من سيئ إلى أسوأ، ومن فشل إلى أفشل، ومن سافل إلى أسفل نزولاً نحو قعر “جهنم”… تقود الأكثرية الحاكمة، بحسب “نداء الوطن”، دفة “الهروب إلى الأمام” تهرباً من مسؤوليتها عن الإصلاح ومساءلتها عن الفساد والهدر والنهب وكل الارتكابات التي اقترفتها بحق اللبنانيين والنكبات التي ألحقتها بهم، حتى أصبحوا تحت إمرتها مواطنين مسحوقين في دولة فاشلة منزوعة الكرامة الوطنية على أبواب المصارف والأفران والصيدليات والمستشفيات والمحطات والسوبرماركات، ومنزوعة السيادة الوطنية على أعتاب القرارات الاستراتيجية في الحرب والسلم والنأي والحياد.
وعلى بساط الانهيار، تتمدد تفليسة السلطة وتتنوع عوارض انفصامها عن الواقع لتتجلى خلال الساعات الأخيرة في “متلازمة” إنكار الفشل على المسارين السياسي والميداني، سواءً من خلال مكابرة رئيس الجمهورية ميشال عون وتمنعه عن الإقرار بفشل مناورة استدراج المكونات السياسية إلى طاولة الحوار لإعادة تعويم العهد وتياره، أو عبر انكشاف مسرحية “التظاهر بالتظاهر” ضد السلطة التي أدارها بسام طليس وفشلت فشلاً ذريعاً في استدراج الناس إلى شوارع احتجاج مدجّجة باتحادات ونقابات المنظومة.
فعلى المستوى الرئاسي، خرجت مشاورات “الفريق الواحد” في قصر بعبدا على مدى يومين بخلاصة وحيدة أكيدة كرست عزلة العهد وشرذمة أكثريته الحاكمة، فكانت الصورة جلية أمام أعين الداخل والخارج… إلا رئيس الجمهورية آثر وحده النظر إلى فشل دعوته الحوارية من زاوية الانتصار في جولة جديدة من معركة “ما خلوني” التي يخوضها ضد الحلفاء والخصوم على حد سواء في معرض التنصل من مسؤولية العهد وتياره عما آلت إليه أحوال اللبنانيين.
ومن هذا المنطلق، رأت مصادر معارضة أنّ البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية أمس “أقل ما يقال فيه إنه استخفاف فاضح بعقول الناس ومحاولة مفضوحة متجددة لرمي تبعات الانهيار على الغير”، موضحةً أنه “كان من الأجدى برئيس الجمهورية بدل التباكي على أطلال الحوار والقفز فوق الأسباب الحقيقية لمعاناة اللبنانيين أن يطالب حلفاءه قبل غيرهم بتغليب “الحس الوطني” والمسارعة إلى تحمل المسؤولية في فك الحظر عن اجتماع مجلس الوزراء للشروع بالخطط الإصلاحية الإنقاذية التي كان للتيار الوطني الحر وأكثريته الحاكمة، رئاسياً وحكومياً ومجلسياً، الباع الأكبر في إجهاضها على مر السنوات الأخيرة، حتى وصل اللبنانيون إلى ما وصلوا إليه من انهيارات متتالية بلا مال ولا كهرباء ولا غذاء ولا دواء”.
وإثر إصرار عون على إبقاء باب الدعوة إلى الحوار مفتوحاً، محملاً المقاطعين والرافضين “مسؤولية ما يترتب على استمرار التعطيل”، ومتهماً إياهم بالافتقار إلى “الحس الوطني” على اعتبار أنهم يعرقلون مبادراته الإصلاحية وجهوده الحثيثة الهادفة إلى “إنقاذ لبنان وشعبه”، تتالت ردود الفعل المستغربة لحالة الإنكار والهروب إلى الأمام، فبرزت دعوة رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط إلى اجتماع الحكومة “بعيداً عن الحسابات الفئوية الضيقة، والإفراج عن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”، بينما استرعت الانتباه الهجمة المرتدة التي شنها “المستقبل” على عون، بدءاً من اعتبار مستشار الرئيس سعد الحريري الإعلامي حسين الوجه أنّ البيان الصادر عن بعبدا يثبت “حالة البارانويا التي يعانيها العهد والحزب الحاكم”، واصفاً عون بأنه “الأب الروحي والسياسي لثقافة تعطيل المؤسسات والحوارات والحكومات”، بينما وصفه الأمين العام لتيار “المستقبل” أحمد الحريري بأنه “بيّ التعطيل وعم يحكي عن الحس الوطني… فاقد الشيء لا يعطيه”.
من جهة ثانية، لاحظت مصادر مطلعة عبر “اللواء” أن مكونات بيان رئاسة الجمهورية، بالامس عن خلاصات لقاءات ومشاورات رئيس الجمهورية ميشال عون بخصوص دعوته لحوار وطني،مقتبس بمجمله عن فحوى تصريح رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الذي ادلى به ،بعد مقابلته اول امس عمه رئيس الجمهورية ببعبدا، بما فيه ذلك روحية استفزاز الخصوم السياسيين، والتهرب من مسؤولية العجز والفساد، والفشل بادارة السلطة، ومحاولة القاء مسؤولية انهيار الدولة عليهم خلافا للواقع والحقيقة.
وكان الاجدى تبني تصريح باسيل بالكامل واسقاطه في بيان رئيس الجمهورية، تفاديا لاي ثغرات او نواقص بالمضمون، لكي لا يصدر مبتورا او متحورا عن معناه وأهدافه.
واعتبرت المصادر ان البيان، لا يعبر عن نوايا وتوجهات ايجابية ورغبة سليمة، في تشجيع جميع الاطراف السياسيين للجلوس الى طاولة الحوار الوطني، للاتفاق على المخارج والحلول الممكنة للانقاذ، بل يجسد سياسة التباعد وتعميق هوة الخصومات السياسية، التي مارسها رئيس الجمهورية ووريثه السياسي منذ توليه سدة الرئاسة قبل خمس سنوات وحتى اليوم.
وتساءلت المصادر عن اسباب تأخير الدعوة للحوار حتى الآن، اذا كان رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، يرغب حقا القيام به، في حين لم يترك مناسبة، الا وعطل فيها كل محاولات التقارب وشبك الايادي لانقاذ البلد، وكان هدفه تجاوز جميع الاطراف والتقاتل المستمر معهم، تحت عناوين ظرفية هشة، وحجج مزيفة، حتى وصل البلد الى ماهو عليه حاليا من خراب.
واشارت المصادر السياسية الى ان التهرب من تحديد المسبب بالخراب في البيان، وهو تبادل ادوار التعطيل بين حزب الله والفريق الرئاسي، لا يخفي الحقيقة المكشوفة امام الرأي، وكان من المفيد تضمين البيان الرئاسي بان مسؤولية التدهور الحاصل، تقع على حزب الله، حليف الرئيس عون، لانه يمعن بتعطيل جلسات مجلس الوزراء وشل عمل الحكومة عمدا، وليس الهروب من خلال تنظيم هزلي لمسرحية الحوار غير الممكنة بكل المقاييس حاليا.