلى يوم الإثنين، ليكون انتهى من اجتماعاته مع المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، فيتخذ من نتيجة الاجتماعات ذريعة تتصل بإعلان الحكومة الإسرائيلية العمل على إعادة “سكان الشمال”، ما يبيح له توسيع نطاق عملياته العسكرية.
أسلحة جديدة
حتى الآن لا يزال الحديث في المعطيات الدولية والديبلوماسية يشير إلى استبعاد تنفيذ الإسرائيليين عملية برّية. بل تكثيف العمليات الجوية، وشنّ غارات عنيفة، يستخدم فيها سلاح جديد وثقيل لتدمير مخازن أو أنفاق. ذلك لا بد له أن يستدعي تصعيداً من قبل حزب الله وتكثيفاً للعمليات.
ما يدّعيه نتنياهو هو توسيع العمليات العسكرية لإعادة سكان المستوطنات الذين تم تهجيرهم من قبل الحزب وتوفير الاستقرار لهم. في المقابل، فإن استراتيجية الحزب المضادة هي تنفيذ عمليات واسعة واستخدام أسلحة جديدة، يكون من خلالها قادراً على توسيع مروحة تهجير المستوطنين من مستوطنات جديدة ستدخل على جدول “الاستهداف”.
بنك الأهداف
تضجّ الكواليس الديبلوماسية بالاستعداد لهذا التصعيد العسكري، لا سيما أن الإسرائيليين كانوا قبل فترة قد وضعوا قادة عسكريين غربيين ورؤساء أجهزة استخبارات، بما لديهم من بنك أهداف يشمل كل المناطق اللبنانية. ما عُرض كبنك أهداف هو مخازن أسلحة وصواريخ وأنفاق ومنشآت في مناطق سكنية ومتنوعة. يُفترض أن ترتكز العمليات الإسرائيلية على تنفيذ عمليات جوية لاستهداف هذه المواقع. ولكن التحدّي الأكبر بالنسبة إلى الإسرائيليين هو مخازن محصنة في الجبال والصخور، ولا قدرة للطيران الحربي على تحقيق إصابات مباشرة فيها، وهذا ما كان يقصده أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله عندما تحدّث عن توفير مناطق آمنة ومواقع جديدة لحماية الصواريخ البالستية. ما يرفع مستوى التحدي أمام الإسرائيليين.
في الجبال والمغاور
في سنوات سابقة، نشر الإسرائيليون في مراكز أبحاثهم، أو نقلاً عن تقديرات عسكرية، تقارير تشير إلى تخزين حزب الله لأسلحة وصواريخ دقيقة ومتطورة في سلسلة جبال لبنان الشرقية وفي المنطقة التي يسيطر عليها الحزب ما بين لبنان وسوريا. مع الإشارة إلى أن هذه المناطق جبلية صعبة ووعرة وصخرية، وتحتوي على مغاور كثيرة تم تحويلها إلى مراكز عسكرية. وبحال كانت هذه التقديرات صحيحة، فإن الطيران الإسرائيلي سيواجه صعوبة كبيرة في الوصول إلى إصابة هذه المواقع وتحقيق الأهداف العسكرية بواسطة الغارات الجوية، ما قد يضع إسرائيل أمام تجربة تحدّ جديدة، مشابهة لتجربة الإنزال الذي تم تنفيذه قبل أيام في مصياف وتدمير منشأة لتطوير الصواريخ والطائرات المسيّرة. بحال فكّر الإسرائيليون بهذه الطريقة، ستكون العمليات العسكرية قد انتقلت إلى مرحلة جديدة مفتوحة على مخاطر كبيرة.
العملية البرّية
ليس بعيداً عن ما يجري التداول به في أوساط سياسية وديبلوماسية، يتجدد الحديث في الكواليس عن إمكانية لجوء الإسرائيليين لتنفيذ عملية برية ضد حزب الله في الجنوب اللبناني. بداية، لا بد من الإشارة إلى حجم المطالب الإسرائيلية من قبل سكان المستوطنات الشمالية للتعامل مع حزب الله، في سبيل توفير ظروف عودتهم الآمنة، بالإضافة إلى وضع الجيش الإسرائيلي لاقتراحات عديدة حول كيفية التعامل مع الحزب، بما فيها اقتراحات لتنفيذ عملية عسكرية برّية والدخول إلى شريط أمني داخل لبنان. وهو ما يشدد عليه قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي.
بعض الخطط العسكرية التي يتم الحديث عنها ديبلوماسياً، تحاكي خطة آرييل شارون في حرب العام 1973، وهي تنفيذ عملية برية لفتح “دفرسوار” انطلاقاً من الجولان السوري باتجاه البقاع الغربي وجنوب لبنان، واستغلال الإسرائيليين لخواصر يعتبرونها رخوة، يمكنهم الدخول إليها وتشكيل خط عسكري وأمني يسمح لهم بتطويق حزب الله. نقاشات أخرى تشير إلى احتمال تنفيذ الإسرائيليين لعمليات إنزال أو تقدم برية في بعض القرى الحدودية المتاخمة للشريط الحدودي، مع الإصرار الإسرائيلي على التلاعب بالهامش “المذهبي أو الطائفي”، والوصول إلى تخوم “القرى الشيعية”.
يحاول نتنياهو أن يستعيد من تجربة حرب العام 1973 معادلة خوض إسرائيل الحرب على جبهات متعددة، ولكن مع مدى زمني أطول. وهذا لا يزال مستبعداً في حسابات الكثيرين، وخصوصاً حزب الله، الذي يرى أن إسرائيل أعجز من خوض حرب برية على جبهات متعددة. يستخف الحزب بكل ما يتم تسريبه أو يجري التداول به، ويضعه في خانة الحرب النفسية وممارسة الضغوط على اللبنانيين وعليه وعلى بيئته الحاضنة، لتخويفهم ودفعهم للتأثير عليه لتقديم التنازلات المطلوبة.
منير الربيع – المدن